فُقدت "عاصمة الثورة السورية"، كما يُطلق الكثير من السوريين على مدينة حمص وسط البلاد، آخر مناطق الحالمين بالحرية والكرامة، والرافضين الرضوخ لسطوة النظام وآلته العسكرية، ليُطوى فصل من رحلة دامية، دامت أكثر من ست سنوات، عرف أبطالها الموت والجوع والألم والتغييب والتهجير القسري، على مرأى العالم بمنظماته الإنسانية والحقوقية والأممية ودوله الديمقراطية، جراء انتهاء عملية التهجير القسري لأهالي حي الوعر المحاصر منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 2013.
وتعتبر حمص، قلب سورية وعقدة مواصلاتها، أكبر المحافظات السورية مساحة، والثالثة من حيث الأهمية عقب دمشق وحلب، يفصلها عن العاصمة شمالاً نحو 162 كيلومتراً وفيها جامعة عريقة ومصفاة نفط والكثير من الثروات الباطنية، كما تتميز هذه المدينة بتنوعها الديني. ويفيد متابعون أن إرهاصات الثورة في حمص بدأت قبل عام 2011 بنحو ست سنوات، حين تسلم صديق رأس النظام بشار الأسد محمد إياد غزال منصب محافظ حمص، والذي تفنن في التنكيل بأهلها. فقد انتشر في عهده الفساد وأصبحت الرشوة والمحسوبيات سمة واضحة للمحافظة. وخرجت العديد من التقارير تشير إلى فساد المحافظ وحاشيته، إلى أن أتى بمشروع "حلم حمص" والذي أطلق عليه الأهالي حينها "كابوس حمص" منذ بدأ العمل عليه عام 2007 إلى أن أقر رسمياً عام 2010، على الرغم من رفضه شعبياً بشكل واسع، بسبب ما يفضي إليه من تدميرٍ لحمص القديمة وتهجير أهلها من مناطقهم، وما يتسبب به من تغيير ديمغرافي عميق.
اقــرأ أيضاً
وقد يعود السبب المباشر وراء أن تكون مدينة حمص ثاني مدينة تثور ضد النظام بعد درعا في بداية عام 2011 بزخم شعبي كبير، هو "حلم حمص" والعلاقة السيئة مع غزال، ولا سيما أنه ممثل رئيس الجمهورية في المحافظة.
استمرت الثورة رغم إقالة غزال في عام 2011، من جراء اعتماد الحل الأمني العسكري العنيف لقمع التظاهرات السلمية، والذي يبدو اليوم أنه كان مقصوداً، بهدف تهجير أهالي حمص من أجل تنفيذ المشروع سالف الذكر، لكن هذه المرة تحت تسمية إعادة الإعمار، خصوصاً عقب منع من تبقى من أهالي حمص من العودة إلى منازلهم في الأحياء المهجرة على الرغم من إخلائها منذ ثلاث سنوات، في حين تداولت وسائل إعلام مقربة من النظام، في وقت سابق، تقارير حول عودة غزال الذي غادر عقب عزله من منصبه إلى دبي، إذ يمتلك شركة مقاولات مع أخ له، ليقوم بتنفيذ مشروع "حلم حمص" بعد أن دمرت المنطقة بشكل كامل. ومما اتهم به غزال عقب سفره في 2011، أنه اصطحب معه 150 مليون دولار أميركي، في حين تم مهاجمته من مديري العديد من المؤسسات في حمص بسبب ملفات فساد.
