"عُطارد" محمد ربيع: فانتازيا جارحة لحال المصريين

25 يناير 2015
محمد عبلة / مصر (جزء من اللوحة، 2011)
+ الخط -

إذا كان نجيب محفوظ أبرز الروائيين الذين رصدوا القاهرة في رواياتهم، بتناوله تاريخ المدينة وناسها وحكاياتها وتحولاتها الاجتماعية، فالروائي المصري محمد ربيع (1978) استطاع في روايته "عُطارد"، الصادرة أخيراً عن "دار التنوير"، أن ينسج حكاية الخراب الذي تعيشه المدينة المقهورة في ظل انتصار "الثورة المضادة". وإذا كان محفوظ نشد نوعاً من الكمال، فأقصى أحلام ربيع أن يقفز من سفينة تغرق.

قاهرة محمد ربيع تليق بالأحداث التي شهدتها مصر خلال سنوات الثورة الأربع؛ قاهرة العنف والفوضى والقتل العشوائي. يرصد صاحب "كوكب عنبر" كل هذا الخراب في زمنين مختلفين؛ عام 2025 وزمن "ثورة يناير"، 2011، لكن بنفسية المهزوم الذي سُرقت أحلام جيله؛ فلجأ إلى الفانتازيا لتسع واقعه الكابوسي، متصوّراً احتلال مصر عام 2023 من قبل الجيشين الرابع والخامس لـ "فرسان مالطا". أجهزة الدولة كانت شبه منهارة؛ ما سهَّل المهمة على جيش الاحتلال الذي استطاع أن يدمر قواعد الجيش المصري بأكملها في أسبوع واحد.

تنقسم قاهرة عطارد إلى شطرين، يفصل بينهما بطن "كوبري أكتوبر" الذي لم يعد ممرّاً فقط بعد أن أصبح سوقاً للباعة والعاهرات، والمصريون متقبّلون للاحتلال من دون مقاومة، تناسوا الحكاية برمتها وواصلوا حياتهم بشكل طبيعي. كما يحكي لنا المقدم "أحمد عطارد"، ضابط الشرطة السابق، الذي رفض أن يستمر في عمله تحت الاحتلال، وانضم إلى فريق المقاومة المكوّن من عدة ضباط شرطة سابقين.

يطرح ربيع العديد من التساؤلات على لسان عطارد الذي يمزج أسئلته الواقعية بالوجودية، فسؤاله حول القيامة يوازي جحيم الأسئلة التي يدور حولها المصريون منذ عقود:

"عشنا تحت الاحتلال قروناً عديدة، لم نقاوم قط، وإذا نظرنا إلى كفاح باقي الشعوب لوجدنا أننا رحبنا بكل المحتلين، يقولون إننا كنا نرحّب بالمحتل فقط كي يطرد المحتل الذي سبقه، وكأن الاحتلال مرغوب فيه لكن بشروط. وحالما تخلصنا من آخر محتل أجنبي بدأت التساؤلات ولم تنته؛ هل هذه ثورة أم انقلاب عسكري، هل نحن دولة اشتراكية أم رأسمالية، هل نهتم بأنفسنا فقط أم نتوحد مع العرب، هل تلك نكسة أم هزيمة، هل نحارب أم ننتظر، هل هذا انفتاح أم "سداح مداح"، هل نوقِّع اتفاقية سلام أم إنها خيانة، هل هو إرهاب أم إرهاب دولة، هل نحارب الإرهاب بالنار أم بالتنوير".

 يتعرّض صاحب "عام التنين" إلى ثورة يناير 2011، من دون أن يؤرخ لها، هو فقط يشير إلى أحداثها من بعيد، من خلال الفتاة الصغيرة "زهرة" التي فُقد والدها أثناء الثورة ليعثر عليها "إنسال" ويبدأ معها رحلة البحث عن والدها في ثلاجات الموتى.

يلاحظ أن شخصيات 2011 كلها معذبة، سواء كان عذاباً نفسياً مثل عذاب "إنسال"، أو عذاباً بدنياً مثل "رجل الزبالة" الذي حفر لنفسه بيتاً في أحد "أهرامات الزبالة" المنتشرة في الشوارع، ويتجلى هذا العذاب بوضوح في شخصية "زهرة" المحورية، التي أُصيبت بمرض غامض تسبب في إغلاق حواسها بالكامل، وسوف تظهر مرة أخرى في 2025 لتؤكد لعطارد، في ما يُشبه لغة الوحي البشري، أنه في الجحيم، وأن عليه ألا يتألم لما يُصيب الناس فهو عدل.

خلال رحلة البحث عن جواب حول سؤال "الجحيم"، تعرّض عطارد للعديد من التساؤلات: "هل القاهرة جحيمنا أم أن مصر هي الجحيم أم العالم كله جحيم؟" لكن الحقيقة التي توصل إليها عطارد من كون البشرية تعيش بالفعل في الجحيم، جعلته يستمر في ممارسة القتل العشوائي حتى بعد انتهاء فترة الاحتلال، ظنَّاً منه أنه بقتله الناس يخلصهم من ذلك الجحيم الذي يعيشون فيه، فهو أداة رحمة كما أخبرته زهرة.

المساهمون