"فاثبتوا" والمتمردون على "النصرة": استباقاً للمعركة أو ذريعة لها؟

14 يونيو 2020
تختلف الفصائل المتشددة مع توجهات "تحرير الشام"(عمرحاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت مجموعات متشددة تتمركز في الشمال الغربي من سورية، يجمعها رفض التفاهمات التركية الروسية حول محافظة إدلب ومحيطها، تشكيل غرفة عمليات مشتركة، في خطوة تعكس خشية هذه المجموعات من عمل عسكري هدفه القضاء عليها في إطار استراتيجية إقليمية لترتيب أوضاع هذه المحافظة التي لا يزال يحكمها اتفاق بين أنقرة وموسكو وقّع مطلع مارس/آذار من العام الحالي، ومهدد بالانهيار بسبب الخروقات المتكررة من قبل قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية له. وحملت الغرفة الجديدة عنوان "فاثبتوا"، وفق بيان أصدرته هذه المجموعات أول من أمس الجمعة، أشارت فيه إلى أنّ التشكيل الجديد جاء "دفعاً لصيال المعتدين، وكسراً لمؤامرات المحتلين". وضم التشكيل الجديد خمسة فصائل هي "تنسيقية الجهاد"، "لواء المقاتلين الأنصار"، جماعة "أنصار الدين"، جماعة "أنصار الإسلام"، وتنظيم "حراس الدين".

ووفق مصادر مطلعة على طبيعة هذه الفصائل، يتزعم فصيل "تنسيقية الجهاد" قيادي سابق في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ويدعى أبو العبد أشداء، وكان من القياديين في فصيل "أحرار الشام" قبل انشقاقه عنه وانضمامه إلى "الهيئة" نهاية عام 2016، ولكنه عاد وانشق أيضاً عن الأخيرة بسبب ما سماه بـ"الفساد" داخلها و"الأخطاء القاتلة" التي يرتكبها قادة "الهيئة" التي تعدّ اليد الضاربة الآن في محافظة إدلب. كذلك، يتزعم قيادي سابق في "هيئة تحرير الشام" فصيل "لواء المقاتلين الأنصار"، وهو جمال زينية، والملقب بأبو مالك التلي، والذي كان أعلن انشقاقه عن "الهيئة" في إبريل/ نيسان الماضي، في بيان أشار فيه إلى أنّ سبب ابتعاده عنها هو جهله وعدم علمه ببعض سياساتها أو عدم قناعته بها، و"هذا أمر فطري، فقد جُبل الإنسان على حب المعرفة"، بحسب تعبيره. ولكن التلي قال في بيانه إنّ ما وصفها بـ"الأخوة الإيمانية" تجمع بينه وبين "هيئة تحرير الشام". وظلّ التلي لسنوات أمير "جبهة النصرة" في القلمون الغربي في ريف دمشق الشمالي الشرقي. وعُرف في وسائل الإعلام في عام 2014، إبان أزمة راهبات كنائس معلولا في ريف دمشق الشمالي الشرقي، اللواتي أُخذن أسيرات من قبل "جبهة النصرة"، وأُطلق سراحهن ضمن صفقة مع النظام، اشتركت فيها أطراف عربية وإقليمية. وانتقل التلي إلى محافظة إدلب بموجب اتفاق بين "حزب الله" اللبناني و"هيئة تحرير الشام" منتصف 2017، وظلّ أبرز قادة "الهيئة" لحين استقالته اعتراضاً على ما يبدو على موقف الأخيرة من التفاهمات التركية الروسية والتي أفضت إلى دخول آلاف الجنود الأتراك إلى محافظة إدلب بمساعدة وحماية من "الهيئة"، التي تحاول أن تكون جزءاً من الحل في الشمال الغربي من سورية.

من جهته، يتزعم أبو عبد الله الشامي جماعة "أنصار الدين" التي كانت هي الأخرى أعلنت مطلع عام 2018 انفصالها عن "هيئة تحرير الشام"، بعد أن كانت أهم الفصائل المنضوية تحتها. بينما خرج تنظيم "حراس الدين" إلى العلن في أواخر فبراير/ شباط عام 2018، بعد إعلان "الهيئة" فكّ ارتباطها بتنظيم "القاعدة"، لينضم إليه لاحقاً مجموعات متشددة منها: "جيش البادية"، "جيش الساحل"، "سرية كابل"، "سرايا الساحل"، "جيش الملاحم"، "جند الشريعة"، "كتيبة أبو بكر الصديق"، "كتيبة أبو عبيدة بن الجراح"، "سرايا الغرباء"، "كتيبة البتار"، "سرايا الساحل"، "سرية عبد الرحمن بن عوف"، "كتائب جند الشام"، "كتائب فرسان الإيمان"، و"قوات النخبة".

