"ضغوط استفزازية" على المعارضة السورية لإشراك موالين بوفد جنيف

05 فبراير 2017
"جيش الإسلام" صدّ هجوماً للنظام بشرق دمشق(عامر المهيباني/فرانس برس)
+ الخط -
تنتظر المعارضة السورية المسلحة رداً روسياً على ورقة قدمتها في مفاوضات أستانة تتضمن آليات لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في البلاد، ومطالب إنسانية في جوهرها إطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة. وتريد المعارضة من خلال ذلك إجراءات "حسن نيّة" من قبل الضامن الروسي للمضي في طريق حل سياسي، يحاول النظام وحليفه الإيراني نسف الجهود الهادفة للتوصل إليه، من خلال استمرار ضرب الاتفاق بعرض الحائط، ومحاولة اقتحام أكبر معاقل المعارضة في شرقي العاصمة دمشق.

وتستضيف العاصمة الكازاخستانية، أستانة، اليوم الإثنين، اجتماعاً وُصف بـ"التقني" يضم ممثلين عن تركيا وروسيا وإيران والأمم المتحدة لـ"توطيد اتفاق وقف إطلاق النار" بين المعارضة السورية المسلحة والنظام، والذي كان قد دخل حيّز التنفيذ بدعم من مجلس الأمن الدولي في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي. لكن فصائل المعارضة المسلحة التي شاركت في مفاوضات أستانة، تؤكد أن النظام وحلفاءه لم يلتزموا بالاتفاق المذكور، وأنه جرت خروقات "جوهرية" تمثلت بتهجير سكان منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق، واستمرار محاولات اقتحام الغوطة الشرقية لدمشق، وفرض حصار على بلدة محجة في ريف درعا، لدفع نحو 25 ألف مدني للخضوع لقوات النظام والمليشيات الطائفية الموالية لها.

وذهب "جيش العزة" الفاعل في ريف حماة الشمالي أبعد من الاتهام اللفظي للنظام وحلفائه، حين أعلن في اليوم الأول من الشهر الحالي أنه "في حلّ من الاتفاق"، إثر استهداف الطيران الروسي مقراته، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من مقاتليه. كذلك أكّد "جيش العزة" أن انسحابه من الاتفاق جاء على خلفية تهجير سكان وادي بردى واستمرار الحملات العسكرية على الغوطة. وأشار الناطق باسم هذا الفصيل المعارض، النقيب مصطفى معراتي، إلى أن الضامن التركي سيطرح تحفظات فصائل المعارضة في اجتماع أستانة اليوم، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لا مشاركة في أي عملية سياسية قبل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار على الأرض بشكل حقيقي".

ومن المفترض أن يقدّم الجانب الروسي إلى الجانب التركي ردّه على ورقة قدمها وفد المعارضة السورية المسلحة للوفد الروسي. وقد وعد الأخير بتقديم أجوبة عليها بعد مناقشتها مع الرئيس، فلاديمير بوتين.

وذكر ممثل "لواء شهداء الإسلام" في وفد الفصائل، النقيب سعيد نقرش (أبو جمال)، لـ"العربي الجديد"، أن ورقة فصائل المعارضة تدعو إلى وضع لجان وآليات للمراقبة ووقف العمليات العدائية ووقف التهجير القسري للمناطق المحاصرة بشكل عام، وفي ريف دمشق وريف حمص الشمالي ومحجة بريف درعا. وأضاف أن هذه الورقة تدعو أيضاً إلى السماح بحرية الحركة وإيقاف الاعتقالات وإطلاق سراح المعتقلين وإدخال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المحاصرة وإيقاف جميع أنواع القصف المدفعي والصاروخي والقصف الجوي بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة، بحسب قوله. وأعرب القيادي العسكري عن اعتقاده بأن الإيرانيين "سيعملون على إفشال مساعٍ تبذلها أنقرة وموسكو لترسيخ اتفاق وقف إطلاق، لأنه يقف حائلاً دون تحقيق مآربهم، خاصة في محيط دمشق"، على حد تعبيره.



وتجهد طهران لتكرار سيناريو مدن وبلدات، اضطرت لتوقيع ما يُسمّى بـ"المصالحات"، في الغوطة الشرقية التي يشكّل صمودها عقبة دون إطباق الإيرانيين على العاصمة السورية ومحيطها بشكل كامل.

