30 ديسمبر 2021
"زعيمكم رجل ممحون"
كان الزعيم سعد زغلول ملء الأسماع والأبصار والأفئدة، حين أطلقت عليه مجلة (الكشكول) وصف "ممحون" المهين، الذي لم يكن مجرد شتيمة عابرة أفلتت من المجلة في ساعة طيش، بل كان جزءاً من حملة ضارية شنتها المجلة المدعومة من القصر الملكي على سعد زغلول طيلة سنوات.
في عددها رقم 198 الصادر بتاريخ 17 فبراير 1925 نشرت (الكشكول) في صفحتها الثانية عشرة وفي بابها الثابت الذي يحمل عنوان (على المسرح) السطور التالية: "يتكلم سعد عن سنه وعن ماضيه، ويقول انه بعد هذه السن وهذا الماضي لا يحتاج إلى إقامة البرهان على وطنيته، فمهلا يا مولاي الرئيس المحبوب، تعال نتحاسب، أنت في السبعين من عمرك وقد لبست ثوب الوطنية منذ خمس سنوات، فخبِّرنا هل كانت خمساً وستين سنة، لا تزجر الرجل ليكون وطنياً، ألست أنت ربيب كرومر في الاربعين ومنفذ ارادة جورست في الخمسين وخادم كتشنر في الستين؟ ولماذا رطبت لسانك بالثناء على السير مكماهون أول عميد للحماية يوم سبقت لتستقبله في محطة القاهرة فقلت فيه: "هذا رجل يلوح الخير لمصر على وجهه"؟ أمّا ماضيك يا مولاي الرئيس المحبوب فتشهد به الجامعة المصرية وتعرفه وزارة المعارف ولا تنكره وزارة الحقانية، ماضيك صلاة النبي أحسن ممتلئ بالمفاخر والحسنات، فأنت قاتل اللغة العربية ودافن التعليم الديني في المدارس وناشر قانون المطبوعات وواضع القوانين الاستثنائية وصاحب الموقف الشريف في مسألة قناة السويس، ومن كسعد له مثل هذا الماضي الذي يضيئ القبر، ويعظم به الثواب والأجر؟ أيوه اختشي وشبّه يا دولة الرئيس المحبوب وبلاش ذكر الماضي وما كان فيه، ولكنك رجل ممحون والممحون يرى الفول عنبا، ويحسب الصفيح ذهبا، الله يرد لك عقلك".
وفي موضع آخر من صفحات نفس العدد، وتحت عنوان (خطبة هذا الأسبوع) نشرت الكشكول هجوماً شرساً ولكن أكثر تهذيباً على زعيم الأمة جاء فيه ما نصه: " لا يزال الرئيس المحبوب يتفزّع في نومه وتصيبه نوبات حادة من الانزعاج والرعب، وهو دائما ينهض مذعورا متخبطا بعد نصف الليل، وفي أكثر حالاته تظهر عليه أعراض النوبة فيقف وسط غرفة نومه الخاصة، يلقي خطبة على نحو ما كان يفعل في الاحتفالات، وتعتاده هذه الظاهرة المرضية كل ليلة تقريباً، وقد أدركته أيضاً (أم الأمة) في احدى ليالي هذا الاسبوع فرأته واقفاً أمام صورة لبعض الاحتفالات معلقة في الحائط وسمعته يخطب ويوجه كلامه إلى رسوم الاشخاص في هذه الصورة، وهذا ما كان يقوله: سيداتي سادتي بناتي أبنائي، أشكركم لأنكم بقيتم ذخراً لرئيسكم، وأسامح خصومي الذين يقولون عني أنني مجنون، يقولون أن سعداً مجنون وسعد رئيسكم، وإذا كان رئيسكم مجنوناً كنتم مجانين مثله".
