19 نوفمبر 2024
"طبوغرافيا الإسلاميين" في الأردن
مع الإعلان عن الشروع في تأسيس حزبٍ جديد، عبر مجموعة من قيادات "الإخوان المسلمين" السابقين مع سياسيين بارزين، باسم "الشراكة والإنقاذ"، نكون أمام تجارب حزبية عدة خرجت قياداتها من رحم جماعة الإخوان الأمّ. فقبل الحزب الجديد، الذي يقوده المراقب العام السابق، سالم الفلاحات، كان المراقب العام الأسبق، عبد المجيد ذنيبات، يسجل جمعية جديدة باسم "الإخوان المسلمين"، لتنازع الجماعة الأمّ شرعيتها، وتسحب البساط من تحت أقدامها للحصول على التسجيل القانوني من الدولة، فتصبح الجديدة محدودة العدد هي القانونية، بينما أصبحت الجماعة الأم غير قانونية، في نظر الدولة، وصودرت أملاكها.
في الأثناء، مضى قادة إخوانيون سابقون آخرون خطواتٍ متسارعة في تأسيس حزب زمزم، ليصبح لدينا ثلاثة أحزاب ذات خلفية إخوانية (جبهة العمل الإسلامي و"زمزم" و"الشراكة والإنقاذ")، ويمكن إضافة حزب الوسط الإسلامي إليها (تأسس في 2001 من قيادات إخوانية سابقة).
على الرغم من هذا التشعب والتنوع في التجارب الإسلامية، إلاّ أنّ الانتخابات النيابية أخيراً عزّزت القناعة بأنّ الحضور الشعبي الأكبر ما يزال لصالح جماعة الإخوان الأم، وذراعها السياسية جبهة العمل الإسلامي، بينما عجز "زمزم" و"الوسط" عن الوصول إلى القبة عبر قوائم كبيرة وحملة شعبية، وإن كان كلا الحزبين يحاولان استمالة نوابٍ لتشكيل كتلٍ داخل المجلس، لكنّها لن تكون كتلاً قوية ولا صلبة، وهنالك رائحة دعم الدولة لها، ما يفقدها المصداقية.
فضّل "الشراكة والإنقاذ" التريث، وعدم الزج بالتجربة الجديدة في الانتخابات، فهو قيد التأسيس والتجميع والإعداد، ويتوفر على نخبةٍ من القيادات الموثوقة من الإسلاميين وشباب الجماعة التكنوقراط، ومعهم سياسيون معارضون معروفون، مثل الفقيه الدستوري محمد الحموري.
ما يزال عمق "الإخوان" الأم وجبهة العمل الإسلامي في الشارع الأردني (من أصول فلسطينية) يمنحهم الأفضلية الكبيرة والنوعية على تجارب "زمزم" و"الإخوان" الجديدة و"الوسط الإسلامي" الذين ضاعوا بين أفكار متقدمة على صعيد الفكر السياسي والقبول بالمدنيّة من جهة وعدم القدرة على بناء قاعدة شعبية، خصوصاً أنّ أغلب هذه التجارب الجديدة تعود إلى قيادات "الإخوان المسلمين"، من أصول شرق أردنية، ويتنافسون على نسبةٍ محدودة للتيار الإسلامي في هذا الوسط الاجتماعي الذي لا يتمتع فيه الإسلاميون بقاعدةٍ شبيهة بالوسط الأردني- الفلسطيني، وربما تمثل هذه الملاحظة المعضلة الحقيقية للتجارب الإسلامية الجديدة، ما يدفعها إلى الاقتراب من الدولة ومراكز القرار الرسمية، ما يفقدها جزءاً كبيراً من الثقة السياسية الشعبية.
