تقدّم الفنانة التشكيلية الأردنية جمان النمري (1974) مشاهد واقعية في معظم أعمالها مهتمّة بإبراز أدق التفاصيل، التي تعكس معايشة حقيقية لا مجرّد محاكاة لحدث أو تجربة عابرة، حيث تبرز في كلّ عملٍ بعداً شخصياً حميمياً يتعلّق بمنظورها العام تجاه ما يحيط بها.
تختار مفردة بعينها تتكرّر في حياتها اليومية، لتبنى انطلاقاً منها رحلة بحثها البصري في رمزية تلك المفردة وحضورها في أحلامها ولا وعيها، وفي طريقة تمثّلها في الواقع حيث لا تجد حدوداً تفصل بينهما، فما تتخيله ينزاح بشكل تلقائي إلى ما هو حقيقي وبالعكس.
في هذه المنطقة، اختارت شخصية المهرج ثيمة لمعرضها "حكايات" عام 2015 باعتباره قناعاً يمكن الهروب خلفه من الحرب التي لا تنتهي في العالم العربي، وهو يجسّد في الوقت نفسه السخرية كممارسة رافضة لفعل الفتل والتدمير، ضمن حالات متعدّدة يجمعها الخوف والقلق والانتظار والإحساس بغرائبية تجاه كل ما يحصل من وقائع.
الكرسي أيضاً لم يغب عن لوحة النمري، والذي يتبدّل ويتغيّر شكله ودوره للتعبير عن أفكار مختلفة فهي ترمز للسلطة، وهي المتن الذي يتصارع الكّل عليها فيما الإنسان هو الهامش في وجودها، وهي كذلك قد تبدو في حال يرثى لها وتثير الشفقة على من يتقاتلون حولها.
نبتة الصبّار كانت حاضرة في مجموعات سابقة لها، كما في معرضها الجديد الذي يحمل عنوان "حلم آخر" ويُفتتح عند السادسة من مساء اليوم الثلاثاء في "غاليري المشرق" في عمّان، ويتواصل حتى التاسع من الشهر المقبل.
في إحدى اللوحات، تركّز الكاميرا عدستها على حوض الصبّار الموضوع في منضدة يقابلها كرسي، في وضعية تظهرها العنصر المركزي في المكان، ما تصفه الفنانة في تقديمها للمعرض بقولها "لطالما كانت رفيقتي وحافظة أسراري، هي القوة والصبر، والشاهد الصامد أمام جميع التغيرات، هي الشوق للحب والسلام والسكينة، أبني من خلالها عالماً مليئاً بالألوان والأحلام، تحميني وأحميها وتحفظني في سرها الدفين".
كما تعبّر هذه النبتة عن تصوّر الفنانة لفكرة المقاومة فهي تدافع عن وجودها بأشواكها البارزة، وبقائها في المكان، أو كما تلفت النمري "تلبس (الصبار) حلّة جديدة وكأنها ولدت من جديد لتعيش حلماً آخر، حلماً يختلف عن الواقع، حلماً يحلق فيه الأمل والقوة والحضور، حلماً ينتظر التحقيق".