لم ينشر المقالان بتوقيع كاتب بعينه، كشأن كثير من مقالات المجلة التي كان يحررها ناشرها سليمان فوزي، والذي دخل إلى عالم الصحافة بشكل مفاجئ، بعد أن كان يعمل من قبل وكيلاً للقصر الملكي، الذي قرر أن يحوله إلى وكيل صحفي لمهاجمة سعد زغلول بشكل منحط يخجل من فعله أي صحفي يحترم نفسه، مهما كان خلافه مع حزب الوفد ورئيسه، كان الملك فؤاد داعم المجلة الحقيقي وراعي سليمان فوزي يعرف أن مهمة إغلاق (الكشكول) ستكون صعبة على سعد زغلول وحزبه الذي أصبح الحزب الحاكم للبلاد رغماً عن أنف الملك، وهو ما حدث بالفعل، فقد رفض سعد زغلول طلبات كثيرة من أنصاره بإغلاق (الكشكول)، بل ورفض رفع دعاوى قضائية على المطبوعة، برغم مخالفتها الصريحة لقوانين النشر، لكن طلبة الوفد لم يقتنعوا بمبررات سعد زغلول ودعواته لأنصار الوفد بتجاهل المجلة، فقاموا باقتحام مقرها وتحطيم مطبعة الكشكول وإحراق مستودع الورق، وهو ما جعل سليمان فوزي يتهم سعد زغلول أنه قام بتوجيه المتظاهرين إلى حرق مقر الكشكول، وأنه شكرهم على ما فعلوه، متهماً بعض وزراء الوفد بالتواطؤ على إحراق المقر، لكن شهادات الشهود الذين طلبهم لتأكيد كلامه تناقضت، ولم ينجحوا في إثبات دور سعد زغلول في حرق المقر.
كما يروي المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق، نجحت ضغوط قيادات وأعضاء الوفد على سعد زغلول، فقام بتقديم شكوى رسمية إلى النائب العام ضد سليمان فوزي، وبعد أن حقق النائب العام مع سليمان أمر بإلقاء القبض عليه بتهمة إهانة رئيس الحكومة ووزرائها، وحين لجأ سليمان إلى القضاء طالباً الإفراج عنه، رفض القاضي المختص الإفراج عنه، لكونه من ذوي السوابق، حيث سبق وتم الحكم بتغريمه مرتين من قبل بسبب ارتكابه جريمة السب والقذف، ليتم تقديم سليمان فوزي إلى محكمة الجنايات بتهمة إهانة رئيس الحكومة وأعضائها وأعضاء البرلمان، لكن محكمة الجنايات حكمت ببراءة رئيس تحرير (الكشكول) وقالت إن ما نشرته المجلة يدخل في دائرة النقد المباح، بل وأنصفه القضاء في أحكام سابقة كانت قد صدرت ضده لصالح بعض النواب، حيث قبل القضاء الطعن المقدم فيها وأعادها للنظر أمام محكمة الجنايات.
وحين سقطت وزارة الوفد بعد كل ما بذله القصر الملكي من جهود حثيثة لإفشال مهامها، وجاءت وزارة أحمد زيور باشا الأولى تمت محاكمة الطلاب الوفديين الذين سبق لهم أن هاجموا مقر (الكشكول) التي كانت محل سكن سليمان فوزي، برغم مضي خمسة أشهر على ذلك الهجوم، وفشل الأجهزة الأمنية المختصة في ربطه بسعد زغلول، لكن نفس الأجهزة الأمنية استطاعت حين أرادت أن تقوم بتوجيه الاتهام إلى ستة طلاب وفديين تم ضبطهم، استغرقت محاكمتهم أربعة أيام فقط، لتتم تبرئة اثنين منهما، وتأديب أحدهما تأديباً جسمانياً بضربه خمسة عشر عصا رفيعة، وبرغم قسوة العقوبة وانتمائها إلى عالم ما قبل القانون "الحديث"، إلا أن حظ الطالب المضروب عثمان خيري كان أفضل من حظ زملائه عجيب جورجي يونان ومحمد صبحي إبراهيم وإبراهيم السيد أيوب الذين صدر الحكم بسجنهم ثلاثة سنوات.