ويعدّ سامي العريدي، وهو أردني الجنسية، من أبرز قادة فصيل "حراس الدين"، إضافة إلى شخصيات أخرى غالبيتها ليست سورية. ويضم "حراس الدين" الذي يدور في فلك تنظيم "القاعدة"، فلول فصيل "جند الأقصى" الذي تأسس على يد محمد العثامنة المعروف بأبو عبد العزيز القطري (من مواليد العراق، وقتل في سورية في يناير/ كانون الثاني 2014) من عدد من المسلحين العرب، أو ما يُعرف بـ"المهاجرين" الذين قدموا إلى سورية بدءاً من عام 2012. وانحل التنظيم أواخر عام 2016 عقب دخوله في اقتتال مع فصائل تابعة للمعارضة السورية، ما أدى إلى تشرذم عناصره في مجموعات متشددة عدة، منها "حراس الدين" و"أنصار التوحيد".

في السياق، أوضح مصدر من داخل هذه الفصائل المتشددة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الغاية من غرفة عمليات "فاثبتوا" هو "استقلال القرار واستمرار الجهاد وعدم الركون للتفاهمات الدولية"، مضيفاً أنّ "باب الغرفة مفتوح لبقية الفصائل للانضمام إليها".

وأشار المصدر نفسه إلى أنّ وجود فصيل "حراس الدين" في الغرفة "لا يعني الارتباط بالقاعدة"، مضيفاً أنه "لا علاقة تنظيمية بين الغرفة الجديدة والقاعدة، غير أنّ هذه الفصائل لا تحرج من الاستفادة من جميع التيارات الجهادية". وأوضح أنّ هذه الفصائل "لديها حالة عدم رضا عن سياسات الفصيل الأكبر، وهو هيئة تحرير الشام، اتجاه العديد من القضايا، أبرزها الوجود التركي الكبير في إدلب"، مشيراً إلى أنه "تمّ الحديث مع فصائل أخرى للانضمام إلى الغرفة الجديدة، وربما تلحق بنا".

وتنتشر فصائل غرفة عمليات "فاثبتوا" في ريف مدينة جسر الشغور وفي ريف اللاذقية الشمالي "ولكنها لا تملك القوة الكافية لتغيير معادلة الصراع لصالحها في الشمال الغربي من سورية"، وفق المصدر.

من جانبه، أوضح القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الفصائل التي شكلت غرفة العمليات الجديدة "لا تعترف باتفاقات أستانة والاتفاقات التركية الروسية"، مضيفاً أن "هذه الفصائل مصنفة على قائمة الإرهاب العالمي، ومن ثمّ يجمعها الأسلوب والهدف قبل أن تجمعها غرفة العمليات". ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد العناصر المنضوية ضمن تلك الفصائل المتشددة، إلا أنّ فصيل "حراس الدين" هو أكبرها، ولا يتجاوز عدد عناصره الألفي مقاتل، فيما لا يتجاوز عدد عناصر جميع الفصائل المتوحدة ضمن غرفة عمليات "فاثبتو" أربعة آلاف مقاتل.

ولا يزال الشمال الغربي من سورية محكوماً باتفاق موسكو الذي أبرم بين الروس والأتراك في العاصمة الروسية مطلع مارس الفائت عقب تصعيد كبير من قبل قوات النظام السوري والمليشيات المساندة له. ومنذ توقيع الاتفاق، زجّ الجيش التركي بأكثر من 20 ألف جندي تمركزوا في أكثر من 40 نقطة في عموم محافظة إدلب. ولكن اتفاق موسكو مهدد بالانهيار بسبب الخروقات المتكررة من قبل قوات النظام وخصوصاً على منطقة جبل الزاوية. وربما تشكل غرفة العمليات الجديدة من قبل المجموعات المتشددة ذريعة للنظام والروس لتجاوز الاتفاق بحجة محاربة الإرهاب، التي لطالما كانت المدخل الواسع للفتك بالمدنيين وفصائل المعارضة السورية من قبل الطيران الروسي.

المساهمون