31 أكتوبر 2024
"فتيات" حماس.. ثقب صغير في الجدار
(1)
حينما تنظر إلى "بحر" الإخفاقات التي "نتمتع" بها في المشهد العربي، تشرع بالبحث عن نقاط مضيئة كي تتوازن، وتغذّي روحك المشروخة بقليلٍ من الانتعاش، كي لا تسقط في حفرة القنوط والسواد.
اعتدنا عقوداً أن نرى "شباك" ملعبنا يهتزّ بالأهداف التي يسجلها العدو، والصديق والشقيق أيضاً، بل حتى حارس المرمى لم يُقصّر، هو الآخر، بتسجيل الأهداف في مرماه، إن لم نقل إن "الجمهور" أيضا لم يقصّر في خذلان فريقه، والنزول إلى الملعب أيضاً لتمزيق شباك المرمى، لا تسجيل أهداف فيه فقط.
وسط هذا الإخفاق، تمسّك بإنجاز، أي إنجاز، حتى ولو كان متناهياً بالصغر، لكنه يحمل أكبر من مغزاه.
في الأخبار، أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تنتحل شخصيات فتيات على "فيسبوك" للتواصل مع جنود جيش العدو الإسرائيلي، بهدف كشف أسرار عسكرية، ووفق ما نشر هذا الجيش، أخيراً، في وسائل إعلام إسرائيلية، نفذت الحركة هجوماً إلكترونياً استهدف جنود العدو عبر "فيسبوك" حيث تواصل "جنود" عبر حسابات "فيسبوك"، بأسماء وصور فتيات جميلات، ونجحوا في استدراج أولئك الجنود إلى كشف معلومات دقيقة عن جيشهم. ويبدو أن الأمر لفت نظر جهات الرصد لديهم، في أعقاب بلاغات عديدة وصلت من الجنود عن تواصل حسابات "مشبوهة" معهم عبر "فيسبوك"، واستدراجهم إلى تنزيل تطبيقات تعارف، ومن ثم قطع الاتصال. وبناء عليه، أطلقت وحدة الحفاظ على أمن المعلومات في جيشهم حملةً للتعرّف على حقيقة هذه الحسابات، حيث نشر صوراً للفتيات اللاتي "استعارت" حماس صورهن، وكذلك معلومات عن تطبيقات تابعة للحركة، كانت ترسلها إلى الجنود عبر الحسابات المسروقة. واعترف جيش العدو بأن "حماس" تواصلت مع جنود جيشه عبر "فتيات" سرقت هويتهن، وبعد تعزيز العلاقة معهم، طلبت منهم تنزيل تطبيقات تعارف، هي فيروسات لاختراق المعلومات على الجهاز.
والمحصلة أن جنودا كثيرين، حسب اعتراف وسائل إعلام إسرائيلية، وقعوا في الفخ، منهم
رائد. واستطاعت "حماس" الحصول على معلوماتٍ عسكرية دقيقة عبر الحسابات المسروقة، مثل: رؤية معدات عسكرية سرية، ومعرفة أماكن تجمع الجنود، ومواقيت التدريبات العسكرية. واعترف الجيش بأن مقاتلي "فيسبوك" أظهروا تمكّنا في اللغة العبرية، إذ استطاعوا التواصل مع جنود الجيش من دون إثارة شكّهم. وفي أعقاب هذا الاختراق الناجح للمنظومة الأمنية الصهيونية، اتخذ الجيش إجراءات خاصة، في مقدمتها كشف الحسابات على الملأ ورفع التوعية لدى الجنود، في الخدمة الإلزامية والاحتياط، لظاهرة سرقة هويات الحسابات على "فيسبوك"، وإقامة مركز اتصالات لتلقي الشكاوى حول حسابات مشبوهة أخرى.
المفرح أن ينجح "جنود" من المعسكر العربي في تسجيل إنجاز حقيقي، في إحدى الساحات التي طالما سجل العدو انتصاراتٍ مبهرة فيها، وهي من الساحات الأثيرة لديه، وكثيراً ما كنا ضحايا "فتياته الجميلات"، وتلك، لعمري، إحدى المبشّرات، فلم يسبق أن قرأت عن نجاح عربي في مواجهة العدو، بسلاح "الجنس" الأثير لديه، وتسجيل نجاحٍ فيه، وفق اعترافه هو، ووفق ما تنشر وسائل إعلامه.
(2)
الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ البشري لم تُهزم من عدو خارجي، بل هزمها "فيروس" داخلي، أكل بطنها، حتى إذا تعرّضت لتهديد جدي من الخارج، حتى ولو كان هامشياً، تداعت وتحللت، وذهبت إلى كتب التاريخ.