وقال المتحدث باسم "مركز حمص الإعلامي" محمد السباعي، وهو المهجر من حمص القديمة، والمحاصر في حي الوعر لسنوات، والمهجر إلى ريف حلب أخيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "في شهر فبراير/ شباط من عام 2012، استهدفت قوات النظام السوري الأحياء السكنية المناهضة له في مدينة حمص، الأمر الذي تسبّب في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بالإضافة إلى النزوح والدمار الكبيرَين اللذَين خلّفهما". ولفت إلى أنه "قبل ذلك، عشنا أحداثاً عدّة من قبيل عمليات دهم في أحياء باب السباع وكرم الزيتون والخالدية والبياضة والعدوية وحمص القديمة والقصور والقرابيص وبابا عمرو والإنشاءات والغوطة والحمرا، وكذلك في أحياء أخرى خرجت عن سيطرة النظام. وكلّ عملية دهم كانت تنّفذها قواته، كانت تترافق مع حملات اعتقال واسعة النطاق طاولت عدداً كبيراً من الشبان والشابات، إلى جانب أعمال ترهيب كثيرة".
وبين الناشط الحمصي أنّ "الأوضاع بقيت على حالها بين تظاهرة واعتقال وقتل، حتى شهر فبراير/شباط من عام 2012، حين حشد النظام قواته وأتباعه على أطراف حمص، فاستهدفوا أحياء المدينة بقذائف الهاون والصواريخ. وتركّز القصف على أحياء حمص القديمة، خصوصاً الخالدية وكرم الزيتون وبابا عمرو".
وتابع "لم نكن حينها قد اختبرنا القصف بعد. والذي سبب باقتحام حيّ بابا عمرو، لينجح أخيراً في 29 فبراير/ شباط من العام نفسه. وفي الأوّل من مارس/ آذار من العام نفسه، انسحبت الفصائل المعارضة عقب 26 يوماً من القصف العنيف على الحيّ. وبعد أيام، في 12 مارس/ آذار، ارتكبت قوات النظام وحلفاؤها مجزرة مروّعة في كرم الزيتون راح ضحيّتها ما لا يقلّ عن 50 مدنياً. كذلك طاولت المجزرة حيَّي العدوية والرفاعي المجاورين، ليصبح إجماليّ القتلى أكثر من مائة".
ويضيف: "خرجتُ إلى حيّ كرم الزيتون ووثّقت ما جرى. رأيت كيف كان المدنيون يأتون من حيّ الرفاعي مشياً على الأقدام، حفاة، من شدّة الخوف". ويتابع أنّ "القصف المكثّف والعشوائي على حيَّي كرم الزيتون وعشيرة بقذائف الهاون، اضطر المدنيّين إلى النزوح بأعداد كبيرة، في اتجاه مناطق كانت تُعدّ أكثر أماناً حينها، من قبيل حيّ باب السباع المجاور. أمّا أعداد أخرى فتوجّهت إلى دمشق، فيما بقي بعضهم في حمص القديمة. فقام النظام بحملات اعتقال واسعة النطاق، عند الحواجز العسكرية التي كان يعبرها المدنيون".
ويكمل السباعي أنّ "في كرم الزيتون، لم يبقَ سوى الثوّار وعدد من الناشطين، في حين بقي المشفى الميداني وحده يعمل لأيام عدّة فقط. ثمّ راح النظام يقتحم أحياء العشيرة والرفاعي وكرم الزيتون بالدبابات. فتراجعنا إلى باب السباع وباب الدريب، فيما استمرّ هو بسياساته نفسها حتى هجّر أهالي باب السباع والعدوية وجب الجندلي ومنطقة المساكن، إلى حمص القديمة والوعر. بعد ذلك، فرض النظام حصاراً مطبقاً على حمص القديمة استمرّ نحو سنة ونصف السنة. وهو الأمر الذي أجبر المقاتلين في نهاية الأمر، بعد الجوع ونقص الأسلحة، إلى توقيع اتفاقية تقضي بخروجهم إلى الريف الشمالي المحاصر كذلك".
ويلفت السباعي إلى أنّه "بعد تهجير حمص القديمة، لجأ النظام إلى ضرب طوق عسكري على حيّ الوعر وفرض عليه حصاراً خانقاً طوال ثلاث سنوات، منع خلالها إدخال الأدوية والمحروقات إلى عشرات آلاف المدنيين المحاصرين في داخله. بعض المساعدات الإنسانية لا أكثر دخلت إلى الحيّ في فترات متباعدة زمنياً".