لم تتوقف (الكشكول) وصاحبها وكتّابها عن مهاجمة سعد زغلول وزعماء الوفد ورموزه بأقذع الألفاظ التي وصلت إلى حد استخدام وصف (الممحون) بكل دلالاته البذيئة، وبرغم أن إدارة المطبوعات وجهت الكثير من الإنذارات إلى سليمان فوزي "بسبب نزوله عن مناهج النقد بشكل فاحش يزري بشرف الصحافة"، إلا إن مجلته المدعومة من القصر ورجاله واصلت الصدور، لتتواتر الروايات عن استخدام سليمان فوزي مطبوعته لابتزاز الأعيان والأثرياء، والحصول على أموال منهم مقابل عدم تجريسهم، مستغلاً سمعته في مهاجمة أكبر رأس في البلد، يخاف منها القصر الملكي بجلالة قدره، لكن سليمان فوزي لم يكن يعلم أن القصر الملكي سيستغل أفعال مجلته، وردود أفعال الصحافة الموالية للوفد والمتعاطفة معه، ليتبنى إصدار مشروع قانون معدل لبعض مواد قانون العقوبات الأهلي، يقوم بتغليظ عقوبات الحبس في قضايا النشر، ليصدر مشروع القانون في 13 يوليو عام 1925، حاملاً ضمن بنوده المشئومة تشريعاً لعقوبة إلغاء الصحيفة أو المجلة نهائياً إذا قامت بالعيب في الذات الملكية، وهو ما هاجمه كثير من الصحفيين، حتى أنه استفز صحيفة محافظة مثل (الأهرام) لتهاجم مشروع القانون مذكّرة بقول السياسي الأمريكي الشهير توماس جيفرسون "الأفضل عندي أن أعيش في بلاد بها صحافة بلا قانون، من أن أعيش في بلاد بها قانون وليس بها صحافة"، وهي مقولة لم تجد صدى لدى ملايين المصريين، الذين اعتقدوا في فترات متفرقة خلال العقود الماضية، أن من الأفضل لهم أن يعيشوا في بلاد بها قانون وليس بها صحافة، ليوافقوا على تكميم الصحافة في الخمسينات وتأميمها في الستينات وترويضها واستخدامها في العقود التالية على ذلك وصولاً إلى خنقها ودفنها بالحيا، ليعيش المصريون بعد ذلك في بلاد ليس بها قانون ولا صحافة.
.....
شجرة بحديقة الحيوان تمنع الحمل!
في عددها الصادر بتاريخ 23 إبريل 1966 نشرت صحيفة (أخبار اليوم) الخبر التالي: "اكتشف العلماء العرب في حدائق الحيوان بالجيزة شجرة نادرة من نبات اسمه الفوتولاكا الذي يعيش في جزر المحيط الهادي وتأكل النساء ثماره لمنع الحمل، الشجرة عمرها 50 سنة وهي الوحيدة من نوعها في الجمهورية العربية المتحدة. قال الدكتور على حسين شعبان الأستاذ بجامعة القاهرة في بحث أعده أن ثمار هذه الشجرة تحتوي على نسبة عالية من المادة الفعالة التي تستخدم في صناعة حبوب منع الحمل، وهذه المادة يمكن استخدامها من الثمار رواسطة مذيبات خاصة، وطلب إلى المسئولين في حدائق الحيوان المحافظة على ثمار الشجرة لإجراء تجارب علمية عليها. وقال المهندس الزراعي محمد عمر النجار وكيل حدائق الحيوان النباتي أن الشجرة ومكانها بالضبط بجوار استراحة كبار الزوار بالحدائق تزهر في شهري مارس وإبريل من كل سنة، وتتكون ثمارها في شهر مايو، وقد اضطرت إدارة الحدائق إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية هذه الشجرة".
لم أجد في الأعداد التالية تفصيلاً لما كان من أمر الشجرة النادرة، وأتمنى أن يدلنا محرر (الأهرام) النشط أيمن برايز الذي برع في تغطية أخبار حديقة الحيوانات على مصير تلك الشجرة التي لم تحل مشكلة الانفجار السكاني كما كان مأمولاً منها.
.....
صفحة من دفتر الريادة الإعلامية
في مطلع عام 1984 وقبل أن ينتهي عرض مسرحية (الحلم يدخل القرية) على مسرح السلام، قام التلفزيون المصري الحكومي الذي لم يكن في البلد وقتها غيره، بتصوير المسرحية لعرضها لجمهوره، مقابل مبلغ قدره ثمانية آلاف جنيه تقرر دفعها لهيئة المسرح التابعة لوزارة الثقافة، وكان وقتها مبلغاً لا بأس به على الإطلاق. استغرب المشاركون في المسرحية والمسئولون عن هيئة المسرح لماذا مرت الأيام دون أن يتم عرض المسرحية، ولم يكن لدى مسئولي هيئة المسرح بالتحديد مانع في تجاهل ذلك التجاهل، لولا أنهم لم يقبضوا من التلفزيون المبلغ الذي تقرر دفعه من أجل عرض المسرحية.
