زوج وزوجة منفصلان منذ أشهر، في سيّارة واحدة. يتشاجران، يصرخان، الزوج فاقد أعصابه والزوجة خائفة بعدما رأت المسدس بيد زوجها. يتوقّف السير في الزحمة. يطلق الرجل النار على خصر زوجته، تردد الأخيرة "أنا متت" فيكمل عليها ويطلق طلقة ثانية في رأسها فيرديها. يسير بالجثة ويرميها من أعلى الطريق إلى واد قريب ويغادر. يستحمّ ويحلق شعره وذقنه ويسلّم نفسه لمخابرات الجيش، وبعد سنتين من جريمته يصدر حكم مبرم بسجنه 25 عاماً.
اسم الزوج القاتل جان ديب، واسم الزوجة الضحية نسرين روحانا، أما تاريخ حصول هذه الجريمة ومكانها، ففي 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 في منطقة نهر إبراهيم اللبنانية (شمال بيروت).
لماذا نكتب اليوم عن القضية؟ لأنّ برنامج "عاطل عن الحرية" الذي تعرضه قناة MTV اللبنانية خصص حلقته مساء الأحد لقصة جان ديب. قصة جان وحده، لأن الرأي الآخر غائب، الرأي الآخر قتل في نهر إبراهيم عام 2014.
بدأت الحلقة ــ كما هي عادة البرنامج ــ بمشهد تمثيلي لقصة جان (الممثل هشام أبو سليمان) ونسرين (الممثلة زينة زيادة)، يتشاجران. نكتشف من أول دقيقتين أن جان يشكّ في أن زوجته تخونه وأنّه مدمن على المخدرات ويصرف راتب زوجته على شراء المواد المخدرة. ترتفع حدة الشجار فيضربها. ثمّ يظهر جان ديب الحقيقي، في سجنه، وهو يروي لمعدّ ومقدّم البرنامج سمير يوسف قصّته بعيداً من المشهد التمثيلي. يتذكّر كيف غابت زوجته عن البيت لساعات، ليكتشف أنها تقدّمت بشكوى ضدّه بسبب تعنيفها المستمرّ وبسبب تعاطيه المخدرات. ثمّ يخبرنا أن اتهامات زوجته غير صحيحة فهو لم يضربها إلا مرة واحدة (!) وأن الصحيح فقط هو أنه مدمن.
نشاهد الحلقة (مدتها 52 دقيقة). نستمع إلى قصة جان ديب وكيف دخل في اكتئاب بعدما هجرته زوجته، وكيف كان يتعقبها بشكل علني أو سريّ. طيلة هذه الدقائق يقدّم لنا جان، كزوج حزين على فقدان حبيبته. يكرّر أكثر من مرة "أنا بحبها" "أنا بموت فيها، بحبها كتير". نراه لا ينام، ونرى معالم الحزن على وجهه بعد هجر الحبيبة. يتخيّل المشاهد لوهلة أنه أمام مشاهد من فيلم رومنسي: العاشق الولهان والمهجور، يبكي حبيبته الشريرة التي هجرته. ثمّ تأتي الجريمة "يا ويلي على هالنهار" يقول. يبدو القاتل نادماً على قتل زوجته. تائب ومشتاق وعاشق. قتل بدافع الحب. وهو ما يكرره القاضي رالف كركبي عندما يقول في البرنامج إن جان قتل نسرين "كي لا تكون لرجل آخر من بعده". في نهاية الحلقة، نرى جان يبكي. يستعيد القاتل إنسانيّته فجأة في لحظة تشحذ كل مشاعر التعاطف من المشاهد. ثمّ يخبرنا أنه يصلّي للسيدة العذراء، ويتمنى أن يموت ليكون إلى جانب حبيبته نسرين.
هذه هي إذاً القصة من الناحية الأخرى. هذه هي رواية الزوج الذي يقتل زوجته. تغيب الضحية، لا نسمع تفاصيل عن تعنيفها المستمرّ، ولا عن الشكّ الذي كان زوجها يحيطها به، ولا عن آثار تعاطي المخدرات على العلاقة الزوجية وتربية الأطفال، ولا حتى عن عذاب الزوجة وتعبها في عملها لتجد كل أموالها تذهب من دربها ودرب أولادها على شراء الكوكايين. هي رواية عن رجل عاشق ومكتئب، دفعه اليأس لقتل من يحبّ، أو هذه هي الصورة التي أراد برنامج "عاطل عن الحرية" تصديرها لنا.
تمنح الحلقة ساعة كاملة للرجل ليشرح ويبرّر جريمته. يغطيها بشعارات وعبارات رومانسية. يحاول الإعلامي سمير يوسف أن يقف على الحياد، يستعرض الوقائع، ويترك الهواء للمجرم المدان. لكنّ في هذا الحياد نفسه، انحيازاً. وهو انحياز مؤذٍ ومحرج ومستفزّ، خصوصاً أن نسبة جرائم العنف الأسري في لبنان لا تزال ثابتة بعددها ولا تقلّ. كل أسبوع أو عشرة أيام، تقع جريمة قتل أو ضرب وتعنيف بحق ابنة أو زوجة أو أخت. والقانون الذي يحاول أن يكون عادلاً، يواجهه المجتمع (الدين والتقاليد والعادات) المتعاطف دائماً مع الرجل.
من حقّ كل مجرم أن يتوب. من حقّه أن يندم ويعتذر ومن حقّه طبعاً أن يعرض وجهة نظره من الجريمة. لكنّ كل دموع العالم، وكل العبارات الرومنسية للعاشق المغدور، لن تغيّر الواقع: صباح الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014، خطف جان ديب، زوجته نسرين روحانا، من أمام مكان عملها في مجمّع تجاري في منطقة الأشرفية في بيروت، وأجبرها على الركوب معه في سيّارته. وعندما وصلا إلى نهر إبراهيم، أطلق النار عليها مرتين، وقتلها ورماها. جان قتل نسرين. هذه هي القصة الحقيقية لجريمة نهر إبراهيم.