يختلف "الشراكة والإنقاذ"، من زاوية المواقف السياسية، عن "زمزم" و"الوسط"، فهو أقرب إلى اللون المعارض، وإن كان يختلف مع قيادات "الإخوان" من جناح الصقور الذين أمسكوا زمام القيادة، إلاّ أنّ قياداته أقرب إلى الخطاب الإصلاحي المعارض، لكنّ نقطة الضعف الحقيقية في التجربة الجديدة ما تزال ضعف الحضور الأردني- الفلسطيني، ما يعيد طرح السؤال في مدى قدرتها على إحداث اختراقٍ شعبيٍّ، لم تستطع التجارب الإسلامية الجديدة الأخرى القيام به؟
على الصعيد الأيديولوجي، ثمّة أرضية عامة تجمع الأحزاب القديمة والجديدة، وهنالك اختلافات دقيقة وفرعية. فعلى صعيد الخطاب السياسي جميعاً، تعلن القبول بالديمقراطية والتعدّدية وتداول السلطة. وفي تطور لاحق، قدّم أحد أبرز قادة جبهة العمل الإسلامي، زكي بني ارشيد، مقارباتٍ في قبول الدولة المدنية والاستعداد للمشاركة السياسية والمرونة الواقعية، ما يجعله يقترب كثيراً من الخط البراغماتي للتجربتين التونسية والمغربية، ويحجّم الفوارق في خطابه عن التجارب الحزبية الإسلامية الجديدة.
تبقى "المسافة عن السلطة" محدّداً أساسياً في المشهد الجديد، فما يزال "جبهة العمل الإسلامي" محسوباً على المعارضة السياسية، ذات القاعدة الاجتماعية الأردنية- الفلسطينية، فيما "الشراكة والإنقاذ" حزب وطني جديد بنفَسٍ معارض، ذو أغلبية مطلقة شرق أردنية، وتبدو تجربة حزب الوسط الإسلامي قيد المراجعة، بعد أن اقترب كثيراً من السلطة إلى درجة الاحتراق. في المقابل، يحاول مهندسو "زمزم" الموازنة بين فكرتهم الأساسية في الشراكة الوطنية وأولوية التنمية على حساب الأيديولوجي من جهة، وعلاقتهم الودية بالسلطة من جهة ثانية، وعدم قدرتهم على إيجاد القاعدة الشعبية المطلوبة من جهة ثالثة.
هذه الطبوغرافيا للمشهد الإسلامي الجديد قيد التشكّل، بانتظار اكتمال التجربة الجديدة لـ "الشراكة والإنقاذ" ومآلات العلاقة بين "جبهة العمل الإسلامي" والسلطة بعد الانتخابات النيابية والعودة إلى الحياة السياسية.
في الأثناء، مضى قادة إخوانيون سابقون آخرون خطواتٍ متسارعة في تأسيس حزب زمزم، ليصبح لدينا ثلاثة أحزاب ذات خلفية إخوانية (جبهة العمل الإسلامي و"زمزم" و"الشراكة والإنقاذ")، ويمكن إضافة حزب الوسط الإسلامي إليها (تأسس في 2001 من قيادات إخوانية سابقة).
على الرغم من هذا التشعب والتنوع في التجارب الإسلامية، إلاّ أنّ الانتخابات النيابية أخيراً عزّزت القناعة بأنّ الحضور الشعبي الأكبر ما يزال لصالح جماعة الإخوان الأم، وذراعها السياسية جبهة العمل الإسلامي، بينما عجز "زمزم" و"الوسط" عن الوصول إلى القبة عبر قوائم كبيرة وحملة شعبية، وإن كان كلا الحزبين يحاولان استمالة نوابٍ لتشكيل كتلٍ داخل المجلس، لكنّها لن تكون كتلاً قوية ولا صلبة، وهنالك رائحة دعم الدولة لها، ما يفقدها المصداقية.
فضّل "الشراكة والإنقاذ" التريث، وعدم الزج بالتجربة الجديدة في الانتخابات، فهو قيد التأسيس والتجميع والإعداد، ويتوفر على نخبةٍ من القيادات الموثوقة من الإسلاميين وشباب الجماعة التكنوقراط، ومعهم سياسيون معارضون معروفون، مثل الفقيه الدستوري محمد الحموري.
