"بلومبيرغ": "شقق الأشباح" في بيروت تطارد اقتصاد لبنان المأزوم

02 نوفمبر 2018
الشقق... ركود شديد بعد وقف قروض الإسكان (العربي الجديد)
+ الخط -
تحت عنوان "شقق الأشباح في بيروت تطارد اقتصاد لبنان" المأزوم، نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تقريراً موسّعاً، اليوم، عن أزمة المساكن والسوق العقارية في لبنان عموماً وعاصمته على وجه الخصوص، وما لركود العقارات من تأثير على اقتصاد البلد كله.

فالثقة تضرّرت بشدة من الصراع الطويل الأمد في سورية المجاورة، ومن الانقسامات السياسية في الداخل، بحيث أُصيب النمو الاقتصادي بالركود لسنوات، فيما يدفع الانكماش الحاد في قطاع العقارات إلى المخاطرة بتأثيرات أوسع نطاقاً، مع تأجيل المطورين المفتقرين إلى السيولة لدفع مستحقات المقاولين وسداد المتأخرات للدائنين.

وقد أدى وقف برنامج قروض الإسكان المدعومة من مصرف لبنان (المركزي) هذا العام، إلى إبعاد المزيد من المشترين المحتملين عن السوق العقاري.

وهذا ما يسمّيه الرئيس التنفيذي لشركة "بريميوم بروجكتس"، حسام بطل، "السيناريو الكارثي" الذي يواجه قطاع العقارات في لبنان، شارحاً: "لقد شهدنا تأخراً في جمع المال من السوق، ونواجه ظروف بيع عصيبة"، بحسب ما ينقل الموقع الأميركي.


بطل الذي تركز شركته للتطوير والبناء أساساً على وسط بيروت، يكافح لبيع شقق تُقدّر قيمتها بـ1.2 مليون دولار، في حين أن الطلب ضعيف الآن بالنسبة للوحدات التي تعادل نصف هذه القيمة. ولسوق العقارات تأثير كبير في النمو الاقتصادي عموماً، لأن أنشطته تُسهم بنسبة 15% من الناتج الاقتصادي. ووفقاً لدراسة أجراها "بنك عوده"، انخفضت مبيعات العقارات 17% في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، في حين انخفض عدد تراخيص البناء 23%.

الطفرة العمرانية التي بدأت قبل اندلاع الحرب في سورية، تعني أن بعض الشقق كانت موجودة في السوق منذ سنوات. قلّة هم الذين كانوا يتوقعون من الحرب التي بدأت عام 2011، أن تضغط على اقتصاد لبنان بطريقة مدمّرة، فقد دفعت نحو 1.5 مليون لاجئ إلى جارهم الصغير، لبنان، البالغ عدد سكانه 4 ملايين، وهو ما كبّد اقتصاده تكاليف تُقدّر بنحو 18 مليار دولار، وفق ما تقول الوكالة نفسها.

كبير الاقتصاديين في "بنك عوده"، مروان بركات، يقول لـ"بلومبيرغ"، إن الركود يرجع أساساً إلى حالة "الانتظار والترقب العام في أوساط المستثمرين، بسبب الشكوك الكُلية والسياسية".

وهذا في وقت لا يزال لبنان بلا حكومة منذ إجراء الانتخابات النيابية قبل نحو 6 أشهر، ما يحول دون استفادة لبنان من تعهدات قروض ومنح في مؤتمر "سيدر 1" (باريس 4) بقيمة تتجاوز 11 مليار دولار، فيما الاقتصاد يئن تحت وطأة الدين العام، الذي يحذر البنك الدولي من أنه "على مسار غير مستدام" مع بلوغ نسبته نحو 155% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2018، في حين أن النمو الاقتصادي يمكن أن ينخفض إلى 1%.

أسعار الشقق وتسهيلات "الإغراء"

تقرير "بلومبيرغ" يشير إلى أن شقة نموذجية في بيروت، تقع بين البحر الأبيض المتوسط ​​والجبال الخضراء، يمكن أن تصل تكاليفها إلى ما بين 2000 دولار و7 آلاف دولار للمتر المربع الواحد، بحسب أحياء وسط بيروت.


وعلى الرغم من أن الأسعار السكنية لم تتراجع كثيراً، إلا أن المطورين يقدّمون للزبائن برامج سداد أكثر مرونة من السابق. إذ إن صاحب أحد المشاريع في ضبية، خارج بيروت، يسمح للعملاء بالاستئجار لمدة تصل إلى 3 سنوات مع حق الشراء لاحقاً. وبسبب الحاجة الماسة للسيولة، يُقدم بعض المطورين حسومات هائلة على الشقق الجديدة، مع أن معظمهم يحافظ على الأسعار ذاتها رغم انهيار المبيعات.

الرئيس التنفيذي لشركة "هار بروبرتيز"، فيليب تابت، يقول للوكالة إن الشركة اضطرت إلى إعادة هيكلة نموذجها المالي بعد الانكماش الاقتصادي، مضيفاً: "يتأخر العملاء عن سداد الدفعات، فيما رفعت البنوك أسعار الفائدة، ما زاد من صعوبة الحصول على الأموال"، رغم أنه لم يسمع عن العديد من الشركات المتعثرة حتى الآن.

تحويل أزمة العقارات إلى فرصة

وسعياً لإنقاذ القطاع العقاري من أزمته العميقة، أنشأت مجموعة من المطوّرين والمستثمرين أول منصة للاستثمار العقاري في لبنان، بحيث تشتري "ليغاسي ون" شققاً شاغرة في نحو 100 مشروع في بيروت وضواحيها، وتعيد بيعها لمشترين خارج لبنان، بحسب رئيس جمعية مطوري العقارات في لبنان، سمير قرطاس، الشريك في المشروع.

وتتمثل الخطة في توجيه أموال تصل إلى مليار دولار نحو العقارات، على أمل نفخ الحياة في روح القطاع الذي ضربه الجمود. ويقوم "بنك لوسيد للاستثمار"، مقرّه بيروت، بوضع الاستراتيجية، وقد حصل على موافقة الجهات التنظيمية لجمع 325 مليون دولار في المرحلة الأولى. وسيُسمح للدائنين في المشاريع المضطربة بتبادل انكشافهم مع ديون المطوّرين مقابل السندات الصادرة عن منصة الاستثمار.

ديون العقارات ثلث التسليفات المصرفية الخاصة

وتشكل القروض المرتبطة بالقطاع العقاري في لبنان، أكثر من ثلث الديون المصرفية للقطاع الخاص، وفقاً لقرطاس، ما يجعل الخطة جذابة بالنسبة للبعض، رغم أنها لا تفعل الكثير لمعالجة المشكلات الاقتصادية الأساسية.

وسيتعين على الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة رئيس مجلس الوزراء المكلف، سعد الحريري، أن تؤمّن ظروف عمل تنقذ المستثمرين والبنائين على السواء، وأن تتجاوز بعد ذلك الانقسامات السياسية من أجل تنفيذ الإصلاحات المالية المطلوبة، للحصول على التمويل الموعود من "سيدر1" لمشاريع البنية التحتية الحيوية.