سطر القضاء المصري، اليوم الثلاثاء، فصلاً جديداً من فصول ما وصفته مؤسسات دولية بـ"المهزلة القضائية"، وذلك بأن أصدر حكماً قضائياً بإحالة أوراق 188 معتقلاً من رافضي الانقلاب، من بينهم 151 متهماً محبوساً، و37 هارباً، إلى مفتي الجمهورية لأخذ رأيه الشرعي في إعدامهم جميعاً.
الحكم الصادر يأتي بعد ساعات قليلة من الحكم ببراءة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ونجليه علاء وجمال، و6 من كبار مساعديه، ورجل الأعمال الهارب، حسين سالم، في قضايا اتهامهم بقتل أكثر من 500 متظاهر وإصابة الآلاف خلال ثورة 25 يناير 2011، بخلاف تبرئتهم من قضايا الفساد.
القضية الصادر فيها الحكم، اليوم الثلاثاء، هي القضية المعروفة إعلامياً باسم "أحداث كرداسة"، والمتهمون فيها باقتحام وحرق وقتل ضباط وجنود مركز شرطة كرداسة خلال شهر أغسطس/أب عام 2013، والتي حددت المحكمة جلسة 24 يناير/كانون الثاني المقبل للنطق بالحكم، بعد ورود رأي المفتي في إعدام كافة المتهمين.
ووفقاً لما تم تداوله في القضية، فقد ثبت "شيوع الجريمة" لعدم وجود أية فيديوهات أو أدلة اتهام ضد المتهمين، بخلاف تقديم شهادة رسمية من قبل بعض المتهمين المدونين كـ"هاربين"، بأنهم كانوا خارج البلاد وقت وقوع الجريمة المقررة في أمر إحالة المتهمين.
وقد خلت القضية من أي دليل مادي أو سلاح الجريمة المستخدم، واقتصرت فقط على تحريات جهاز الأمن الوطني، وجهاز المباحث، كما أن عملية اعتقال المتهمين كانت من منازلهم.
كما أن المتهمين تم اعتقالهم في حملة اعتقالات موسعة لمؤيدي شرعية الرئيس المعزول، محمد مرسي، وألقت السلطات القبض على نحو 500 شخص في منطقة كرداسة من ذوي "اللحى"، والمعروف عنهم رفضهم الانقلاب العسكري، وتمت إحالة 188 منهم إلى محكمة الجنايات، بينما تم إخلاء سبيل بعضهم، وما زال البعض الآخر معتقلاً من دون أسباب حتى الآن.
الحكم قد يبدو غريباً في البداية، لكن اسم القاضي الذي أصدره، قد يحل اللغز، فهو المستشار محمد ناجي شحاتة، المتهم بتزوير الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك، في دائرة الزرقا في دمياط، وجاء اسمه في البلاغ المقدم من المحامية، راجية عمران، والمحامي علي طه، ضمن القائمة السوداء للقضاء المتهمين بتزوير الانتخابات وقتها والتي ضمت 22 قاضياً بمختلف الدرجات القضائية.
وشحاتة، رئيس الدائرة الخامسة في محكمة جنايات الجيزة، المختصة بنظر قضايا الإرهاب، أصدر قراراً سابقاً بإحالة أوراق 14 شخصاً من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" أبرزهم المرشد العام للجماعة، محمد بديع، وذلك على خلفية اتهامهم بالتحريض على التظاهر يوم 22 يوليو/تموز وارتكاب أعمال قطع الطريق والتجمهر وإسقاط الدولة، والتي وقعت في منطقة الجيزة في القضية المعروفة إعلامياً باسم "أحداث مسجد الاستقامة"، إلى المفتي لأخذ رأيه الشرعي في إعدام المتهمين.