في أيامنا هذه، ثمّة إمبراطورية تسمى "إسرائيل" هي كذلك ليس بالمعنى الحرفي للمصطلح، بل نسبة لأسيجة الحماية التي تلتف حولها. كانت، منذ قيامها، تحظى برعايةٍ منقطعة النظير، القليل مما قام به اليهود هو ما أعطاها هذه الصفة الإمبراطورية، وبين إعلان "قيام الدولة" واستوائها على عودها، كان النظام العربي الرسمي يعطيها كل ما "تستحق" من حمايةٍ وحدبٍ ورعايةٍ سراً وعلانيةً، وكل الزعماء والقادة الذين "فكّروا"، ولو في أحلام اليقظة بالنيْل منها، تمّت إزاحتهم وإنزالهم عن "الشاشة".
في المنظور القريب، لم تزل إمبراطورية بني إسرائيل في أوج "عظمتها" وتغوّلها. بدأ بعض الرعاة يشعرون أن الغول الذي صنعوه يجب لجمه قليلاً، لأنه بدأ يشكل خطراً ليس على ضحاياه العرب فقط، بل عليهم هم أنفسهم، حتى "ترامبو" الذي يعد الإمبراطورية باستمرار الرعاية والعطف، ونقل سفارته إلى القدس، قال لها صراحة بمنطق "ابن السوق": على إسرائيل أن تموّل نفقاتها.. هذه الجملة "الصغيرة" التي ربما لم تلفت أنظار كثيرين، هي حجر سنمار الذي ربما يهدد بناء "القصر" الإمبراطوري، وليس المقصد هنا الإسراف في التفاؤل بشأن قرار مجلس الأمن 2334 الذي يخرج المستوطنات من تحت عباءة "الشرعية الدولية"، فهو مجرّد قرصة أذن للمعشوقة، لكنه ذو مغزى في قادم الأيام.
الرعاة والمحبون والعشاق الذين يحبون إمبراطورية إسرائيل من طرف واحد معنيون ببقائها
خنجراً في خاصرة الشرق، لكي يظل يئن وفي حالة "ارتخاء" حضاري، وحتى موت سريري، فشرقنا تحديدا هو ما يهدّد "رفاهية العالم الحر"، ومن الواجب الحفاظ على هذه الرفاهية، بإبقاء الشرق نائماً، أو غائباً أو مغيباً، وجنود الإمبراطورية هم من "يضمنون" دوام هذه الحال. وحدهم جنود الإمبراطورية يعملون اليوم على تفتيتها من الداخل، كشأن كل الإمبراطوريات الكبرى. إسرائيل هي العدو الأول لإسرائيل، وهي التي ستقضي عليها، تماماً كما يحدث في الطب، عندما تنتحر خلايا الجسم وتقتل نفسها، وهي عملية كيميائية معقدة، يصعب شرحها في مقالٍ كهذا، بالضبط كما هي مهمة شرح "التفاعلات الداخلية السياسية" للإمبراطورية، والتي ستؤدي إلى زوالها.
ما سبق ليس مخدّراً لانتظار الانتحار الذاتي للغول، فقد قلنا، ونعيد، إنه لا بد من عامل "خارجي" لمساعدة العامل الداخلي. أما بالنسبة لحركة حماس، فهي تكاد تكون وحيدةً في باب "العوامل الخارجية"، وكل ما فعلته وما يمكن أن تفعله لا يمكن أن يكفي لمواجهة جبروت "الإمبراطورية". لكن، من حقنا أن نحتفي بأي إنجازٍ تسجله في مرمى العدو، ونلقي الضوء عليه، حتى ولو كان "إنجازا جنسياً" صغيراً، قد لا يشكل غير ثقب صغير في الجدار.
حينما تنظر إلى "بحر" الإخفاقات التي "نتمتع" بها في المشهد العربي، تشرع بالبحث عن نقاط مضيئة كي تتوازن، وتغذّي روحك المشروخة بقليلٍ من الانتعاش، كي لا تسقط في حفرة القنوط والسواد.
اعتدنا عقوداً أن نرى "شباك" ملعبنا يهتزّ بالأهداف التي يسجلها العدو، والصديق والشقيق أيضاً، بل حتى حارس المرمى لم يُقصّر، هو الآخر، بتسجيل الأهداف في مرماه، إن لم نقل إن "الجمهور" أيضا لم يقصّر في خذلان فريقه، والنزول إلى الملعب أيضاً لتمزيق شباك المرمى، لا تسجيل أهداف فيه فقط.
وسط هذا الإخفاق، تمسّك بإنجاز، أي إنجاز، حتى ولو كان متناهياً بالصغر، لكنه يحمل أكبر من مغزاه.
