"فوتوكوبي": فيلم مصريّ عجوز

01 أكتوبر 2017
محمود حميدة (Getty)
+ الخط -
فوت
الفيلم الأول بالنسبة لأي مخرج، أو كاتب سيناريو، أقرب لبطاقة تعارف مع العالم، عادة ما يحمل رؤيته وشغفه و"الجديد الذي يمكن أن يقدمّه لهذا الفن"، والفيلم المصري "فوتوكوبي" الذي يقوم ببطولته محمود حميدة وشيرين رضا، هو الفيلم الأول لمخرج وكاتب شابين هما تامر عشري وهيثم دبور. ورغم ذلك فقد خرج الفليم "عجوزاً"، ليس لسن أبطاله ولا لأن قصته الأساسية هي علاقة حب تنشأ بينهما، ولكن لأن كل الجماليات التي يحاول الاعتماد عليها في الصورة والصوت والحوار هي جماليات "قديمة"، تشعر أنك شاهدتها عشرات المرات من قبل، وتدرك تماماً أين سينتهي المشهد فور أن يبدأ، ليخرج الفيلم مُثقلاً بإرثٍ من "الكليشيهات"، ومفتقداً الحد الأدنى من الصدق.

في حواره الشهير مع فرانسوا تروفو قال المخرج ألفريد هيتشكوك إن "المهمة الأساسية لأي صانع عمل هو أن يعرف ما يحكي عنه"، وفي "فوتوكوبي" يظهر واضحاً أن "عشري" و"دبور" لا يعرفان تماماً ما يقدمانه. القصة تدور حول "عم محمود"، الرجل العجوز الذي يملك محل تصوير وطباعة في منطقة "عبده باشا" في القاهرة. يشعر محمود فجأة بالحب نحو جارته "السيدة صفية"، الأرملة الخمسينية التي تعيش بمفردها في الشقة الموجودة في نفس عمارة محله، ونتابع خلال الأحداث محاولاته لإقناعها بالزواج.
هناك قدر لا بأس به من العيوب السردية في "فوتوكوبي"، كل منها تجعل قصته هشَّة تماماً، فأولاً نحن لا نعرف أي شيء عن الشخصيات (وعلى رأسها الشخصيتان الرئيستان) أكثر من وصف أو اثنين، لا نعرف للأبطال أقرباء أو أصدقاء أو معارف. يجعل الفيلم "وحدتهم" هي الصفة الوحيدة لحياتهم، ويلجأ للـ"كليشيهات" من قبيل الابن الذي سافر وهجر أمه ويعاملها بعدم اهتمام أو الجارة التي تسأل على "محمود" ثم تسافر، دون صدق أو قرب حقيقي من حيوات أو ماضي أو جوهر الشخصيات. وهو ما ينقلنا للنقطة الثانية الأهم: من المفترض أن هذين الشخصين يعيشان في ذلك البيت والمنطقة منذ 20 عاماً على الأقل، كذلك فقد خرج محمود إلى المعاش وأصبحت جارته أرملة منذ سنوات، فما هو الشيء الذي يجعله يقع في حبها الآن؟ ولأننا لا نعرف شيئاً حقيقياً عن الشخصيات فالحقيقة أنه لا يوجد سبب، فجأة نظر إليها ووقع في حبها لأن صناع الفيلم أرادوا ذلك.

بصرياً وإخراجياً كذلك لا يخلق الفيلم أي لغة تخصه، منذ المشهد الافتتاحي الذي نرى به وجه "محمود" في مكتب توظيف، وهو مشهد شبيه جداً في لقطاته وطريقة تصويره بالمشهد الافتتاحي في "السيد شميت" (من بطولة جاك نيكلسون وإخراج أليكساندر بين 2002).

وعلى نفس المنوال يحاول الفيلم أن ينقل كل الجماليات المحفوظة لدرجة الرتابة، مثل الاحتفاء بكل ما هو قديم، وخلق إيقاع في الحركة وطريقة الكلام مرتبطة بهذا القدم، وصولاً لاستخدام الصوت، والأغاني القديمة الموجودة والمُشار إليها بكثافة، رغم أن "جمالية استخدام الأغاني الكلاسيكية" هي أمر استخدمته الأفلام المصرية المستقلة القصيرة لدرجة التّخمة. وحين قرر مخرج كبير مثل محمد خان –على سبيل المثال- جعل صوت ليلى مراد هو عنصر أساسي في فيلمه "شقة مصر الجديدة" فعل ذلك بفنية وصدق وإطار يجعل أغنية "قلبي دليلي"جزءاً من روح العمل. بينما صوت فريد الأطرش هنا هو مجرد فائض مفتعل لمخرج وكاتب لا يعرفان فعلاً ما يحكيان عنه.
ووسط كل هذا فحتى أداء محمود حميدة، رغم جاذبيته الفطرية، لا يحمل الكثير ولا يدخل لعمق الشخصية، يبدو هنا مثل لاعب الكرة الخبير الذي قرر أن يجاري من حوله و"يلعب على قدر المباراة" من دون جهد حقيقي. وشيرين رضا في المقابل انغمست – كما المخرج ــ مع الصورة الملتصقة بها أي السيدة المغرية فلعبت دور "المرأة الجميلة التي تقدم شخصية عجوز"، لتبالغ في حركتها الجسدية وطريقة نطقها للجمل، ولم تعطِ أبداً للشخصية أي شيء إضافي.

دلالات
المساهمون