كما أنه هو أيضاً الذي أصدر أحكاماً تتراوح بين السجن المشدد 10 سنوات وحتى 7 سنوات، على 20 إعلامياً من بينهم 4 أجانب أحدهم أسترالي، وإنجليزيان وهولندية، على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم التحريض ضد السلطات بمصر، وذلك من خلال تصوير المذابح ومظاهر الاعتقالات والعنف والقتل الأمني وتغطية المظاهرات الرافضة للانقلاب، وبثها لصالح قناة الجزيرة.
وهو أيضاً القاضي الذي ينظر قضية محاكمة بديع، و50 من قيادات الجماعة، في قضية اتهامهم بإعداد غرفة عمليات لتوجيه تحركات التنظيم، بهدف مواجهة الدولة عقب مذبحة فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة" وإشاعة الفوضى في البلاد.
كما أنه القاضي ذاته الذي ينظر محاكمة الناشط أحمد دومة و268 شخصاً، في القضية الشهيرة إعلامياً بـ"أحداث مجلس الوزراء"، والمتهم فيها بالاعتداء على مقار مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى، والمباني الحكومية المجاورة له، وحرق المجمع العلمي، والاعتداء على رجال القوات المسلحة.
السيسي قلق من تبعات براءة مبارك
من جهة أخرى، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي إن "حكومته تعكف على وضع قانون لتجريم إهانة ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو/حزيران 2013" وذلك في محاولة لطمأنة المجتمع بشأن موقف الدولة من الثورة اﻷولى، ﻻ سيما بعد صدور حكم تبرئة مبارك من جريمة قتل الثوار، وما تضمنه من حيثيات وصفت هذه الثورة بـ"المؤامرة الدولية".
جاء ذلك خلال اجتماع عقده السيسي، في قصره الرئاسي بعدد من الإعلاميين الشبان، والذين تم اختيارهم من بين صفوف مؤيدي السيسي، ومن بينهم مقدمو برامج من المعروفين بالهجوم الشديد على معارضي السيسي في قنوات "سي بي سي" المملوكة لرجل اﻷعمال محمد اﻷمين، و "أون تي في" المملوكة لرجل اﻷعمال، نجيب ساويرس.
وأضاف السيسي، في حديثه الذي امتد خمس ساعات، أن "ثورة يناير هي ثورة حقيقية قام بها شباب ومواطنون مخلصون، ونحن نعمل على تحقيق أهدافهم في العيش والحرية والكرامة اﻹنسانية".
وقالت مصادر حضرت اﻻجتماع إنه "بدا واضحاً أن السيسي، قلق من التبعات السياسية لحكم مبارك، وزيادة معدل غضب الشباب".
ونقلت المصادر، عن السيسي، قوله إن "جماعة (اﻹخوان المسلمين) فشلت في الدين وفي السياسة، وإنهم لم يتركوا أمام الدولة فرصة أخرى غير التدخل في 3 يوليو/تموز 2013 لعزل مرسي". وزعم أنه "حذر مرسي قبل عدة شهور من هذا التاريخ من سقوط الدولة، وتفككها بسبب معاداة (اﻹخوان) للمؤسسات".
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي، عن ظروف عزل مرسي، بل أعلن تفاصيل مشابهة إبان توليه وزارة الدفاع، قبل وبعد فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة".
وأوضحت المصادر ذاتها أن السيسي وعلى الرغم من تمجيده ثورة يناير، إﻻ أنه رفض بشدة أية محاولات ﻷخذ تعقيبات منه على حكم براءة مبارك، وأنه أكد ثقته في نزاهة وكفاءة القضاء المصري "ترسيخاً لدولة القانون".
وأشار السيسي إلى أنه" يرفض التوسع في استخدام سلطاته التشريعية المؤقتة لفرض إجراءات استثنائية، على مستوى الجمهورية، وأنه اضطر إلى فرض حالة الطوارئ في جزء من شمال سيناء فقط للحرب على اﻹرهاب هناك".
بينما أوضح بيان للرئاسة أن السيسي أبدى تأييده لإنشاء حزب، يمثل شباب الثورة، ويعبر عن أفكارهم ورؤاهم.