قرر المسئولون عن هيئة المسرح تقديم شكوى رسمية في المسئولين عن تأخير صرف المبلغ وتأخير عرض المسرحية، ليتم فتح تحقيق رسمي في المسألة اكتشف أن وراء التأخيرين مفاجأة غير سارة، هي أن التلفزيون لا يمتلك الفصل الأول من المسرحية، لأن الشرائط التي تم تسجيل الفصل الأول عليها، تم مسحها ليتم تسجيل فقرات إخبارية بدلاً من الفصل الأول، مما جعل عرض المسرحية متعذراً، ولذلك قرر المسئولون التطنيش على الأمر، لعله ينسى، وحين لم ينسه مسئولو هيئة المسرح، أصبحت المشكلة التي تواجه الجميع الآن: كيف يمكن إعادة تصوير الفصل الأول من المسرحية ليمكن عرضها، خاصة أن عرض المسرحية قد انتهى على خشبة المسرح منذ أشهر".
حين نشرت صحيفة (الأهالي) بتاريخ 25 إبريل 1984 خبر ما جرى للمسرحية بوصفه نموذجاً من نماذج إهدار المال العام، لم تتعامل معه بوصفه حادثة فردية، بل أشارت إلى كونه ظاهرة متكررة ومؤسفة، حيث مسحت من قبل شرائط بأكملها تظهر فيها شخصيات مهمة كان ينبغي أن تكون خالدة في تاريخ التلفزيون المصري، واضطر التلفزيون لشراء بعض هذه الشرائط المهمة من التلفزيونات العربية "التي كانت قد حصلت عليها بالشراء أو الإهداء أو التهريب"، كما تحدثت عن وقائع جرى فيها مسح شرائط برامج نادرة وقطع شرائط لعشرات الأفلام التسجيلية وتشويهها للأبد، للاستعانة ببعض لقطاتها في تصوير أغان واستعراضات أخرى".
عليك إذن حين تشاهد قناة (ماسبيرو زمان) التي أصبحت القناة الوحيدة التي تستحق المشاهدة من بين كل قنوات التلفزيون المصري، أن تعامل مع ما يعرض عليها من برامج ومسلسلات، معاملة الناجين من الإبادة الجماعية، وأن تهنئهم بالسلامة التي نسأل الله لها أن تدوم.
.....
الفقرة الإعلانية
فور إعلان خبر زواج الملك فاروق من عروسته الجديدة ناريمان صادق في عام 1951، امتلأت الصحف والمجلات المصرية بسيل من إعلانات التهاني والتبريكات متنوعة الأشكال والأغراض، وإليك بعضاً من نماذجها المنتمية إلى مدرسة "كوهين ينعي ولده ويصلّح ساعات"
.....
وأخيراً مع كاريكاتيرات للفنان الكبير بهجت عثمان نشرها في زاويته الأسبوعية في مجلة (المصور) في أوقات متفرقة من النصف الثاني من الستينيات
في عددها رقم 198 الصادر بتاريخ 17 فبراير 1925 نشرت (الكشكول) في صفحتها الثانية عشرة وفي بابها الثابت الذي يحمل عنوان (على المسرح) السطور التالية: "يتكلم سعد عن سنه وعن ماضيه، ويقول انه بعد هذه السن وهذا الماضي لا يحتاج إلى إقامة البرهان على وطنيته، فمهلا يا مولاي الرئيس المحبوب، تعال نتحاسب، أنت في السبعين من عمرك وقد لبست ثوب الوطنية منذ خمس سنوات، فخبِّرنا هل كانت خمساً وستين سنة، لا تزجر الرجل ليكون وطنياً، ألست أنت ربيب كرومر في الاربعين ومنفذ ارادة جورست في الخمسين وخادم كتشنر في الستين؟ ولماذا رطبت لسانك بالثناء على السير مكماهون أول عميد للحماية يوم سبقت لتستقبله في محطة القاهرة فقلت فيه: "هذا رجل يلوح الخير لمصر على وجهه"؟ أمّا ماضيك يا مولاي الرئيس المحبوب فتشهد به الجامعة المصرية وتعرفه وزارة المعارف ولا تنكره وزارة الحقانية، ماضيك صلاة النبي أحسن ممتلئ بالمفاخر والحسنات، فأنت قاتل اللغة العربية ودافن التعليم الديني في المدارس وناشر قانون المطبوعات وواضع القوانين الاستثنائية وصاحب الموقف الشريف في مسألة قناة السويس، ومن كسعد له مثل هذا الماضي الذي يضيئ القبر، ويعظم به الثواب والأجر؟ أيوه اختشي وشبّه يا دولة الرئيس المحبوب وبلاش ذكر الماضي وما كان فيه، ولكنك رجل ممحون والممحون يرى الفول عنبا، ويحسب الصفيح ذهبا، الله يرد لك عقلك".
