"فظائع دبلوماسية": جريمة خاشقجي كما روتها التسجيلات [1/ 2]

12 فبراير 2019
بقي خاشقجي متماسكاً عند سماع تهديدات فريق الاغتيال(فرانس برس)
+ الخط -
كانت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية، من المؤسسات الإعلامية الأولى التي نشرت تسريبات تتعلق بتفاصيل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في 2 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. واستكمالاً لمتابعة القضية أصدرت "صباح" أخيراً كتاباً بعنوان "فظائع دبلوماسية: الأسرار المظلمة لقتل خاشقجي" أعده وكتبه صحافيون فيها (فرحات علنو، وعبد الرحمن شيمشك، ونظيف كرمان) تضمّن تفاصيل عدة لم يسبق نشرها في وسائل الإعلام من قبل.

وجاء الكتاب ـــ الصادر في ديسمبر/كانون الأول الماضي باللغة التركية ـــ في 352 صفحة، قسّمت على فصول عدة، متناولاً الأحداث بتفاصيلها، والظروف المحيطة بعملية القتل، وأسبابها مع نظرة على الأوضاع المحلية للسعودية، والأوضاع الإقليمية والدولية.

كما يشكل الكتاب، الذي اطّلع "العربي الجديد" عليه، وثيقة مهمة لأنه يجمع مختلف الوثائق والتسريبات والصور المتعلقة بقضية خاشقجي منذ مقتله في قنصلية بلاده، ويستعرض جميع المقالات والأخبار التي وثّقت حقيقة ما جرى، وفيه ذكر للتسريبات التي نشرت تباعاً. فضلاً عن ذكر بعض التفاصيل المتممة التي لم تذكر بعد.

ومن أهم المعطيات الجديدة التي تضمنها الكتاب، الحديث عن التسجيل الصوتي الذي تمتلكه المخابرات التركية. إذ لفت الكتاب إلى أن رئيسة المخابرات الأميركية جينا هاسبل، هي أول من استمع إلى هذه التسجيلات، أي قبل أن يتم عرضها على أجهزة المخابرات الأخرى. وكانت الأحاديث في التسجيلات كلها باللغة العربية فتمّت ترجمتها بشكل فوري إلى الإنكليزية عبر مترجم خاص. كما أشار الكتاب إلى أن هذه التسجيلات لم تلتقِط فقط فترة الجريمة، بل ما قبلها أيضاً إذ بدأت اعتباراً من الساعة 12:00 أي قبل أكثر من ساعة من قتل خاشقجي.

وتظهر التسجيلات التخطيط للجريمة والحديث الذي دار بين رئيس فريق الاغتيال، ضابط المخابرات ماهر مطرب، ورئيس الطب الشرعي صلاح الطبيقي، وفيها قال مطرب بأنهم سيقولون لخاشقجي "سنأخذك إلى السعودية"، وفي حال رفضه، سيقوم الفريق بقتله والتخلص من جثته. هنا قال الطبيقي بحسب الكتاب: "أنا معتاد على العمل على الجثث، وأعرف تقطيعها بشكل جيد، لكن لم أعمل من قبل على تقطيع جثة ساخنة، لكن أستطيع عمل ذلك. كما أني عادة ما أضع سماعات على أذني وأسمع الموسيقى أثناء التقطيع وأشرب قهوتي، وأدخّن سيجارتي... خاشقجي طويل يصل طوله إلى 180 سنتمتراً، يمكن تقسيم مفاصل الأضحية بشكل سهل. لكنّ المشكلة في التقطيع الذي سيأخذ وقتاً، عادة يتم تقطيع الذبيحة معلّقة، لم أقم بهذا العمل على الأرض من قبل. بعد أن أقوم بعملية التقطيع، تضعون أنتم القطع في الأكياس، ومن ثم لاحقاً تضعونها في الحقائب". وشدد مؤلفو الكتاب على أن استخدام كلمة الأضحية من قبل الطبيقي دليل آخر على وحشية الجريمة.

التسجيلات تظهر بوضوح أن مخطّط الجريمة وضع في الرياض وليس في القنصلية، كما ادعت السلطات القضائية السعودية، فبعد دخول خاشقجي بدقيقة واحدة فقط، جرى اصطحابه من قسم التأشيرات إلى مكتب القنصل السعودي محمد العتيبي من قبل فريق الاغتيال. وعندما تم التعامل معه بقوّة، قال خاشقجي لفريق الاغتيال "اتركوا يدي ماذا تظنون أنكم تفعلون؟". وفور دخول الصحافي السعودي غرفة العتيبي حتى عاجله ماهر مطرب بالقول "تعال اجلس، جئنا لنأخذك إلى الرياض". لكن جواب خاشقجي كان قصيراً وحازماً: "لن أذهب إلى الرياض". كما طُلب منه إرسال رسالة لابنه، ولكنه رفض أيضاً. وقد قال خاشقجي لقاتليه "هل هذا يعني أنكم ستقتلونني، هل ستخنقونني؟". إلا أن مطرب طالبه بالتعاون ليخفي نيته المبيّتة.

