في عام 331 قبل الميلاد، أسّس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية لتكون أكبر حاضرة في حوض البحر الأبيض آنذاك، إذ سرعان ما تحوّلت إلى مركز اقتصادي وتجاري نشط خلال حكم البطالمة لمصر، إلى جانب احتضانها للعلماء والفلاسفة في مجمعها العلمي ومكتبتها الشهيرتين.
حافظت المدينة على خصوصيتها القائمة على التنوّع والتعدّد حيث عاش وانتمى إليها جاليات تعود أصولها إلى معظم بلدان المتوسط، وتفاعلت فيها الحضارتان المصرية والإغريقية الذي ترك أثره على المنطقة بأسرها، واستمر حضورها طوال العصور اللاحقة قبل أن يتراجع منذ منتصف القرن الماضي، وتفقد الكثير من مكانتها وحيويتها.
ضمن الاحتفالات بتأسيس الإسكندرية، افتتح في السادس والعشرين من الشهر الماضي معرض "شحصيات سكندرية" في متحفها القومي، ويتواصل حتى نهاية الشهر المقبل، ويضمّ قطع أثرية وأعمال فنية تمثّل أكثر من ألفين وثلاثمئة عام، إلى جانب تنظيم العديد من المحاضرات والأنشطة الموازية.
تُعرض جدارية للقديس مينا تعود إلى العصر البيزنطي
من أبرز مقتنيات المتحف المعروضة هي تمثال لرأس الإسكندر الأكبر، مؤسّس الإسكندرية، الذي اكتشف في منطقة كوم الدكة في المدينة على يد بعثة بولندية عام 1960، وهو مصنوع من الصخور والرخام، بارتفاع سبعة عشر سنتمتراً وعرض عشرة سنتمترات، وينسب للنحات الروماتي ليسيبوس نظراً لأسلوب نحته فالرأس يميل جهة اليمين والعيون تبدو مفكرة ذات نظرة علوية إلى الأفق البعيد.
كما تُعرض جدارية أبو مينا، وهي لوحة رخامية للقديس مينا، تصوره وهو واقف بين جملين، وتعود هذه الجدارية الفريدة إلى العصر البيزنطي، وميدالية ذهبية نٌقشت عليها صورة الملك فاروق مع عبارة "ملك مصر والسودان"، وقد تقاطع وجهه مع الإسكندر الأكبر، وهي ميدالية تذكارية صدرت بمناسبة إنشاء "جامعة فاروق الأول" التي تعرف اليوم باسم "جامعة الإسكندرية".
وأقيم على هامش المعرض محاضرتان، الأولى بعنوان "بازيليكا كاتدرائية أبو مينا" ألقاها الباحث في التاريخ القبطي نجاتي أنطاكيا، والثانية بعنوان "أمجاد الكنيسة القبطية" قدّمها مدير "الكلية الإكليريكية" بالإسكندرية إبرام بشواندي.
إلى جانب تنظيم عدد من الورش التعليمية لـ "تنمية مهارات الأطفال، وربطهم بالمتحف وتعريفهم بتاريخ المحافظة" بحسب بيان المنظّمين الذي أشار إلى أنه سيتم "تدريبهم على صنع مجسمات للإسكندر الأكبر باستخدام النحت على الجبس، بجانب وورش أعمال ورقية، مع تطبيق كافة الإجراءات الاحترازية المقررة".
يُذكر أن المتحف القومي في الإسكندرية يحتوي حوالي ثمانمئة قطعة أثرية تمثّل حقباً مختلفة بدءاً من الدولة القديمة وحتى العصر الحديث وتصور تلك القطع حضارة مصر وثقافتها وفنونها وصناعاتها خلال هذه العصور وقد تم إحضار هذه القطع الأثرية من عدة متاحف منها المتحف المصري والمتحف الإسلامي والمتحف القبطي بالقاهرة والمتحف اليوناني الروماني والآثار الغارقة بالإسكندرية.