وفي موضع آخر من صفحات نفس العدد، وتحت عنوان (خطبة هذا الأسبوع) نشرت الكشكول هجوماً شرساً ولكن أكثر تهذيباً على زعيم الأمة جاء فيه ما نصه: " لا يزال الرئيس المحبوب يتفزّع في نومه وتصيبه نوبات حادة من الانزعاج والرعب، وهو دائما ينهض مذعورا متخبطا بعد نصف الليل، وفي أكثر حالاته تظهر عليه أعراض النوبة فيقف وسط غرفة نومه الخاصة، يلقي خطبة على نحو ما كان يفعل في الاحتفالات، وتعتاده هذه الظاهرة المرضية كل ليلة تقريباً، وقد أدركته أيضاً (أم الأمة) في احدى ليالي هذا الاسبوع فرأته واقفاً أمام صورة لبعض الاحتفالات معلقة في الحائط وسمعته يخطب ويوجه كلامه إلى رسوم الاشخاص في هذه الصورة، وهذا ما كان يقوله: سيداتي سادتي بناتي أبنائي، أشكركم لأنكم بقيتم ذخراً لرئيسكم، وأسامح خصومي الذين يقولون عني أنني مجنون، يقولون أن سعداً مجنون وسعد رئيسكم، وإذا كان رئيسكم مجنوناً كنتم مجانين مثله".
لم ينشر المقالان بتوقيع كاتب بعينه، كشأن كثير من مقالات المجلة التي كان يحررها ناشرها سليمان فوزي، والذي دخل إلى عالم الصحافة بشكل مفاجئ، بعد أن كان يعمل من قبل وكيلاً للقصر الملكي، الذي قرر أن يحوله إلى وكيل صحفي لمهاجمة سعد زغلول بشكل منحط يخجل من فعله أي صحفي يحترم نفسه، مهما كان خلافه مع حزب الوفد ورئيسه، كان الملك فؤاد داعم المجلة الحقيقي وراعي سليمان فوزي يعرف أن مهمة إغلاق (الكشكول) ستكون صعبة على سعد زغلول وحزبه الذي أصبح الحزب الحاكم للبلاد رغماً عن أنف الملك، وهو ما حدث بالفعل، فقد رفض سعد زغلول طلبات كثيرة من أنصاره بإغلاق (الكشكول)، بل ورفض رفع دعاوى قضائية على المطبوعة، برغم مخالفتها الصريحة لقوانين النشر، لكن طلبة الوفد لم يقتنعوا بمبررات سعد زغلول ودعواته لأنصار الوفد بتجاهل المجلة، فقاموا باقتحام مقرها وتحطيم مطبعة الكشكول وإحراق مستودع الورق، وهو ما جعل سليمان فوزي يتهم سعد زغلول أنه قام بتوجيه المتظاهرين إلى حرق مقر الكشكول، وأنه شكرهم على ما فعلوه، متهماً بعض وزراء الوفد بالتواطؤ على إحراق المقر، لكن شهادات الشهود الذين طلبهم لتأكيد كلامه تناقضت، ولم ينجحوا في إثبات دور سعد زغلول في حرق المقر.
