"صحوة متأخرة" للقضاء العراقي: أوامر استقدام لوزراء ونواب ومحافظين بتهم فساد

25 نوفمبر 2019
محاسبة الفاسدين المطلب الأبرز للمتظاهرين (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
على وقع التظاهرات التي تعم مدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد، توالت، خلال الساعات الماضية، بيانات صادرة عن هيئة النزاهة ومجلس القضاء الأعلى، تتضمن أوامر قبض واستقدام وأحكام إدانة بحق مسؤولين عراقيين بملفات فساد؛ بينهم وزراء ونواب ومحافظون ومدراء عامون وأعضاء مجالس محافظات ورؤساء هيئات مختلفة، وذلك في خطوة على ما يبدو أنها تنسيق بين المجلس والحكومة العراقية التي تحاول تهدئة الشارع مع دخول التظاهرات، اليوم الإثنين، شهرها الثاني.

وعبر بيانات منفصلة لكل من مجلس القضاء الأعلى وهيئة النزاهة عبر محكمتها المختصة، خلال اليومين الماضيين، صدرت أوامر استقدام قضائية بحق كل من وزراء التعليم العالي والصحة والعلوم والتكنولوجيا والاتصالات والنقل السابقين، عدا استقدام فوري لوزير الثقافة الحالي، وأمر اعتقال لرئيس ديوان الوقف الشيعي السابق وهو بدرجة وزير أيضاً.

بيانات القضاء وهيئة النزاهة التي أكدت جميعها أنّ الاستقدام بسبب تهم تتعلق بالإضرار بالمال العام والفساد والمخالفات الإدارية، لم تحتوِ على أي أسماء حيث لا يجيز القانون العراقي الكشف عن أسماء من يتم استقدامهم للقضاء، قبل أن يتم البت بإدانتهم. كما أنّ البيانات تسببت بحالة من الإرباك بسبب عدم تفريقها بين كلمة الوزير الأسبق والسابق، وتحديداً إن كان من تهمهم الاستدعاءات هم وزراء في حكومة حيدر العبادي (2014–2018)، أم نوري المالكي (2006–2014) من قبله.

غير أنّ مصادر عراقية في بغداد أكدت لـ"العربي الجديد"، اليوم الإثنين، أنّ الوزراء الذين تم استدعاؤهم هم: علي الأديب القيادي بحزب "الدعوة" ووزير التعليم السابق، وحسن الراشد القيادي بمنظمة "بدر" ووزير الاتصالات السابق، وعديلة حمود وزيرة الصحة المحسوبة على حزب "الدعوة"، وعبد الأمير الحمداني القيادي بحركة "صادقون"، الجناح السياسي لمليشيا "العصائب"، وهو وزير الثقافة الحالي، وكاظم فنجان الحمامي وزير النقل المحسوب على ائتلاف "دولة القانون" بزعامة المالكي وأحد المتهمين من قبل الشارع في مدينة البصرة بتهم فساد، وعبد الكريم السامرائي وزير العلوم والتكنولوجيا الأسبق.


وبالتزامن مع موجة أوامر القبض والاستقدام، أصدر القضاء، اليوم الاثنين، حكماً بالسجن لثلاث سنوات بحق أمين بغداد السابق نعيم عبعوب، المقرّب من زعيم حزب "الدعوة" نوري المالكي.
وكان قد أصدر، مساء أمس الأحد، أمراً بالقبض على محافظ صلاح الدين السابق، النائب الحالي أحمد الجبوري أبو مازن، بتهم فساد، وألقى القبض كذلك على النائب بالبرلمان، القيادي بتيار "الحكمة" محمود الملا طلال متلبساً بجريمة رشوة، في ساعة متأخرة من ليلة أمس.