ويُفهم من التسجيلات بحسب الكتاب كيف بقي خاشقجي صامداً في وجه فريق الاغتيال، ولم تظهر عليه علامات الخوف، ولم يتردد حتى مقتله. أما مضمون الرسالة التي طلب منه إرسالها لابنه فتقول: "بنيّ أنا في إسطنبول، لا تقلقوا عليّ إن لم تستطيعوا التواصل معي لفترة". لم يكن لدى فريق الاغتيال نية مواصلة الحديث وإقناع خاشقجي بمطالبهم، فأتى الأمر من مطرب، وأُخرجت الآلات الحادة بسرعة ووضعت على الطاولة الكبيرة في الغرفة. عندها كان خاشقجي جالساً على الأريكة، ورغم مظهر الآلات لم يبدِ أيّ خوف. ورغم إدراكه بأنه سيموت، لم يتراجع عن رباطة جأشه، ولم يتحرك من مكانه.

يواصل الكتاب سرد ما حصل، إذ إنه وبتعليمات من مطرب تحرك خمسة أشخاص من فريق الاغتيال باتجاه خاشقجي لخنقه، من بينهم شخص "ربما يكون ذعار غالب الحربي، حاول كمّ فم خاشقجي. لكن الأخير نجح في تخليص نفسه، وبعدها انقض الأربعة الآخرون فوقه، ومن المؤكد أن واحداً من الذين انقضوا عليه هو محمد سعد الزهراني. وبعدها استغرقت عملية قتله سبعة دقائق ونصف الدقيقة إذ أحكموا مسك يديه وقدميه. وكان معروفاً عن خاشقجي أنه رياضيّ وتلقّى تدريباً حول الدفاع عن النفس، وقد حاول جاهداً إنقاذ نفسه، وأثناء ذلك نجحوا في كتم فمه ليئن ويقول "لا تغلقوا فمي، لدي سلّ، لا تفعلوا ذلك أنا أختنق". هذه كانت جملته الأخيرة، فجلادوه تمكنوا من وضع كيس على رأسه لقتله. وبعد هذه اللحظة مرت خمس دقائق قاوم فيها خاشقجي، قبل أن يموت. وبحسب الكتاب تأثرت جينا هاسبل بلحظات خاشقجي الأخيرة بسبب مأساويتها، كما دمعت عينا المترجم، وتقطّع صوته.

بعد قتل خاشقجي، كانت الخطوة الأولى من قبل فريق الاغتيال هي نزع ملابسه وإعطائها لشبيهه، ليبدأ الطبيقي بعملية التقطيع، والتي جرت بغرفة القنصل العتيبي، واستغرقت نصف ساعة. وقد ساعد الحربي والزهراني في العملية، كما أن الطبيقي سحب عبر الوريد قسماً من دم خاشقجي لكي لا تسيل أثناء التقطيع، وبعد ذلك سكبت كمية الدماء هذه في مجاري الحمامات، ووفق التسجيلات سُمعت أصوات آلات لتقطيع العظم والتشريح بشكل متكرر. كما سُمع صوت الطبيقي يوبخ مساعديه "لماذا تقفون هكذا؟"، ويصدر تعليماته بتوتر، مفضلاً هذه المرة عدم الاستماع للموسيقى.

جينا هاسبل وبعد فترة الصمت قالت "مهما كانت الطريقة التي تم الحصول فيها على التسجيلات إلا أنها عملية استخبارية ناجحة قد يصدف حدوثها مرة أو اثنتين في التاريخ، نبارك لكم هذا النجاح الاستخباري"، قبل أن تعود إلى واشنطن وتبلغ البيت الأبيض والرئيس الأميركي دونالد ترامب بما استمعت إليه.

الكتاب يتناول أيضاً أن رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان لدى لقائه برئيس أمن الدولة السعودي عبد العزيز بن محمد الهويريني، لم يقدم له الأدلة فوراً، بل خاطبه بحزم عن امتلاك أنقرة تسجيلات صوتية، قائلاً له: "أنتم تعلمون من القاتل، وهذا الأمر كالغرغرينا، عليكم قطع اليد التي تعاني منه، وإن تأخرتم فإنه سيسري في باقي الجسد".

في المرحلة التالية، وفي فترة طلب تفتيش القنصلية وفقا لاتفاق فيينا، فإن الادعاء العام التركي طلب التفتيش في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وجرى تمييع الموضوع من الجانب السعودي 10 أيام كاملة، وقد رفض الجانب السعودي استخدام أشعة لومينول (قادرة على الكشف عن وجود وحتى تعقب كمياتٍ من الدماء) في التفتيش. لكن الجانب التركي لم يقبل وأصرّ على موقفه، فواصل الجانب السعودي كسب الوقت وطالب بأسماء فريق التفتيش ومبررات التفتيش. وبناء عليه تم السماح لقوى الأمن التركية بالدخول للقنصلية وتفتيشها. هكذا كسب السعوديون الوقت ووضعوا خطة تنظيف المكان من أي دلائل قد يتم العثور عليها، وتمت عملية التنظيف على أربع مراحل. كما أن الجانب السعودي طلب التفتيش بالعين المجردة، فردّ الجانب التركي بإصرار بأن "تركيا ليست دولة موز، فريق التفتيش لن يأتي ليشرب الشاي، سيأتي مع أدواته المخبرية الجنائية". في الجزء الثاني من مراجعة الكتاب: مصير جثة خاشقجي، لقاء الاستخبارات التركية والسعودية، وفرق الموت السعودية في تركيا.

المساهمون