من بعيد تأتي شابة حسناء، بثوب أبيض كأنها ريشة، أو هواء على صفحة مائية، تخترق صفوف المحاربين، وتلقي منديلها الأبيض، فيتجمدون كل في مكانه. منديل الشابة الذي أسقطته على الأرض يعني: توقفوا حالاً عن القتال.
هذا ليس قتالاً دامياً، إنما لوحة مما قدمته على مسرح دار الأوبرا في كتارا بالدوحة، فرقة الباليه الوطنية الجورجية "سوخيشفيلي"، التي تعد علامة ثقافية تفاخر بها هذه الدولة القوقازية، وتعرض فنها للعالم، فيشاهده عشرات الملايين، في أجندة عروض لم تتوقف منذ عام 1945.
إليكو سوخيشفيلي وزوجته نينو راميشفيلي هما الجيل الأول المؤسس، والآن فإن ذات الاسمين هما لحفيدين يواصلان المشروع الفني، الذي يجمع بين الرقص الشعبي الجورجي التقليدي، والباليه الكلاسيكي، والرقص الحديث، والذي أخذ اسم الجد سوخيشفيلي، ليكون اسماً لسلالة فنية، ورمزاً وطنياً.
حين ترى الشابة تحرك كتفيها برشاقة، فهذا يذكرك بتنويع جمالي على الرقص التقليدي. فالمرأة تقليدياً تتحرك سريعاً في رقصتها، على قدميها المغطاتين بثوب طويل، فتبدو كأنها تنزلق، بينما الكتفان يجب أن تكونا ثابتتين.
لا تترك فرقة سوخيشفيلي أي عرض لها دون أن تستخدم مفردات فلكلورية، وإلا فلن يكون لها خصوصية، إذا ذهبت كلياً إلى الرقص الحديث، أو الباليه الكلاسيكي.
فهذا الفارس، عليه ألا يدير ظهره للشابة التي ترقص معه، كما أنها بدورها لا ترفع ذراعيها فوق الرجل، بل تبقيهما أسفل.
وفلكلور الرقص يعطي معاني نفسية واجتماعية توازن علاقة الطرفين، وعلاقة المجموعة. القوة البدنية الضاربة في الأرض والهواء من اختصاص الفارس، والحركة الدائرية الأنيقة للمرأة. وكأن الراقصين محاربون أشداء أما الراقصات فهن نساء من غيم.
كما أن اللباس المحتشم، في رقصات مثل رقصة "التعارف" بين شاب وشابة، يتشابه في الثقافة القوقازية. إنه تعارف بالغ التهذيب، ويكشف عن الشغف بلغة روحانية. الرجل قوي وضعيف، والمرأة هشة وملكة.
كل هذه الأساسيات التراثية لا بد منها. غير أن سوخيشفيلي، طرقت أبواب العالم، من خلال تجديدها في تصميمات الرقص، وبناء أجساد الراقصين والراقصات في مدرسة باليه تقليدية.
تصاحب سوخيشفيلي فرقة موسيقية تكبر وتصغر، بحسب العرض، لكنهم يفضلون عادة حضور القيثارة الجورجية الأشبه بالبزق، والإيقاعات المتنوعة بين العميقة والخفيفة، وكذلك أكثر من أكورديون، وهي الآلة التي تبدو مناسبة دائماً لتتولى قيادة كرنفال، فما بالك بحفل على مسرح.
منذ تأسيسها، جالت سوخيشفيلي في خمس قارات، وتسعين دولة، ونفذت أكثر من 300 جولة، وشاهد عروضها خمسون مليون شخص، وشاركت في عدة أفلام روائية منها: "كيتو وكوتي"، و"إليسو"، و"لقاء في الجبال"، و"خمسة أيام في أغسطس".