وجاءت آخر حلقات تهجير أهالي حمص التي بدأت في عام 2014 مع أهالي حمص القديمة، بتهجير نحو 20 ألفاً من أهالي حمص المحاصرين في حي الوعر، برعاية روسية وتحت ما يطلق عليها مصالحات، بإشراف مباشر من قبل ما يُعرف بمكتب المصالحات، الذي يتخذ من قاعدة حميميم مركزاً له، ضاربة بما ضمنته إلى جانب تركيا وإيران في أستانة نهاية العام الماضي عرض الحائط، إذ إن اتفاق وقف إطلاق النار نص على تثبيت خطوط الاشتباك وهو ما لم يتم احترامه.
وعملية التهجير بدأت في شهر مارس/آذار الماضي، باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب، وانتهت يوم أمس الاثنين، لتصبح حمص بالكامل تحت سيطرة القوات النظامية ومليشياتها الموالية والطائفية، إضافة إلى الشرطة العسكرية الروسية الموجودة داخل حي الوعر لتشرف على سير عملية التهجير وتسلم النظام للحي.
اقــرأ أيضاً
وتعتبر حمص، قلب سورية وعقدة مواصلاتها، أكبر المحافظات السورية مساحة، والثالثة من حيث الأهمية عقب دمشق وحلب، يفصلها عن العاصمة شمالاً نحو 162 كيلومتراً وفيها جامعة عريقة ومصفاة نفط والكثير من الثروات الباطنية، كما تتميز هذه المدينة بتنوعها الديني. ويفيد متابعون أن إرهاصات الثورة في حمص بدأت قبل عام 2011 بنحو ست سنوات، حين تسلم صديق رأس النظام بشار الأسد محمد إياد غزال منصب محافظ حمص، والذي تفنن في التنكيل بأهلها. فقد انتشر في عهده الفساد وأصبحت الرشوة والمحسوبيات سمة واضحة للمحافظة. وخرجت العديد من التقارير تشير إلى فساد المحافظ وحاشيته، إلى أن أتى بمشروع "حلم حمص" والذي أطلق عليه الأهالي حينها "كابوس حمص" منذ بدأ العمل عليه عام 2007 إلى أن أقر رسمياً عام 2010، على الرغم من رفضه شعبياً بشكل واسع، بسبب ما يفضي إليه من تدميرٍ لحمص القديمة وتهجير أهلها من مناطقهم، وما يتسبب به من تغيير ديمغرافي عميق.
وقد يعود السبب المباشر وراء أن تكون مدينة حمص ثاني مدينة تثور ضد النظام بعد درعا في بداية عام 2011 بزخم شعبي كبير، هو "حلم حمص" والعلاقة السيئة مع غزال، ولا سيما أنه ممثل رئيس الجمهورية في المحافظة.
وقال المتحدث باسم "مركز حمص الإعلامي" محمد السباعي، وهو المهجر من حمص القديمة، والمحاصر في حي الوعر لسنوات، والمهجر إلى ريف حلب أخيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "في شهر فبراير/ شباط من عام 2012، استهدفت قوات النظام السوري الأحياء السكنية المناهضة له في مدينة حمص، الأمر الذي تسبّب في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بالإضافة إلى النزوح والدمار الكبيرَين اللذَين خلّفهما". ولفت إلى أنه "قبل ذلك، عشنا أحداثاً عدّة من قبيل عمليات دهم في أحياء باب السباع وكرم الزيتون والخالدية والبياضة والعدوية وحمص القديمة والقصور والقرابيص وبابا عمرو والإنشاءات والغوطة والحمرا، وكذلك في أحياء أخرى خرجت عن سيطرة النظام. وكلّ عملية دهم كانت تنّفذها قواته، كانت تترافق مع حملات اعتقال واسعة النطاق طاولت عدداً كبيراً من الشبان والشابات، إلى جانب أعمال ترهيب كثيرة".
