يترقب الفلسطيني موسى أبو العمرين (38 عاماً) حلول عيد الأضحى كل عام بفارغ الصبر، ليفتتح في أول أيام العيد مشروعه التجاري الصغير المتخصص بشواء لحوم الأضاحي للمواطنين بعد تجهيزها بالشكل المطلوب، ويتخذ من الساحة الرملية المجاورة لمنزله غرب مدينة غزة، مكانا مؤقتا لعربته (البسطة).
ويشرع أبو العمرين في تجهيز متطلبات العمل قبل حلول العيد بعدة أيام، من خلال تحضير ماكينة فرم اللحم وتنظيفها من الداخل، واستئجار بعض المواقد والأسياخ اللازمة للشواء، بجانب شراء كميات من البهارات والتوابل التي تلعب دورا كبيرا في إضافة المتعة والنكهة للطعام، بالإضافة إلى شراء كميات كبيرة من الفحم.
ويأمل موسى أن تساعد أرباح عمله المؤقت في التخفيف من قسوة الأوضاع المعيشية التي يكتوي بنارها منذ عدة سنوات برفقة عائلته المكونة من أربعة أفراد، في ظل تهالك مختلف مقومات الحياة في قطاع غزة الذي يخضع لحصار إسرائيلي مشدد منذ قرابة العقد.
وأوضح أبو العمرين لـ "العربي الجديد" أنه يبدأ العمل في بسطته منذ ظهر اليوم الأول للعيد، بعدما تنتهي بعض العائلات من ذبح أضاحيها وتجهيز كميات من اللحوم لشوائها سواء كوجبة غداء أو عشاء، مشيراً إلى أنّ حجم الإقبال يتراجع بشكل تدريجي بعد مرور نحو أسبوع على العيد.
ولفت إلى أنّ سعر فرم كيلوغرام من اللحم الطازج يبلغ قرابة أربعة شواكل، وتبلغ تكلفة شواء ذات الكمية نحو عشرة شواكل (2.5 دولار)، بينما يباع كيلو الفحم المستورد بسبعة شواكل، مبينا أنه اضطر إلى شراء كميات من السولار لتشغيل المولد الكهربائي في حال انقطاع الكهرباء عن ماكينة الفرم.
وتعد المشاريع الصغيرة التي توفرها المناسبات الموسمية المتنوعة كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى وبدء العام الدراسي الجديد، مصدر رزق مهم لآلاف العاطلين عن العمل وأرباب العائلات المستورة، في ظل اشتداد الحصار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة لدى مختلف الفئات العمرية والشرائح المجتمعية.
اقرأ أيضاً: الصيف يوفّر وظائف موسمية لعاطلي غزة
أما الشاب عبد الله توفيق (26 عاماً) فاشتكى من تراجع مستوى الإقبال على شواء اللحوم، وتجهيزها في موسم عيد الأضحى الجاري على عكس السنوات الماضية، مرجعا ذلك إلى تدني نسبة المضحين بسبب ارتفاع أسعار المواشي في الأسواق المحلية، بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
ويعمل توفيق خلال فترة العيد داخل أحد المحلات المخصصة لبيع وشواء اللحوم بأنواعها، مقابل أجر مادي يومي لا يزيد على 60 شيكلا، يتقاضاه إزاء عمله على موقد الشواء منذ الساعة العاشرة صباحا حتى ساعات متأخرة من المساء.
وذكر توفيق لـ "العربي الجديد" أن الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تعصف بسكان غزة بين الحين والآخر أثرت بشكل سلبي على نسبة المواطنين القادرين على شراء الأضحية، وعلى إثر ذلك انخفض حجم الإقبال على محلات وبسطات فرم اللحوم وشوائها.
وبين أنّ أزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة دفعت غالبية العائلات إلى شواء اللحوم في الأيام الأولى من العيد، خشية من فسادها إن بقيت محفوظة في ثلاجاتهم التي تنقطع عنها الكهرباء لفترات متفاوتة، مشيرا إلى أن هامش الربح يصبح ضئيلا إن عمل المحل على المولد الكهربائي الذي يستهلك كميات كبيرة من الوقود.
ولفت الشاب عبد الله إلى أن بعض الزبائن والعائلات يتوجهون نحو فرم اللحوم فقط، بينما يرغبون بشوائها داخل منازلهم سواء ضمن أجواء عائلية أو في جلسات السمر الخاصة بالأصدقاء، على أمل أن تمنحهم بعض جرعات السعادة التي تنتصر ولو مؤقتا على تداعيات الحصار ونتائج الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
وأتقن توفيق مهنة الشواء منذ منتصف عقده الثاني، بعد أن اكتسب مهارات تلك المهنة من جده على أمل أن يفتتح محلاً خاصاً به يعيله على تلبية احتياجات الحياة ومتطلباتها المتعددة، إلا أنّ ضعف القدرة المالية لدى عبد الله حالت دون ذلك.
ويعاني قطاع غزة من تدهور الأوضاع الحياتية بشكل غير مسبوق، بسبب استمرار وضع القيود المشددة على حركة المعابر الحدودية الخاضعة لسيطرة الاحتلال، بجانب تأخر عملية إعادة إعمار المنازل والمنشآت التي دمرت في الحروب الإسرائيلية الثلاث التي شنت على القطاع خلال السنوات السبع الماضية.
اقرأ أيضاً: رمضان يمنح شباب غزة فرص عمل مؤقتة