حقيقة المشهد ترتبط بتراجع النفوذ الفرنسي سياسياً واقتصادياً خاصة في مناطق كانت تشكّل فيها القوة الأساسية مثل القارة الأفريقية، التي أحسّ كثير من نخبتها في الفترة الأخيرة بضرورة التوّجه لتعلّم لغة أخرى؛ الإنكليزية غالباً، لأسباب تتعلّق بتغيّر خارطة أسواقها التي باتت الشركات الأميركية والصينية تستحوذ على حصة كبيرة فيها، وأن نمط العيش والتفكير والحياة بصورته الفرنسية لم يعد يشكّل الإغواء ذاته كما كان الحال منذ بضعة عقود.
تبرز في هذا السياق محاولات عديدة لتعويض هذا التراجع، حيث تركّز المنظّمة على قبول عضوية بلدان فيها فئات محدودة تتحدّث الفرنسية مثل مصر والأرجنتين وفيتنام، وأخرى بدأت تبرز فيها فئات تعلّمت الفرنسية كلغة ثانية في المدارس والجامعات مثل الأردن وبعض البلدان الخليجية.
تتوجّه معظم الأنشطة التي تقدّمها المعاهد الثقافية الفرنسية طوال العام نحو تعليم اللغة الفرنسية بشكل أساسي، ومحاولة عقد اتفاقيات لتعليمها في بلدان ذات ثقافة أنغلوفونية تحديداً، وأخرى تهتمّ بالموسيقى والسينما وفنون الطهي والأزياء التي تعّرف أكثر بالمجتمع الفرنسي وثقافته.
كما تسعى باريس في السنوات الأخيرة إلى توسيع مشاركة السفارات التي ترعى تظاهراتها الأساسية المتمثلة بشهر الفرنكوفونية في آذار/ مارس من كلّ عام، حيث تحرص على مشاركة سفارات بلدان مثل بلجيكا وكندا، وهو ما يبدو محاولة لمنحها بعداً لا يحصرها بفرنسا فقط.
عند تفحّص البرنامج الذي يقام في بيروت الشهر الجاري بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية و"الوكالة الجامعية للفرنكوفونية"، سنعثر على لقاءات تتعلّق بقضايا راهنة كالهجرة واللجوء والفرنكوفونية في العصر الرقمي، لكن يمكن التوقّف عند إحدى الندوات التي يرتبط موضوعها بتكريس النفوذ الفرنسي في منطقة بلاد الشام وهي "مجتمعات دولة لبنان الكبير (1920- 2020): خواطر وآفاق" التي تعقدها "جامعة الروح القدس- الكسليك" في الثاني والعشرين من آذار/ مارس 2019، احتفاء بمرور مئة عام على إقرار دولة مستقلة في لبنان بعد ستين عاماً من التجاذب الداخلي والإقليمي والخارجي حولها.
في تونس، انطلقت أمس الأربعاء في مدينة سوسة فعاليات الدورة الثانية للمهرجان الدولي "فرنكفونيات سوسة" التي تنظّم بالتعاون مع "جمعية التونسيين أصدقاء الفرنكوفونية" ووزارة الثقافة، ويتضمّن عرضاً لمحمد علي العقبي بعنوان "باربارا" يتناول حياة المطربة الفرنسية الراحلة (1930 – 1997) وعلاقتها بنجمي الغناء في بلدها آنذاك جاك بريل وإيديت بياث.
كما يُعقد لقاء حواري بمشاركة نخبة من المتخصّصين والباحثين في التاسع من الشهر الجاري حول "الفرنكفونية كفضاء تعاون متعدد الأطراف وتموقع تونس في الفضاء الفرنكوفوني".
تقام في الأثناء فعاليات متفرٌقة بمناسبة شهر الفرنكوفونية يستضيفها "المركز الثقافي الفرنسي" في كلّ من عمّان ورام الله والقاهرة وبغداد.