"زليخة تفتح عينيها": المسلسل الروسي الذي أغضب الجميع

25 ابريل 2020
مشهد من المسلسل (موقع التلفزيون الروسي)
+ الخط -
اتحد شيوعيّو روسيا والإدارة الدينية في توجيه سهام الانتقاد الحادة لمسلسل "زليخة تفتح عينيها" الذي أثار جدلاً واسعاً حول مفاهيم الوطنية، والمراجعة النقدية لوقائع مرحلة حساسة في تاريخ بناء الدولة السوفييتية، وتجارب الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين عبر نزع أملاك الإقطاعيين ومعارضي "الثورة"، وإسقاط أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية، وإرسالهم إلى سيبيريا لبناء "جنة الشيوعية" في أدغال التايغا في رحلة فاحت منها رائحة المرض والجوع، وذهب ضحيتها ملايين السوفييت على اختلاف قومياتهم وأعراقهم ومراكزهم الاجتماعية والعلمية والثقافية.

وواجه المسلسل الذي انتهى عرض حلقته الثامنة والأخيرة يوم 22 إبريل/ نيسان الحالي، منذ بداية عرضه، انتقادات حادة واتهامات بأنه "معاد للروس وللدولة السوفييتية، ويزعزع أسس الحكم"، وطالب بعض الشيوعيين والتتار في روسيا المدعي العام ولجنة التحقيقات بوقف بثه ومحاسبة المسؤولين عن إنتاجه. وطاولت الهجمات قناة "روسيا 1" الحكومية، والتي "أنتجت على حساب أموال دافعي الضرائب هذا التخريب الإعلامي، قبيل الذكرى الـ75 لذكرى نصر الاتحاد السوفييتي العظيم على النازية".

المسلسل مأخوذ عن رواية "زليخة تفتح عينيها" للكاتبة التترية غوزيل ياخينا، التي صدرت في 2015، ولاقت انتقادات واسعة رغم أنها حازت على جائزة الدولة التقديرية، وترجمت إلى 18 لغة، بما فيها العربية. وتحكي الرواية قصة امرأة تتارية مسلمة كانت تعيش في قرية معزولة صغيرة قرب مدينة قازان عاصمة تتارستان. وتقتل الحكومة السوفييتية زوجها الذي رفض تسليم أملاكه، وتنفيها إلى معسكرات العمل الإجباري في سيبيريا، حيث تتفتح عيناها على الحياة في قطارات الجوع والموت المتجهة شرقاً لبناء دولة الاشتراكية، حالها حال ملايين السوفييت.

ويرصد المسلسل تغيُّرات حياة زليخة التي لم تعرف من الحياة إلا بيتها وحظيرة الحيوانات وخدمة أم زوجها الضريرة، وإعداد الطعام للعائلة، من دون إهمال الضرب المبرِّح الذي تناله من زوجها بتحريض من الحماة الشريرة. وفجأة تجد زليخا نفسها ضمن تيار سيل بشري من "أعداء الثورة" الذين صدر قرار بإعادة تأهيلهم في معسكرات نائية في سيبيريا. وبعد قضائها شهوراً طويلة في القطار الذي أقلها ومئات آخرين مثلها، وبعد أن قضى أكثر نصف المنفيين نحبهم في الطريق، تصل زليخة إلى شاطئ نهر أنغارا السيبيري القصي. وبعد نجاتها من الموت بسبب غرق العبارة التي كانت تقلهم، تتركها السلطات مع 29 منفياً، دون زاد أو عتاد في غابات التايغا، حيث تمر المجموعة بأوضاع مؤلمة، يزيد من صعوبتها البرد والجوع والمرض.

وخلال حياتها الصعبة والمزرية في معسكر العمل القسري، ومن خلال تخالطها مع المنفيين الآخرين، من مثقفين وعلماء وفنانين وأناس بسطاء، تبدأ زليخة باكتشاف العالم المحيط بها، بعد أن كان عالمها مُقتصراً على بيتها القرويّ وزوجها وحماتها. وتتجاوز مصاعب الحمل والولادة في الأدغال وتربية ابنها والمحافظة على حياته في ظروف النفي والجوع، ومساعدته للتخلص من معسكرات الاعتقال ليحقق حلمه بدراسة فنون الرسم في لينينغراد (سانت بطرسبورغ) بعد مساعدة الجندي الذي رافقها من قريتها إلى سيبيريا، وظلّ مسؤولاً عن القرية "المعتقل" قبل أن يخلع من منصبه بتهمة تعاطفه مع المنفيين.

وواجه العمل الفني، ومن قبله الرواية، هجوماً عاتياً من المنظرين لضرورة "القبول بقمع الدولة للحريات من أجل تحقيق هدف أسمى لصالح البلاد"، مبررين الإجراءات التعسفية بحق شعوب الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين "أبي الأمة وباني الدولة السوفييتية"، بـ"ضرورات المرحلة" التي واجهت فيها البلاد أخطاراً داخلية وخارجية كثيرة. وطالب حزب "شيوعيو روسيا" بوقف بث المسلسل ومعاقبة "المخربين الإعلاميين"، وقال في بيان إن "أي تشهير بالماضي السوفييتي هو بصقة في وجه شعبنا الروسي بأكمله". وأعرب رئيس اللجنة المركزية للحزب، مكسيم سورايكين، عن غضبه، واصفاً منتجي المسلسل بأنهم "مناهضون للسوفييتية"، وموضحاً أنه لا فرق بين الاتحاد السوفييتي والدولة الحالية، التي "يجب أن تتدخل" لمنع عرض المسلسل ومعاقبة منتجيه.



ولم تقتصر الاتهامات بتزوير تاريخ الاتحاد السوفييتي على منتجي الفيلم وعلى كاتبة الرواية، بل طاولت بطلة العمل الفني، الممثلة تشولبان خاماتوفا، التي واجهت كماً هائلاً من الشتائم واللعنات والتهديدات. وقالت خاماتوفا عبر صفحتها في "إنستغرام": "لم يقتصر الأمر على اللعنات المتوقعة من الجزء المحافظ من المجتمع التتاري، إذ فوجئت باتهامات متعلقة بموضوع (تدنيس تاريخنا). ليس فقط تشويه أسلوب حياة التتار، ولكن أيضاً الحقائق التاريخية بشكل عام". كما أوضحت الممثلة الروسية: "بالنسبة لي، نزع الملكية هو جريمة قتل، وبالتأكيد مأساة لعدد كبير من الناس. إنها جريمة وكارثة أخلاقية ومعنوية".



ومن جانبه، أعرب مخرج المسلسل، يغور أناشكين، عن دهشته من منتقدي العمل الفني الذين "يؤمنون بأن وجهة نظرهم حقيقة مطلقة، وكأنهم كانوا يقفون حاملين شمعة ويعرفون كيف حدث كل شيء". وأكد أناشكين ضرورة عدم التنكر لتاريخ روسيا، موضحاً أنّه "يجب أن نعترف بأنه كانت لدينا فترة مروعة في تاريخ البلاد: لقد قتلوا الناس، ونفوهم إلى سيبيريا. يجب الاعتراف بهذا والإقرار به".
دلالات
المساهمون