ما يزال عمق "الإخوان" الأم وجبهة العمل الإسلامي في الشارع الأردني (من أصول فلسطينية) يمنحهم الأفضلية الكبيرة والنوعية على تجارب "زمزم" و"الإخوان" الجديدة و"الوسط الإسلامي" الذين ضاعوا بين أفكار متقدمة على صعيد الفكر السياسي والقبول بالمدنيّة من جهة وعدم القدرة على بناء قاعدة شعبية، خصوصاً أنّ أغلب هذه التجارب الجديدة تعود إلى قيادات "الإخوان المسلمين"، من أصول شرق أردنية، ويتنافسون على نسبةٍ محدودة للتيار الإسلامي في هذا الوسط الاجتماعي الذي لا يتمتع فيه الإسلاميون بقاعدةٍ شبيهة بالوسط الأردني- الفلسطيني، وربما تمثل هذه الملاحظة المعضلة الحقيقية للتجارب الإسلامية الجديدة، ما يدفعها إلى الاقتراب من الدولة ومراكز القرار الرسمية، ما يفقدها جزءاً كبيراً من الثقة السياسية الشعبية.
يختلف "الشراكة والإنقاذ"، من زاوية المواقف السياسية، عن "زمزم" و"الوسط"، فهو أقرب إلى اللون المعارض، وإن كان يختلف مع قيادات "الإخوان" من جناح الصقور الذين أمسكوا زمام القيادة، إلاّ أنّ قياداته أقرب إلى الخطاب الإصلاحي المعارض، لكنّ نقطة الضعف الحقيقية في التجربة الجديدة ما تزال ضعف الحضور الأردني- الفلسطيني، ما يعيد طرح السؤال في مدى قدرتها على إحداث اختراقٍ شعبيٍّ، لم تستطع التجارب الإسلامية الجديدة الأخرى القيام به؟
على الصعيد الأيديولوجي، ثمّة أرضية عامة تجمع الأحزاب القديمة والجديدة، وهنالك اختلافات دقيقة وفرعية. فعلى صعيد الخطاب السياسي جميعاً، تعلن القبول بالديمقراطية والتعدّدية وتداول السلطة. وفي تطور لاحق، قدّم أحد أبرز قادة جبهة العمل الإسلامي، زكي بني ارشيد، مقارباتٍ في قبول الدولة المدنية والاستعداد للمشاركة السياسية والمرونة الواقعية، ما يجعله يقترب كثيراً من الخط البراغماتي للتجربتين التونسية والمغربية، ويحجّم الفوارق في خطابه عن التجارب الحزبية الإسلامية الجديدة.
تبقى "المسافة عن السلطة" محدّداً أساسياً في المشهد الجديد، فما يزال "جبهة العمل الإسلامي" محسوباً على المعارضة السياسية، ذات القاعدة الاجتماعية الأردنية- الفلسطينية، فيما "الشراكة والإنقاذ" حزب وطني جديد بنفَسٍ معارض، ذو أغلبية مطلقة شرق أردنية، وتبدو تجربة حزب الوسط الإسلامي قيد المراجعة، بعد أن اقترب كثيراً من السلطة إلى درجة الاحتراق. في المقابل، يحاول مهندسو "زمزم" الموازنة بين فكرتهم الأساسية في الشراكة الوطنية وأولوية التنمية على حساب الأيديولوجي من جهة، وعلاقتهم الودية بالسلطة من جهة ثانية، وعدم قدرتهم على إيجاد القاعدة الشعبية المطلوبة من جهة ثالثة.
هذه الطبوغرافيا للمشهد الإسلامي الجديد قيد التشكّل، بانتظار اكتمال التجربة الجديدة لـ "الشراكة والإنقاذ" ومآلات العلاقة بين "جبهة العمل الإسلامي" والسلطة بعد الانتخابات النيابية والعودة إلى الحياة السياسية.