كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن الولايات المتحدة تراجعت عن خطط لفرض عقوبات على قوات الأمن السودانية، بسبب مذبحة فض اعتصام المحتجين السودانيين، من أجل تمهيد الطريق للتوصل إلى تقاسم للسلطة بين القادة العسكريين والمدنيين.
ونقلت المجلة عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين قولهم إن مجلس الأمن القومي الأميركي عقد، في منتصف يونيو/حزيران، سلسلة من الاجتماعات لمناقشة الرد الأميركى على القمع العنيف الذي تعرّض له النشطاء المطالبون بالديمقراطية من قبل قوات الأمن فى السودان.
وبحسب فورين بوليسي، فإنه تم تكليف وزارتي الخارجية والخزانة بوضع استراتيجية للعقوبات على السودان، تهدف جزئياً إلى معاقبة قوات الدعم السريع وقائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مشيرة إلى أنه تم تأجيل تلك الخطط، حتى لا تتأثر محادثات السلام الهشة بين القادة المدنيين وقيادات المجلس العسكري الانتقالي في السودان.
ووفقا للمجلة، فإن المداولات الداخلية تظهر حساسية الموقف الدبلوماسي للولايات المتحدة، وهي تحاول رعاية انتقال السودان إلى الديمقراطية بعد 30 عاماً من حكم البشير، مشيرة إلى أن المسؤولين والخبراء الأميركيين يشعرون بالحيرة أمام الخيارات السياسية.
ونقلت المجلة عن مسؤولين أميركيين مطلعين على المداولات الأميركية بشأن السودان قولهم إن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية يرون أن على واشنطن أن تعاقب القيادات العسكرية السودانية بسبب أعمال العنف الواسعة، ومن بينها مزاعم ارتكاب جرائم قتل واغتصاب وتعذيب في أحداث العنف التي وقعت في الثالث من يونيو/حزيران، حتى يعرف الجميع أن مثل هذه الجرائم لن تمر من دون عقاب من قبل المجتمع الدولي، بينما يتخوف آخرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تحبط، على المدى الطويل، صفقة تقاسم السلطة وتغرق البلد في مزيد من الفوضى.
وكان مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، تيبور ناجي، قد عبّر، في مؤتمر صحافي، عن قلقه إزاء عدم استقرار السودان، مشيراً إلى أن "هناك بعض السيناريوهات المحتملة التي ستكون سلبية للغاية". وأضاف "يمكن أن ينتهي بنا المطاف إلى نوع من الفوضى السائدة في ليبيا أو الصومال، وآخر ما تريد مصر هو وجود ليبيا أخرى على حدودها الجنوبية".
وقال مسؤول أميركي للمجلة إن المبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى السودان، دونالد بوث، أحد أبرز المدافعين عن وقف العقوبات، يخشى أن يحرف مثل ذلك محادثات السلام عن مسارها، لافتة إلى أن المتحدث باسم وزارة الخارجية وصف تلك الادعاءات بـ"المضللة".
وأضاف المسؤول: "تواصل الحكومة الأميركية مساعيها لدعم تشكيل حكومة بقيادة مدنية تتمتع بدعم واسع من الشعب السوداني، لكن الوضع في السودان لا يزال يتسم بعدم الاستقرار وسرعة الحركة، وقد استخدمت الحكومة الأميركية وستواصل استخدام أدواتها الدبلوماسية لتسهيل هذا الانتقال بطريقة سلمية ومنظمة"، مشيرا إلى أن زارة الخارجية الأميركية لا تعلق على أي عقوبات قبل أن يتم إقرارها.
وقال الدبلوماسي الأميركي السابق والموظف في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون، لـ"فورين بوليسي": "تبدو العقوبات في الوقت الراهن سابقة لأوانها، نظرا لهشاشة الوضع السوداني، إضافة إلى حساسية المفاوضات".
ويعتقد خبراء ومسؤولون آخرون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استخدام العقوبات بشكل أكثر فعالية، أو على الأقل التهديد العلني بفرض عقوبات عند التواصل مع شخصيات عسكرية بارزة في السودان، لضمان التزامها بنقل الحكم إلى قيادة مدنية.
وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن هويته: "لا أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق يمكن أن يقبل به المجلس العسكري الانتقالي، حتى يدركوا أنه ستكون هناك عواقب لعمليات القمع العنيف، وإلا فإننا سنحصل على نفس النتائج مرة أخرى إذا لعبنا مع نفس اللاعبين بنفس التكتيكات".
وقال المسؤول السابق في وزارة الخزانة، جوشوا وايت، للمجلة "ليس لدى المجلس العسكري الانتقالي أو حميدتي أو غيره ما يحفزهم على الانخراط بشكل هادف أو صادق في مفاوضات للتخلي عن السلطة بالكامل، واستخدام العقوبات بشكل استباقي إلى جانب الدبلوماسية ربما يكون أفضل فرصة للشعب السوداني لتحقيق انتقال ديمقراطي".
وواجهت إدارة ترامب ضغوطًا من الكونغرس لفرض عقوبات على المتورطين في قمع المحتجين السودانيين، حيث دعا النائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إليوت إنجل، الشهر الماضي، وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوشن، إلى معاقبة حميدتي وقوات التدخل السريع على "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، من أجل "إرسال رسالة قوية إلى الشعب السوداني".
ويرى هدسون أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تصطفّ بشكل أوثق مع قوى الحرية والتغيير مع استمرار المفاوضات، مضيفا "تكمن الحقيقة في السودان في أن هناك طرفا، هو المجلس العسكري، يحكم بطريقة وحشية، ويظهر استعداده لإخماد الاحتجاجات السلمية بالقوة، وطرفا آخر يتمثل في انتفاضة ديمقراطية مدنية تبحث عن الحرية بعد 30 عامًا من الحكم الديكتاتوري. يبدو الأمر وكأننا ما زلنا غير مدركين مع أي طرف ينبغي علينا أن نكون".