وفي السياق، لا تزال المعارضة تبذل جهوداً من أجل تشكيل وفد "قوي ومتماسك" يمثلها في مفاوضات جنيف المرتقبة بجولتها الرابعة في 20 فبراير/شباط الحالي، وفق مصادر في "الائتلاف الوطني السوري"، أكدت لـ"العربي الجديد" أن "الهيئة العليا للمفاوضات ستقر هذا الوفد" في اجتماعها في الرياض يوم العاشر من الشهر الحالي. وأكدت المصادر أن "الهيئة" تتعرض لضغوط لها طابع "استفزازي" من أجل ضم شخصيات من "منصات" محسوبة على المعارضة السورية تعارض مخرجات بيان الرياض، وتتوافق إلى حد بعيد مع الطرح الروسي والإيراني القائم على المحافظة على النظام ورئيسه بشار الأسد، والداعي إلى تقاسم وصفته بـ"الشكلي" للسلطة بين المعارضة والنظام. وأكدت أن "الهيئة" ترفض تدخل أي جهة إقليمية أو دولية أو أممية في مسألة تشكيل الوفد المنوط به التفاوض في جنيف، مشيرةً إلى رفض "الهيئة العليا" وجود منصات بعينها في الوفد، لا سيما منصات موسكو وحميميم وأستانة، إضافة إلى حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي". وشددت المصادر على أنه "لا خلافات جوهرية" مع منصّة القاهرة، مشيرةً إلى اتصالات "غير رسمية" معها "بشكل دائم"، ومرجحةً احتمال التقارب معها وإيجاد أرضية للتعاون، وفق المصادر.

وحاولت موسكو خلق فجوة بين "الهيئة العليا للمفاوضات" والفصائل المسلحة، وسعت إلى إغراء الأخيرة من أجل تصدّر المشهد السياسي، وتهميش "الهيئة" التي قاومت الضغوط الروسية من أجل فرض تسوية لا تلبّي الحد الأدنى من مطالب الثورة والمعارضة السورية. وفي هذا الإطار، أكد ممثّل "جيش العزة" في وفد الفصائل إلى مفاوضات أستانة، النقيب مصطفى معراتي، أن موقف الفصائل واضح ولا لبس فيه، مضيفاً أن "الهيئة العليا للمفاوضات هي الممثل للمعارضة، ونحن ندعمها"، وفق قوله.

بموازاة ذلك، تعقد الهيئة السياسية لـ"الائتلاف الوطني السوري"، أكبر مكونات "الهيئة العليا للمفاوضات"، اجتماعات اليوم (الإثنين) في إسطنبول. وستكون مفاوضات جنيف المرتقبة على رأس جدول أعمال هذه الاجتماعات، وفق تأكيد نائب رئيس "الائتلاف"، عبدالحكيم بشار، والذي أشار في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن "الائتلاف سيناقش آلية تشكيل الوفد المفاوض، والمسارات المتعددة التي طرحها (المبعوث الأممي) ستيفان دي ميستورا"، مؤكداً "أن الائتلاف الوطني - والمجلس الوطني الكردي مكون رئيسي فيه - ملتزم بالحل السلمي، وبمشاركة أوسع طيف من المعارضة بشقيها السياسي والعسكري"، ومشيراً إلى أن "الائتلاف جزء من الهيئة العليا للتفاوض". وأضاف أن "الهيئة منفتحة على مشاركة أوسع طيف من المعارضة الملتزمة بأهداف ومبادئ الثورة السورية"، مؤكداً أنه "على ضوء ذلك، فإن ضم شخصيات معارضة حقيقية من منصات أخرى غير مصطنعة إلى الوفد المفاوض سيكون مقبولاً لدى الهيئة العليا ولدى الائتلاف"، بحسب قوله.

في غضون ذلك، لا تزال قوات النظام ومليشيات إيران الطائفية تواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار في عدة مناطق في عموم سورية. وأصيب أمس الأحد مدنيّون بقصف مدفعي من هذه القوات على ريف حمص الشمالي، فيما صدت المعارضة المسلحة هجوماً لقوات النظام وحزب الله ومليشيات أخرى على الغوطة الشرقية. وتحدّثت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" عن إصابة مدنيين، بينهم طفلة، إثر قصف مدفعي من قوات النظام على الأحياء السكنيّة في بلدة الغنطو بريف حمص الشمالي، كذلك طاول القصف منازل في بلدة تلدو بسهل الحولة شمال غربي حمص دون وقوع ضحايا. وصدت المعارضة المسلحة هجوم قوات النظام ومليشيات طائفية على الغوطة الشرقية. وأكد ناشطون أن الاشتباكات استمرت في الغوطة حتى ساعة متأخرة من ليلة السبت الأحد، مشيرين إلى تمكّن قوات المعارضة من صدّ هجمات النظام المدعومة من "حزب الله اللبناني" من محور كتيبة الصواريخ في بلدة حزرما، ومحوري حوش الضواهرة وحوش نصري.

وأعلن "جيش الإسلام"، أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، عن صدّ هجوم النظام وتدمير دبابة لقواته في جبهة حوش نصري، وتكبيدها خسائر بشريّة كبيرة، فيما قصفت قوات النظام الأحياء السكنية في مدينة حرستا بالمدفعية الثقيلة، ما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين بجروح بينهم رضيعان وامرأة، وفق ما أكد الدفاع المدني في ريف دمشق.