وبين الناشط الحمصي أنّ "الأوضاع بقيت على حالها بين تظاهرة واعتقال وقتل، حتى شهر فبراير/شباط من عام 2012، حين حشد النظام قواته وأتباعه على أطراف حمص، فاستهدفوا أحياء المدينة بقذائف الهاون والصواريخ. وتركّز القصف على أحياء حمص القديمة، خصوصاً الخالدية وكرم الزيتون وبابا عمرو".
وتابع "لم نكن حينها قد اختبرنا القصف بعد. والذي سبب باقتحام حيّ بابا عمرو، لينجح أخيراً في 29 فبراير/ شباط من العام نفسه. وفي الأوّل من مارس/ آذار من العام نفسه، انسحبت الفصائل المعارضة عقب 26 يوماً من القصف العنيف على الحيّ. وبعد أيام، في 12 مارس/ آذار، ارتكبت قوات النظام وحلفاؤها مجزرة مروّعة في كرم الزيتون راح ضحيّتها ما لا يقلّ عن 50 مدنياً. كذلك طاولت المجزرة حيَّي العدوية والرفاعي المجاورين، ليصبح إجماليّ القتلى أكثر من مائة".
ويضيف: "خرجتُ إلى حيّ كرم الزيتون ووثّقت ما جرى. رأيت كيف كان المدنيون يأتون من حيّ الرفاعي مشياً على الأقدام، حفاة، من شدّة الخوف". ويتابع أنّ "القصف المكثّف والعشوائي على حيَّي كرم الزيتون وعشيرة بقذائف الهاون، اضطر المدنيّين إلى النزوح بأعداد كبيرة، في اتجاه مناطق كانت تُعدّ أكثر أماناً حينها، من قبيل حيّ باب السباع المجاور. أمّا أعداد أخرى فتوجّهت إلى دمشق، فيما بقي بعضهم في حمص القديمة. فقام النظام بحملات اعتقال واسعة النطاق، عند الحواجز العسكرية التي كان يعبرها المدنيون".
ويكمل السباعي أنّ "في كرم الزيتون، لم يبقَ سوى الثوّار وعدد من الناشطين، في حين بقي المشفى الميداني وحده يعمل لأيام عدّة فقط. ثمّ راح النظام يقتحم أحياء العشيرة والرفاعي وكرم الزيتون بالدبابات. فتراجعنا إلى باب السباع وباب الدريب، فيما استمرّ هو بسياساته نفسها حتى هجّر أهالي باب السباع والعدوية وجب الجندلي ومنطقة المساكن، إلى حمص القديمة والوعر. بعد ذلك، فرض النظام حصاراً مطبقاً على حمص القديمة استمرّ نحو سنة ونصف السنة. وهو الأمر الذي أجبر المقاتلين في نهاية الأمر، بعد الجوع ونقص الأسلحة، إلى توقيع اتفاقية تقضي بخروجهم إلى الريف الشمالي المحاصر كذلك".
ويلفت السباعي إلى أنّه "بعد تهجير حمص القديمة، لجأ النظام إلى ضرب طوق عسكري على حيّ الوعر وفرض عليه حصاراً خانقاً طوال ثلاث سنوات، منع خلالها إدخال الأدوية والمحروقات إلى عشرات آلاف المدنيين المحاصرين في داخله. بعض المساعدات الإنسانية لا أكثر دخلت إلى الحيّ في فترات متباعدة زمنياً".
وعملية التهجير بدأت في شهر مارس/آذار الماضي، باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب، وانتهت يوم أمس الاثنين، لتصبح حمص بالكامل تحت سيطرة القوات النظامية ومليشياتها الموالية والطائفية، إضافة إلى الشرطة العسكرية الروسية الموجودة داخل حي الوعر لتشرف على سير عملية التهجير وتسلم النظام للحي.