"عريضة نوال" بوابة العدل بغزة

18 ابريل 2014
+ الخط -

 

تتجاهل نوال شراب (54 عاما) كل نظرات الاستغراب والدهشة في عيون من يتابعها، في طريقها اليومي، نحو عملها أمام المحكمة الشرعية بمدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة.

قبل خمسة عشر عاما أخذت شراب قرارها، وحزمت أمرها، بان لا تنتظر معونة أو مساعدة سواء شخصية أو مؤسساتية، بل أن تعمل، وتكسب قوتها من عرق جبينها.

 بين عدد من الرجال يعملون في نفس المهنة، كسرت شراب احتكار الرجل لهذه المهنة، وتحدّت ظروفها لتكون أول سيدة تعمل "كاتبة عرائض" في فلسطين.

ينشغل الحاضرون إلى المحكمة بقضاياهم، وتنشغل شراب بإنجاز عملها، بكل جد ونشاط. تعلو وجهها ابتسامة، منتظرة أن يتقدم أحدهم نحوها لكتابة لوائح قضائية أو طلبات قانونية.

تقول شراب عن عملها: "أنا فخورة بنفسي، وعائلتي فخورة بي، فالعمل ليس عيبا وإنما العيب أن أجلس في بيتي منتظرة المساعدات من هنا وهناك. بداية قصتي مع كتابة العرائض، كانت عندما توقف عمل زوجي بعد أن كان يعمل داخل الخط الأخضر (الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948)، بسبب المرض. كنت وقتها أسكن بالقرب من المحكمة الشرعية، وبحكم الجوار، كنت أشاهد المراجعين على بوابات المحكمة وأتابع أعمال كاتبي العرائض من على شرفتي. وعندما تقطعت بي السبل، وأصبح لزاما عليّ أن أنزل إلى سوق العمل، فكرت في تعلّم هذه المهنة القريبة من بيتي".

تتابع: "طرحت الأمر على زوجي. مانع في البداية إلا إنه وافق بعد إلحاحي شرط أن يرافقني في بداية الأمر إلى العمل. وافقت بحماسة، وبدأت العمل مع ابن أخي الذي قام بجلب النماذج الخاصة بالعمل وتدريبي عليها. كما ساعدني أحد العاملين بالمحكمة، وصار يشرح لي الطرق الأنسب لكتابة العرائض، والخطوات الواجب اتباعها قبل وخلال وبعد كتابة العريضة".

مواجهة أخرى خاضتها شراب، مع الرجال الذين يعملون في نفس مهنتها، حيث لاحظوا إقبال المراجعين عليها، وتفضيلهم التعامل معها، فبدأت "حرب" من نوع جديد لم تعتدها. ولكن بقليل من التفاهم، وفقا لشراب، ومع مرور الوقت أصبح الأمر أسهل "فاقتنع الجميع أننا زملاء وأن الأرزاق بيد الله يقسمها علينا وفق ما يرى".

توضح شراب: "تبدو طبيعة العمل سهلة لدى البعض، إلا أن الأوراق المتعلقة بالأمور القضائية دقيقة، وتحتاج إلى تركيز وانتباه شديدين بخلاف الجلوس لساعات طويلة على كرسي بسيط وطاولة تكاد لا تحمل ما عليها من ملفات وأوراق، صيفا وشتاء، هو الآخر أمر في غاية الصعوبة.. لكن لا بديل من الاستمرار في الطريق الذي اخترته لنفسي".

ألمّت شراب بسرعة كبيرة بكل أسرار مهنتها، وباتت تقدم لزبائنها خدمة ممتازة، فلم تسجل لها غلطة واحدة مع زبون طوال فترة عملها، مما اكسبها ثقة القضاة والمحامين.

شراب الحاصلة على الثانوية العامة، لم تكمل تعليمها بسبب الظروف المادية لكنها اليوم تقدم نموذجا للمرأة الفلسطينية العاملة، كواحدة من ثمانية بالمئة من النساء التي تعيل أسراً في فلسطين.

وعن الصعوبات التي تواجهها تقول: "استطعت التغلب على كل الصعوبات التي واجهتني، لكن تظلّ مصاريف تراخيص المهنة المرتفعة، والتي تصل إلى خمسمئة دولار سنويا، هي ما يرهقني ماديا".

المساهمون