اسم الزوج القاتل جان ديب، واسم الزوجة الضحية نسرين روحانا، أما تاريخ حصول هذه الجريمة ومكانها، ففي 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 في منطقة نهر إبراهيم اللبنانية (شمال بيروت).
لماذا نكتب اليوم عن القضية؟ لأنّ برنامج "عاطل عن الحرية" الذي تعرضه قناة MTV اللبنانية خصص حلقته مساء الأحد لقصة جان ديب. قصة جان وحده، لأن الرأي الآخر غائب، الرأي الآخر قتل في نهر إبراهيم عام 2014.
بدأت الحلقة ــ كما هي عادة البرنامج ــ بمشهد تمثيلي لقصة جان (الممثل هشام أبو سليمان) ونسرين (الممثلة زينة زيادة)، يتشاجران. نكتشف من أول دقيقتين أن جان يشكّ في أن زوجته تخونه وأنّه مدمن على المخدرات ويصرف راتب زوجته على شراء المواد المخدرة. ترتفع حدة الشجار فيضربها. ثمّ يظهر جان ديب الحقيقي، في سجنه، وهو يروي لمعدّ ومقدّم البرنامج سمير يوسف قصّته بعيداً من المشهد التمثيلي. يتذكّر كيف غابت زوجته عن البيت لساعات، ليكتشف أنها تقدّمت بشكوى ضدّه بسبب تعنيفها المستمرّ وبسبب تعاطيه المخدرات. ثمّ يخبرنا أن اتهامات زوجته غير صحيحة فهو لم يضربها إلا مرة واحدة (!) وأن الصحيح فقط هو أنه مدمن.
نشاهد الحلقة (مدتها 52 دقيقة). نستمع إلى قصة جان ديب وكيف دخل في اكتئاب بعدما هجرته زوجته، وكيف كان يتعقبها بشكل علني أو سريّ. طيلة هذه الدقائق يقدّم لنا جان، كزوج حزين على فقدان حبيبته. يكرّر أكثر من مرة "أنا بحبها" "أنا بموت فيها، بحبها كتير". نراه لا ينام، ونرى معالم الحزن على وجهه بعد هجر الحبيبة. يتخيّل المشاهد لوهلة أنه أمام مشاهد من فيلم رومنسي: العاشق الولهان والمهجور، يبكي حبيبته الشريرة التي هجرته. ثمّ تأتي الجريمة "يا ويلي على هالنهار" يقول. يبدو القاتل نادماً على قتل زوجته. تائب ومشتاق وعاشق. قتل بدافع الحب. وهو ما يكرره القاضي رالف كركبي عندما يقول في البرنامج إن جان قتل نسرين "كي لا تكون لرجل آخر من بعده". في نهاية الحلقة، نرى جان يبكي. يستعيد القاتل إنسانيّته فجأة في لحظة تشحذ كل مشاعر التعاطف من المشاهد. ثمّ يخبرنا أنه يصلّي للسيدة العذراء، ويتمنى أن يموت ليكون إلى جانب حبيبته نسرين.
هذه هي إذاً القصة من الناحية الأخرى. هذه هي رواية الزوج الذي يقتل زوجته. تغيب الضحية، لا نسمع تفاصيل عن تعنيفها المستمرّ، ولا عن الشكّ الذي كان زوجها يحيطها به، ولا عن آثار تعاطي المخدرات على العلاقة الزوجية وتربية الأطفال، ولا حتى عن عذاب الزوجة وتعبها في عملها لتجد كل أموالها تذهب من دربها ودرب أولادها على شراء الكوكايين. هي رواية عن رجل عاشق ومكتئب، دفعه اليأس لقتل من يحبّ، أو هذه هي الصورة التي أراد برنامج "عاطل عن الحرية" تصديرها لنا.
تمنح الحلقة ساعة كاملة للرجل ليشرح ويبرّر جريمته. يغطيها بشعارات وعبارات رومانسية. يحاول الإعلامي سمير يوسف أن يقف على الحياد، يستعرض الوقائع، ويترك الهواء للمجرم المدان. لكنّ في هذا الحياد نفسه، انحيازاً. وهو انحياز مؤذٍ ومحرج ومستفزّ، خصوصاً أن نسبة جرائم العنف الأسري في لبنان لا تزال ثابتة بعددها ولا تقلّ. كل أسبوع أو عشرة أيام، تقع جريمة قتل أو ضرب وتعنيف بحق ابنة أو زوجة أو أخت. والقانون الذي يحاول أن يكون عادلاً، يواجهه المجتمع (الدين والتقاليد والعادات) المتعاطف دائماً مع الرجل.
من حقّ كل مجرم أن يتوب. من حقّه أن يندم ويعتذر ومن حقّه طبعاً أن يعرض وجهة نظره من الجريمة. لكنّ كل دموع العالم، وكل العبارات الرومنسية للعاشق المغدور، لن تغيّر الواقع: صباح الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014، خطف جان ديب، زوجته نسرين روحانا، من أمام مكان عملها في مجمّع تجاري في منطقة الأشرفية في بيروت، وأجبرها على الركوب معه في سيّارته. وعندما وصلا إلى نهر إبراهيم، أطلق النار عليها مرتين، وقتلها ورماها. جان قتل نسرين. هذه هي القصة الحقيقية لجريمة نهر إبراهيم.