"سقوط الملاك": دعاية هوليوودية لتسخين الحرب الباردة

23 سبتمبر 2019
جيرارد باتلر: البطل الأميركي الدائم (فيسبوك)
+ الخط -
روسيا تستبيح أميركا، في "سقوط الملاك" (الترجمة الحرفية للعنوان الأصلي Angel Has Fallen، الذي يعني أيضًا "سقوط الرئيس" بحسب المفردات الأمنية الأميركية)، الذي أخرجه ريك رومان واه عام 2019. الفيلم دعائيّ، يُسخّن مشاعر الوطنية الأميركية بتهديدات عودة الحرب الباردة، من خلال أب وطني، شارك في الحرب الكورية، وابن يحارب المافيا الروسية. 

يهاجم الفيلم اللحظة التاريخية، ويستثمر معارف المتفرّج، التي تلقّاها من وسائل الإعلام، ويبني عليها. هذا يحرّر المخرج من ضرر المقدّمات، ومن ثقل شرح السياق (أسباب النزول). منذ 3 أعوام، يدور جدل حول تدخّل روسيا في شؤون الولايات المتحدة الأميركية.

هذا فيلم قشرته سياسية، وجوهره تشويقي. كيف طبّق المخرج المحطّات السردية فيه؟
بداية، صنع ريك رومان واه ديكورًا وحدّد سياقًا: رئيس أميركي (مورغان فريمان) يحبّ الحياة خارج العاصمة، ويحترم مساعديه. رئيس مسالم. كلّ شيء بخير. ثم تأتي مرحلة الانزياح عن العاديّ، وبناء اللغز. حدثت إساءة، ووقع البطل (جيرارد باتلر)، فجأة، في ورطة. نجح في تحقيق الهدف الأسمى، مرحليًا. لكن الخسارة فادحة. صار متّهمًا. المحطّة الثالثة أهمّ: تعقّدت الأحداث، فالرئيس المسالم سبَّب مشكلة، بشكلٍ غير مقصود. مشكلة ترتّب عليها نزاع مع خصم غير شريف. كان ذلك سبب خرق الحياة العادية المسالمة، وإعلان الحرب على البطل، وهو مساعد الرئيس. من سيكسب الحرب؟

ذروة الفيلم انكشاف الأوراق، والدخول في مواجهة مباشرة لإبادة الخصم، مهما كان الثمن.
انطلقت مطاردة مُشوّقة على خلفية سياسية. أقرب رجل للرئيس صار عميلاً، وتورّط في خطّة جهنميّة. مطاردات كثيرة، يتخفّى البطل أثناءها في أمكنة ذات طوبوغرافية تُسهِّل عليه تضليل مطارديه. مع تقدّم الأحداث، تتشابك خيوط الحبكة، ويُطارَد البطل من جهتين: أولى كان يعمل لها، وأخرى تريده عميلاً لها. صارت المطاردة مزدوجة، لأنّ الجائزة كبيرة. ثم يظهر سرٌّ: تمّ اكتشاف متورّط لم يكن في الحسبان. يُجنّد العدو الروسي عميلاً وحليفًا له في السلطة الأميركية. عميل يُحضّر خطة جهنمية، تظهر حجم الخراب الذي سبّبه عملاء روسيا لأميركا. ولأنّ الوطن مهدّد، فإنّ اللون الرمادي الكئيب يُهيمن على اللقطات.

انكشف الشرير، لكن الرئيس في وضع صعب. لذلك، يبقى اللغز مغلقًا. الرئيس يحمل مصباحًا لإضاءة مسار الحكاية. في انتظار الإضاءة، تستمرّ المطاردات. لتضليل المُطارِدين، ينقل البطل المطاردة إلى أمكنة يتعطّل فيها مفعول تكنولوجيا التجسّس. هنا، تنبثق حبكة فرعية: التقى البطل بوالده، المنقطع عن حياة العولمة. أب هرم، محارب في كوريا وفيتنام، يحمل في روحه صدامات الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. الفيلم تمديدٌ لأجواء الحرب الباردة بين هذين المعسكرين، قبل سقوط جدار برلين (1989). هكذا يوجز المخرج سوابق تاريخية لفضيحة تدخّل روسيا في انتخاب دونالد ترامب، نهاية 2016.

