يتحدّث المؤرخ ابن النديم الذي عاش خلال القرن الحادي عشر ميلادية في كتابه "الفهرست" عن تطوّر الوراقة في بغداد، حيث كانت مجالس العلم تعقد في جامع أبي جعفر المنصور حلقات يرأس كلّ واحدة عالم يتحلّق حوله تلامذته وبينهم المستملي الذي يدوّن ما يقوله هؤلاء العلماء.
استمرت مهنة المستملي لقرون طويلة قبل أن تختفي مع تغيّر منظومة التعليم من جهة وظهور الطباعة من جهة أخرى، واليوم يستعيدها معرض "طُبع في القدس.. مُستَملون جدد" الذي أطلقه "المتحف الفلسطيني" في بيرزيت (25 كلم شمال مدينة القدس المحتّلة) افتراضياً الإثنين الماضي على منصّاته الإلكترونية ويتواصل حتى كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
المعرض الذي ينظّم بالتعاون مع "مؤسّسة دار الطفل العربي في القدس"، يضيء على ذلك القارئ لمخطوطة الكتب الأصلية ومُمْليها على النساخين، والذي كان وسيطاً بين المؤلف وجمهور قرّائهِ، وتجاوزه أحياناً بفرض رقابته على المحتوى المكتوب، كما تذكر المراجع التاريخية.
وأشارت عادلة العايدي مدير عام المتحف في تصريحات سابقة إلى أن المعرض بُني على الهبة التي قدّمتها مطبعة لورنس، والتي تأسّست في القدس مطلع ثلاثينات القرن الماضي واستمرت حتى الثمانينات، موضحة أنه تمّ توسيع الفكرة من عدّة جوانب، منها تاريخ الصحافة في القدس والمطبوعات الثقافية والفكرية والسياسية وحتى الحياة التجارية والسياحية في المدينة وكذلك الحياة المجتمعية والثقافية في القدس.
ويوضحّ بيان المتحف بأن المعرض "يبحث العلاقة بين المطبوعات وأهل المدينة، سواء كان محتواها سياسياَ، أم تعليمياً، أم ثقافيا، أم سياحياً، أم اقتصادياً، وذلك من خلال تحري مهنة المُستملي، ويستعرض من خلال حوالي 200 من الكليشيهات والمطابع والمطبوعات التاريخية "دور المدينة السياسي والسياحي والثقافي، ويشير إلى موقعها المركزي في مجال طباعة وتطوير المواد التعليمية ونشرها، كما يُلقي الضوء على حياتها الثقافية، وحياة أهلها الاجتماعية، بالإضافة إلى استعراض نشاطها الاقتصادي والتجاري".
ويلفت البيان نفسه إلى أن المتحف الفلسطيني سينظم سلسلة من الجولات التوضيحية عبر الإنترنت من داخل قاعة المعرض لتكون متاحة أمام الجمهور في كل مكان، كما ستكون هناك سلسلة من الأنشطة والفعاليات الرقمية التي بدأت منذ منتصف هذا الشهر وتتضمن محاضرات ونقاشات فكرية وورشاً تعليمية تفاعلية وعروضا أدائية.