"عملية السلام" بين الخطاب والخداع: سلام أميركا!

10 مايو 2015
(المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان، 2015)
+ الخط -
كيف قوّضت الولايات المتحدة الأميركية "عملية السلام" في الشرق الأوسط، وجعلت منها مجرد "عملية" مضنية طويلة المدى، وبلا أي "سلام"؟ وأي محطّات/ منعطفات مرّت بها هذه "العملية" خصوصا، والصراع العربي الصهيوني عموما، منذ ما يقارب سبعة عقود من الزمن، أي منذ قيام دولة الكيان الصهيوني إلى اليوم، حتى أصبحت مجرد "عملية" بلا أيّ "سلام"؟ وهل جرى بناء شيء ما، حتى يتمّ تقويضه، أم أن أميركا لم تكن تعقد العزم أصلا للقيام بشيء في مسار السلام؟

كتاب (وسطاء الخداع: كيف قوّضت الولايات المتحدة الأميركية "عملية السلام" في الشرق الأوسط)، للمؤرخ الفلسطيني الأميركي، البروفيسور رشيد الخالدي، رئيس قسم التاريخ في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، وأستاذ كرسي إدوارد سعيد في الجامعة نفسها، والذي نقلته إلى اللغة العربية المترجمة والباحثة الفلسطينية، سارة ح. عبد الحليم، يسلِّط أضواء كاشفة وفاضحة على الدور الأميركي، كوسيط غير نزيه، بل يكاد يصنّفه "شريكاً" للعدو الصهيوني في الصراع العربي الإسرائيلي.

يتكئ الخالدي في مقارباته هذه، على عناصر عدة، تستند إلى قراءة تاريخية معمَّقة، مدعومة بالوثائق والأدلة، ليس من موقعه كمؤرخ فقط، بل - الأهمّ - من خبرته كأحد أبرز مستشاري الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات مدريد وواشنطن، ما قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، أي بين عامي 1991 و1993، ومن الوثائق التي اطلع عليها، وشارك في مناقشتها أثناء تلك المفاوضات.
يبدأ المؤلف باعتبار العامل اللغوي محل اهتمام أساسي في السياسة والدبلوماسية، ففي التاريخ الحديث "قليلة هي المعارك الدلالية حول المصطلحات التي اندلعت بضراوة، كتلك المتعلّقة بفلسطين/ إسرائيل"، ويتوقف عند مصطلحات مثل "الإرهاب"، "الأمن"، "تقرير المصير"، "الحكم الذاتي"، "الوسيط النزيه"، و"عملية السلام"، ليرى أن "كل واحد من هذه المصطلحات له شروط ليس في ما يتعلّق بالتصوّرات فحسب، وإنما بالاحتمالات أيضا"، ومع أن هذا الكتاب معنيّ بصفة أساسية بـ"عملية السلام"، إلا أنه يولي اهتماما بإساءة استخدام اللغة، إذ "طالما عملت الصياغة اللغوية المشوّهة على حجب الحقيقة بشكل كبير"، والمثالان الصارخان على هذا التشويه يبرزان في استخدام مصطلحَي "الإرهاب" و"الأمن" وتفسيرهما لما فيه مصلحة الشريكين الأميركي والإسرائيلي.

شهادة المؤلف المشارك
ورغم أن المؤلف لا يتطرق بالتفصيل هنا إلى ما يسميه "التاريخ المعقّد لسلسلة المفاوضات في مدريد وواشنطن وأوسلو وطابا وواي بلانتيشن، ومواقع أخرى كثيرة حول العالم، التي استمرت بشكل متقطع منذ ذلك الحين، والتي تمخضت عنها مجموعة من ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني "الانتقالي"، التي لم تكن مؤقتة البتة"، إلا أن ما يهمّنا هو أنه يدلي بشهادة تاريخية يركز فيها على "بضعة تفاعلات رئيسية بين الفلسطينيين ومحاوريهم الأميركيين- الإسرائيليين خلال مفاوضات مدريد- واشنطن في الأعوام 1991- 1993، والتي تعدّ كاشفة بشكل خاص".

هذه المرحلة/ المنعطف هي أهم ما ينطوي عليه بحث الخالدي، وأبرز ما يقوم بـ"تأريخه"، كونها شهدت حضوره كمشارك، وليس مجرد شاهد أو باحث، لذا فهو يعاين باختصار "الاستمرارية المدهشة بين ما سبق وما تبع في (مدريد وواشنطن) مما يتعلق بالقبول الأميركي النهائي بسقف منخفض للغاية، حدّده الإسرائيليون، لحقوق الفلسطينيين وتطلّعاتهم، ومن جديد بعد محاولات عقيمة للمقاومة من جانب الفلسطينيين أنفسهم، ومن جانب بعض المسؤولين الأميركيين".

المنعطفات الثلاثة
يتوقف الخالدي عند ثلاث محطات، هي منعطفات تاريخية، تكشف التواطؤ الأميركي مع الجانب الإسرائيلي، بل التآمر معه، للحؤول دون إقامة دولة فلسطينية، كما تميط اللثام عن الدور الذي لعبته الإدارات الأميركية المتعاقبة في إعاقة التوصل إلى تسوية سلمية عادلة، عبر "وساطة" أقل ما توصف به أنها مخادعة، مراوغة، ومنحازة بالمطلق للطرف الإسرائيلي.

يتمثّل المنعطف التاريخي المفصلي الأول، في "خطة ريغان" في عام 1982، عندما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحيم بيغن، المقترح الذي تقدمت به إدارة الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، لإعادة صياغة اتفاقيات كامب ديفيد على نحو أكثر حياديةً ونزاهة.

أما المنعطف الثاني الذي يخضع لاستقصاء تحليلي دقيق من قبل الخالدي، فهو يغطي حقبة ما بين مؤتمر مدريد عام 1991 حتى عقد اتفاقية أوسلو عام 1993، الحقبة التي لعبت خلالها الولايات المتحدة دور الوسيط في المفاوضات بين الإسرائيلين والفلسطينيين.

ويستعرض الخالدي، في المنعطف الثالث، ما يتصل بفلسطين وقضيّتها خلال فترة باراك أوباما الرئاسية الأولى (2009-2012)، راصداً مزيداً من التراجع المتردي، والمجحف أصلاً، في الموقف الأميركي الرسمي إزاء القضية الفلسطينية، ومسجلاً تخاذل إدارة أوباما في كفّ يد الاحتلال الإسرائيلي عن قضم الأراضي والتوسع الاستيطاني والاعتداء المتواصل على الشعب الفلسطيني ومقدّراته.

وأخيراً، يجدر إبراز وجهة نظر أحد أبرز "المؤرخين الجدد" في إسرائيل حيال هذا الكتاب، وهو اليهودي العراقي آفي شلايم، مؤلف كتاب "الستار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي"، الذي يرى أن "البروفيسور الخالدي يستحق تقديراً بالغاً لإظهاره، على نحو ممتاز، الهوة القاتلة بين الخطاب المنمق وحقيقة الدبلوماسية الأميركية إزاء هذه القضية شديدة الأهمية".

*كاتب وشاعر أردني
المساهمون