يُعتبر السياق الجيوسياسي مهمًّا لفهم "سقوط الرئيس". تقول الباحثة ليليا شيفوتسوفا، في كتابها "روسيا بوتين"، إنّ الرئيس الروسي، بهدف تغييب الأنظار عن الأزمة الداخلية، يركّز على السياسة الخارجية الاستفزازية، لإدراكه أنّ روسيا لن تكون مهمّة بالنسبة إلى أميركا، إلا حين تكون خطرة. هكذا يتقرّب بوتين من الصين، ويضغط على جورجيا وأوكرانيا، ويتعاون نوويًا مع إيران. بذلك، يُعتَرَف لبوتين بأنّه لاعب دولي. تبدو الحرب الباردة كأنّها بدأت مجدّدًا.

النتيجة جيدة: يزداد اهتمام الرئيس الأميركي بفلاديمير بوتين. يُصبحان صديقين ضد الإرهاب. يُصادق العدو لتهدئته.

في الفيلم، يُصبح الأمر أخطر، بوصوله إلى محاولة إطاحة رئيس أميركا، خدمة لأجندة مافيات روسية، تكسب من دوام الحرب الباردة، فكلّ حرب جائزة لبائع الأسلحة. ينكشف المتصارعان. في وضعٍ كهذا، ينتهي كلّ اختبارٍ بقاتل ومقتول. نتيجة الاختبارات كشف الحقيقة. بينما الصراع على أشدّه، تتحسنّ صحّة الرئيس. هذه هي المحطة الرابعة، التي تضيء طريق الحبكة. هنا، ينبعث البطل.

يقدّم ريك رومان واه معلومات قليلة عن صراع روسيا وأميركا، لتجنّب الملل، بينما يقصف المتفرّج بلقطات قصيرة طيلة ساعتين. لقطات فيها صُور تشبه لوحاتٍ تترافق مع صوت تحضير الأسلحة قبل إطلاق الرصاص. لقطات تُشبه لوحاتٍ مشتعلة.

لا يصدّق المرء إلا ما تراه عيناه. لذلك، تتفوّق السينما على الفنون الأخرى. مع شاشة من 12 مربعًا، تحصل العين على إشباع هائل، بفضل كادرات كبيرة تقرِّب المتفرّج من التفاصيل. في فيلمٍ بميزانية ضخمة، لا جدوى من الحديث عن جودة الصورة. أداء فريمان وباتلر مؤثّر، أما أداء المحقّقة (جادا بانكيث سميث)، فغير مُقنع.

المحطة الخامسة في الحبكة: إثبات براءة البطل، المتّهم الذي يتعرّض لمخاطر استثنائية. نجح البطل في زرع الأمل في الوطن، أي في أميركا، أرض الأحلام. يريد المتفرّج أن يكون بطله سعيدًا في النهاية، كما هو سعيد في البداية. يُحقّق المخرج هذا، ويُقدّم للمتفرّج نتيجة الاختبار: الضابط الأميركي قويّ وفعّال، ولا يُهزم. ولاؤه للوطن مطلق وراسخ، كولائه للعائلة. لذا، يستعيد أسرته ووالده المصاب في عينه.

يتمكّن البطل من إصلاح ما يسمّيه منظّر السرديات، الروسي فلادمير بروب، "الإساءة البدئية". يصير الشرّ الروسي تحت السيطرة. يتّضح أنّ رجال الرئيس أقوياء ووطنيون.
في هذا دعاية هوليوودية هائلة، تقصف القلوب قبل العقول بصُوَر الفن السابع.
المساهمون