وخلال أسبوع واحد، بلغ عدد أوامر الاستقدام والقبض التي أصدرها القضاء بحق مسؤولين عراقيين أكثر من 80 أمراً؛ كان من بينها أيضاً الحكم بالسجن لسبع سنوات بحق رئيسة مؤسسة السجناء السياسيين الحالية ناجحة الشمري، وأمر إلقاء قبض بحق محافظ بابل الحالي، واستقدام محافظ البصرة، واستقدام محافظ ذي قار السابق، واثنين من المديرين العامين في المحافظة، واستقدام بحق رئيس وأعضاء مجلس محافظة واسط.

وصدر كذلك أمر باستقدام رئيس وعدد من أعضاء مجلس محافظة كركوك، واستقدام رئيس مجلس محافظة ديالى ونائبه الأول والثاني وأعضاء المجلس البالغ عددهم (26) عضواً، وقرار بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة الصادر لرئيس مجلس محافظة الديوانية، وقرار توقيف محافظ الديوانية السابق، واستقدام بحقِّ رئيس هيئة الاستثمار، ومدير عام الصحة في النجف، وكذلك رئيس مجلس إدارة مطار النجف الدولي، واستقدام بحق المدير العام لدائرة صحة محافظة ميسان.

كما صدر قرار بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لثلاثة من كبار المسؤولين في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، ورئيس جامعة كركوك السابق، فضلاً عن استقدام بحق 4 نواب بالبرلمان العراقي وأمر قبض بحق آخر.


مسؤول عراقي رفيع في بغداد قال لـ"العربي الجديد"، اليوم الإثنين، إنّ "نحو نصف الذين تم استدعاؤهم من قبل القضاء، أو صدرت بحقهم قرارات اعتقال قضائية أو إدانة، غير موجودين في العراق"، لكنه أكد بالوقت ذاته قرب صدور أوامر قبض أخرى بحق أعضاء بارزين بأحزاب نافذة بالسلطة.

ولفت المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى أنّ "القضاء مستمر بالتحقيق في القضايا، حتى في حال عدم وصول من تم استقدامهم، وقد يصار إلى صدور مذكرات اعتقال بحقهم في حال لم يعودوا للعراق بغضون أسبوع"، مؤكداً أنّ "جميع أسباب القبض أو الاستقدام والإدانة متعلقة بالفساد المالي".

عضو "الحزب الشيوعي العراقي" علي اللامي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ إجراءات هيئة النزاهة ضد المسؤولين السابقين والحاليين "جاءت متأخرة لكنها تحسب إنجازاً ولو بسيطاً جداً للمتظاهرين"، معرباً عن استغرابه من عدم الكشف عن أغلب المسؤولين الذين يتم استدعاؤهم للتحقيق، معتبراً أنّ "التركيز على هذا الملف في هذه الظروف الحرجة، يهدف لتهدئة الشارع الناقم من الطبقة السياسية بأكملها".

وتساءل عن "أسباب الانتقائية في الملفات التي يتم التعامل معها"، مبيّناً أنّ "إجراءات هيئة النزاهة استثنت متورطين بملفات فساد كبيرة، لا سيما خلال حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006-2014)، التي شهدت هدر أموال ضخمة ذهب أغلبها إلى جيوب الفاسدين".



وانتقد عضو البرلمان العراقي عن تيار "الحكمة" أسعد المرشدي، اعتقال النائب عن تياره محمود الملا طلال متلبساً بالرشوة، معتبراً، في تصريح صحافي، أنّ هذا الأمر "مفبرك من قبل جهة متنفذة لها باع فساد داخل وزارة الصناعة".

وأضاف أنّ "الحديث عن استلام الملا طلال رشوة، أمر دُبّر بليل من أجل إسقاط عملية استجواب وزير الصناعة صالح الجبوري"، علماً أنّ الأول كان قد قدم في وقت سابق طلباً لاستجوابه. وقال النائب الملا طلال، في مقابلة متلفزة، قبل يوم من اعتقاله، إنّ "بعض الكتل السياسية كانت تتعمد كسر نصاب جلسات البرلمان من أجل تأخير استجواب وزير الصناعة".