"سينما فاتن حمامة": مبنى تراثي أم وكر للمدمنين؟

25 يوليو 2018
فاتن حمامة (فيسبوك)
+ الخط -
لم تتخيّل فاتن حمامة أن دار العرض المرتبطة باسمها، التي حضرت إعادة افتتاحها إلى جانب عدد من الفنانين، ستُهدم ذات يوم بموافقة محافظة القاهرة وزارة الثقافة. فهي، قبل رحيلها في 17 يناير/ كانون الثاني 2015، كانت تملك أملاً بمستقبل أفضل للبلد، عبّرت عنه في 19 مايو/ أيار 2014 أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي في ندوة للفنانين المصريين أُقيمت أثناء حملته الانتخابية. بعد أن شكرها على تلبية الدعوة، توجّهت حمامة إلى السيسي قائلةً: "أنا متفائلة بالمستقبل. أشعر أن هناك أملاً مقبلاً إلى هذا البلد". لكنها لم تكن تعلم أن المكان الوحيد الذي يُفترض به أن يحتفظ باسمها سيُهدم في عصر الرجل نفسه الذي شعرت بأملٍ بالمستقبل بـ"فضله".

"سينما فاتن حمامة" تقع في "حي المنيل" في القاهرة. اسمها السابق "سينما ربع لبة"، ثم "سينما ميراندا". تمّ تطويرها لاحقًا، وأعيد افتتاحها عام 1984 بحضور فاتن حمامة ووزير الثقافة حينها عبد الحميد رضوان، الذي أعلن أن الاسم الجديد للصالة هو اسم الممثلة. والافتتاح تضمّن عرض "عندما يبكي الرجال" (1984) لحسام الدين مصطفى، تمثيل فريد شوقي ونور الشريف ومديحة كامل وفاروق الفيشاوي وغيرهم.

التاريخ القديم لـ"سينما فاتن حمامة" غير مقتصر على الفن فقط، إذْ شهدت الصالة حيلة الرئيس الراحل أنور السادات لحمايته من حبل المشنقة في حال فشلت "ثورة الضباط الأحرار" (1952). بحسب محمد حسنين هيكل في "خريف الغضب"، فإنّ الرئيس جمال عبد الناصر طلب من حسن إبراهيم أن يُخطر أنور السادات بضرورة حضوره إلى القاهرة في موعد أقصاه 22 يوليو/ تموز، لإعلامه بالموعد الجديد لإطلاق الثورة. وصل السادات إلى القاهرة وتوجّه إلى منزله، ثم خرج مع زوجته جيهان إلى إحدى الصالات السينمائية الصيفية في المنيل (التي ستُصبح لاحقًا "سينما فاتن حمامة").

كانت دور السينما الصيفية تعرض حينها 3 أفلام في برنامج واحد، فشاهد السادات وزوجته البرنامج كلّه. هناك من يدّعي أن السادات تشاجر بعنف مع أحد المشاهدين في الصالة نفسها، كي يُرتّب لنفسه دليل نفي قاطع بوجوده في مكان آخر "في حال انكشاف أمور الثورة".



لكن تاريخ الصالة لم يحمِها من الإهمال، فطُرحت للبيع وباتت مجرّد مبنى مهجور يحمل لافتة دعائية لآخر فيلم معروض فيها، وهو "ريجاتا" (2015) لمحمد سامي.

هدم "سينما فاتن حمامة" أثار سخط الأوساط الفنية وغضبها، إذْ كشف الناقد طارق الشناوي عن اتصال تلقاه من زوج الممثلة الراحلة د. محمد عبد الوهاب، قال له فيه: "للأسف، نحن نفرّط في القوى الناعمة المصرية. الأمر مؤكّد، وهو لا يخصّ فاتن فقط. الدائرة تتّسع لتشمل أمورًا عدة. يجب أن نستيقظ، وإلا سنجد أنفسنا خارج الزمن". بينما قال أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، في تصريحات مختلفة: "نحن نهدر تاريخًا. كان هناك ما يُعرف باسم "النفع العام". البعض يحاول هدم صالات سينمائية، لكن رئيس الوزراء عاطف صدقي أقرّ بأنها منضوية في "النفع العام" نفسه".

من جهته، قال محمود البزاوي إن هذه الصالة هي المكان الوحيد الذي يحمل اسم "سيدة الشاشة العربية"، وهي الصالة نفسها "التي تمتلك ذكريات سكان حي المنيل جميعهم". أضاف أن المبنى سيُهدم لبناء برج عالٍ مكانه، و"هذا يعني أنه مفروضٌ علينا السير في الطريق المليئة بالخراب، وفي منطق يقول إن لا شيء له قيمة باستثناء الفلوس".

أما الكاتب والروائي يوسف القعيد، عضو لجنة الثقافة والإعلام في "مجلس النواب"، فهاجم وزارة الثقافة والحكومة بقوله إن هدم المبنى "جريمة مسؤول عنها وزيرة الثقافة والمحافظ ورئيس الوزراء"، مضيفًا أنه "يجب الاهتمام بالأماكن والرموز الثقافية، لكونها جزءًا مهمًّا من الثقافة والهوية المصريتين".

غير أنّ هذا الهجوم لم يأتِ بنتيجة إيجابية، إذْ إنّ تبرير الحكومة، الذي قاله محمد زين العابدين رئيس حيّ مصر القديمة، كامنٌ في كون المبنى "ملكية خاصة بعدد من الأهالي وليس ملكية عامة أو تابع للدولة"، لذا، "لا يوجد أي عائق أمام هدمه، فهو ليس مُسجّلاً ضمن "مباني التراث المعماري" التي يحظر هدمها". أضاف زين العابدين أن "وزارة الثقافة و"شركة الصوت والضوء" سلّمتا المبنى إلى الأهالي عام 2003"، مُعتبرًا أن "الهدم جرى بشكل قانوني، والمبنى ليس طرازًا معماريًا، ولا يتبع لا للشركة ولا للوزارة"، منهيًا حديثه بالقول: "أتعجّب من هذه الضجة الكبيرة المثارة حوله".

هذا ما أكّده رفعت الأبنودي، مالك عقار "سينما فاتن حمامة" بقوله إن المبنى لا قيمة معمارية له، وإن ما يشاع في وسائل التواصل الاجتماعي "كلام هري"، مُشيرًا إلى أنه سيتمّ بناء برج سكني مكانه "يحمل اسم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة"، فـ"المكان خراب، تحول إلى وكرٍ للمدمنين على المخدرات".
المساهمون