في الأخبار، أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تنتحل شخصيات فتيات على "فيسبوك" للتواصل مع جنود جيش العدو الإسرائيلي، بهدف كشف أسرار عسكرية، ووفق ما نشر هذا الجيش، أخيراً، في وسائل إعلام إسرائيلية، نفذت الحركة هجوماً إلكترونياً استهدف جنود العدو عبر "فيسبوك" حيث تواصل "جنود" عبر حسابات "فيسبوك"، بأسماء وصور فتيات جميلات، ونجحوا في استدراج أولئك الجنود إلى كشف معلومات دقيقة عن جيشهم. ويبدو أن الأمر لفت نظر جهات الرصد لديهم، في أعقاب بلاغات عديدة وصلت من الجنود عن تواصل حسابات "مشبوهة" معهم عبر "فيسبوك"، واستدراجهم إلى تنزيل تطبيقات تعارف، ومن ثم قطع الاتصال. وبناء عليه، أطلقت وحدة الحفاظ على أمن المعلومات في جيشهم حملةً للتعرّف على حقيقة هذه الحسابات، حيث نشر صوراً للفتيات اللاتي "استعارت" حماس صورهن، وكذلك معلومات عن تطبيقات تابعة للحركة، كانت ترسلها إلى الجنود عبر الحسابات المسروقة. واعترف جيش العدو بأن "حماس" تواصلت مع جنود جيشه عبر "فتيات" سرقت هويتهن، وبعد تعزيز العلاقة معهم، طلبت منهم تنزيل تطبيقات تعارف، هي فيروسات لاختراق المعلومات على الجهاز.
والمحصلة أن جنودا كثيرين، حسب اعتراف وسائل إعلام إسرائيلية، وقعوا في الفخ، منهم
المفرح أن ينجح "جنود" من المعسكر العربي في تسجيل إنجاز حقيقي، في إحدى الساحات التي طالما سجل العدو انتصاراتٍ مبهرة فيها، وهي من الساحات الأثيرة لديه، وكثيراً ما كنا ضحايا "فتياته الجميلات"، وتلك، لعمري، إحدى المبشّرات، فلم يسبق أن قرأت عن نجاح عربي في مواجهة العدو، بسلاح "الجنس" الأثير لديه، وتسجيل نجاحٍ فيه، وفق اعترافه هو، ووفق ما تنشر وسائل إعلامه.
(2)
الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ البشري لم تُهزم من عدو خارجي، بل هزمها "فيروس" داخلي، أكل بطنها، حتى إذا تعرّضت لتهديد جدي من الخارج، حتى ولو كان هامشياً، تداعت وتحللت، وذهبت إلى كتب التاريخ.
في أيامنا هذه، ثمّة إمبراطورية تسمى "إسرائيل" هي كذلك ليس بالمعنى الحرفي للمصطلح، بل نسبة لأسيجة الحماية التي تلتف حولها. كانت، منذ قيامها، تحظى برعايةٍ منقطعة النظير، القليل مما قام به اليهود هو ما أعطاها هذه الصفة الإمبراطورية، وبين إعلان "قيام الدولة" واستوائها على عودها، كان النظام العربي الرسمي يعطيها كل ما "تستحق" من حمايةٍ وحدبٍ ورعايةٍ سراً وعلانيةً، وكل الزعماء والقادة الذين "فكّروا"، ولو في أحلام اليقظة بالنيْل منها، تمّت إزاحتهم وإنزالهم عن "الشاشة".
في المنظور القريب، لم تزل إمبراطورية بني إسرائيل في أوج "عظمتها" وتغوّلها. بدأ بعض الرعاة يشعرون أن الغول الذي صنعوه يجب لجمه قليلاً، لأنه بدأ يشكل خطراً ليس على ضحاياه العرب فقط، بل عليهم هم أنفسهم، حتى "ترامبو" الذي يعد الإمبراطورية باستمرار الرعاية والعطف، ونقل سفارته إلى القدس، قال لها صراحة بمنطق "ابن السوق": على إسرائيل أن تموّل نفقاتها.. هذه الجملة "الصغيرة" التي ربما لم تلفت أنظار كثيرين، هي حجر سنمار الذي ربما يهدد بناء "القصر" الإمبراطوري، وليس المقصد هنا الإسراف في التفاؤل بشأن قرار مجلس الأمن 2334 الذي يخرج المستوطنات من تحت عباءة "الشرعية الدولية"، فهو مجرّد قرصة أذن للمعشوقة، لكنه ذو مغزى في قادم الأيام.
الرعاة والمحبون والعشاق الذين يحبون إمبراطورية إسرائيل من طرف واحد معنيون ببقائها
ما سبق ليس مخدّراً لانتظار الانتحار الذاتي للغول، فقد قلنا، ونعيد، إنه لا بد من عامل "خارجي" لمساعدة العامل الداخلي. أما بالنسبة لحركة حماس، فهي تكاد تكون وحيدةً في باب "العوامل الخارجية"، وكل ما فعلته وما يمكن أن تفعله لا يمكن أن يكفي لمواجهة جبروت "الإمبراطورية". لكن، من حقنا أن نحتفي بأي إنجازٍ تسجله في مرمى العدو، ونلقي الضوء عليه، حتى ولو كان "إنجازا جنسياً" صغيراً، قد لا يشكل غير ثقب صغير في الجدار.