صدرت خلال الشهور الماضية عدّة مؤلّفات تناولت جوانب جديدة من سيرة صاموئيل وبيكيت وتجربته الأدبية، منها "صامت" الصادر عن "دار إيبيديوم" الألمانية، والذي يتناول حالة الهدوئية عند الكاتب الإيرلندي (1906 - 1989)، و"بيكيت، ولاكان والتحديق" الذي يحلّل رؤيته البصرية.
"صاموئيل بيكيت والصدمة" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "منشورات جامعة مانشستر" ويضمّ عدّة دراسات حول أعمال صاحب "نهاية اللعبة"، والتي ترتبط بشكل وثيق بالصدمات النفسية والتاريخية في العصر الحالي، وحرّر العمل كلّ من ماريكو هوري تاناكا، ويوشيكي تاجيري، وميشيكو تسوشيما.
يضيء الكتاب على مسرحية " في انتظار غودو" حين عُرضت للمرة الأولى في باريس سنة 1953، حيث أصيب الجمهور بحالة من الذهول بعد انتهاء العرض، ففي المشهد الأخير واصل البطلان أستراغون وفلاديمير انتظارهما الذي لا ينتهي، وسرعان ما أسّس صاحبها تياراً جديداً اصطلح عليه "مسرح العبث".
يأخذ المؤلّفون بالاعتبار الصعود المتنامي لدراسات الصدمة في الأدب، لافتين إلى أن مسرحيات بيكيت لم تهزّ المتلقي فحسب، إنما كانت تتحدّى جذرياً المفهوم المتوارث للصدمة نفسها من خلال البنية الاستثنائية للغة وجماليات التصدّع النفسي والفراغ الذي تخلقه، من خلال وجهات نظر جديدة من شأنها توسيع الأطر النظرية لدراسة العلاقة بين الأدب والمسرح والفن والفلسفة والتحليل النفسي.
وتناقش الدراسات المسألة من محاور أساسية تتعلّق بالأعراض المرضية التي يعكسها مسرح العبث، وعلاقة الجسد والذات، والكلام في سياقه التاريخي والثقافي، وكيفية تناولها بعد منتصف القرن العشرين خلال الفترة التي توالت فيها عروض أعمال بيكيت.
كما تطرح العلاقة بين الصدمة والحياة اليومية التي صاغها مسرح العبث عبر إخراج الفرد عن نطاق حياته التقليدية الرتيبة، وجعله يتصرّف بصورة غرائبية أو مبتذلة تدعو إلى الاستغراب حين يكتشف فجأة أن وجوده بلا معنى، وهو الإحساس العارم الذي تملّك الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية، ما قاد النقاد إلى اعتباره مسرحاً ضدّ المسرح، فعوضاً عن دفع الشخص المصاب بالصدمة إلى التصالح مع الحياة اليومية والعثور على أشياء عادية فيها بشكل غير متوقع، لجأ بيكيت إلى التأزيم والذهاب إلى أقصى درجات اللاعقلانية والعبث.