كما يروي المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق، نجحت ضغوط قيادات وأعضاء الوفد على سعد زغلول، فقام بتقديم شكوى رسمية إلى النائب العام ضد سليمان فوزي، وبعد أن حقق النائب العام مع سليمان أمر بإلقاء القبض عليه بتهمة إهانة رئيس الحكومة ووزرائها، وحين لجأ سليمان إلى القضاء طالباً الإفراج عنه، رفض القاضي المختص الإفراج عنه، لكونه من ذوي السوابق، حيث سبق وتم الحكم بتغريمه مرتين من قبل بسبب ارتكابه جريمة السب والقذف، ليتم تقديم سليمان فوزي إلى محكمة الجنايات بتهمة إهانة رئيس الحكومة وأعضائها وأعضاء البرلمان، لكن محكمة الجنايات حكمت ببراءة رئيس تحرير (الكشكول) وقالت إن ما نشرته المجلة يدخل في دائرة النقد المباح، بل وأنصفه القضاء في أحكام سابقة كانت قد صدرت ضده لصالح بعض النواب، حيث قبل القضاء الطعن المقدم فيها وأعادها للنظر أمام محكمة الجنايات.
وحين سقطت وزارة الوفد بعد كل ما بذله القصر الملكي من جهود حثيثة لإفشال مهامها، وجاءت وزارة أحمد زيور باشا الأولى تمت محاكمة الطلاب الوفديين الذين سبق لهم أن هاجموا مقر (الكشكول) التي كانت محل سكن سليمان فوزي، برغم مضي خمسة أشهر على ذلك الهجوم، وفشل الأجهزة الأمنية المختصة في ربطه بسعد زغلول، لكن نفس الأجهزة الأمنية استطاعت حين أرادت أن تقوم بتوجيه الاتهام إلى ستة طلاب وفديين تم ضبطهم، استغرقت محاكمتهم أربعة أيام فقط، لتتم تبرئة اثنين منهما، وتأديب أحدهما تأديباً جسمانياً بضربه خمسة عشر عصا رفيعة، وبرغم قسوة العقوبة وانتمائها إلى عالم ما قبل القانون "الحديث"، إلا أن حظ الطالب المضروب عثمان خيري كان أفضل من حظ زملائه عجيب جورجي يونان ومحمد صبحي إبراهيم وإبراهيم السيد أيوب الذين صدر الحكم بسجنهم ثلاثة سنوات.
لم تتوقف (الكشكول) وصاحبها وكتّابها عن مهاجمة سعد زغلول وزعماء الوفد ورموزه بأقذع الألفاظ التي وصلت إلى حد استخدام وصف (الممحون) بكل دلالاته البذيئة، وبرغم أن إدارة المطبوعات وجهت الكثير من الإنذارات إلى سليمان فوزي "بسبب نزوله عن مناهج النقد بشكل فاحش يزري بشرف الصحافة"، إلا إن مجلته المدعومة من القصر ورجاله واصلت الصدور، لتتواتر الروايات عن استخدام سليمان فوزي مطبوعته لابتزاز الأعيان والأثرياء، والحصول على أموال منهم مقابل عدم تجريسهم، مستغلاً سمعته في مهاجمة أكبر رأس في البلد، يخاف منها القصر الملكي بجلالة قدره، لكن سليمان فوزي لم يكن يعلم أن القصر الملكي سيستغل أفعال مجلته، وردود أفعال الصحافة الموالية للوفد والمتعاطفة معه، ليتبنى إصدار مشروع قانون معدل لبعض مواد قانون العقوبات الأهلي، يقوم بتغليظ عقوبات الحبس في قضايا النشر، ليصدر مشروع القانون في 13 يوليو عام 1925، حاملاً ضمن بنوده المشئومة تشريعاً لعقوبة إلغاء الصحيفة أو المجلة نهائياً إذا قامت بالعيب في الذات الملكية، وهو ما هاجمه كثير من الصحفيين، حتى أنه استفز صحيفة محافظة مثل (الأهرام) لتهاجم مشروع القانون مذكّرة بقول السياسي الأمريكي الشهير توماس جيفرسون "الأفضل عندي أن أعيش في بلاد بها صحافة بلا قانون، من أن أعيش في بلاد بها قانون وليس بها صحافة"، وهي مقولة لم تجد صدى لدى ملايين المصريين، الذين اعتقدوا في فترات متفرقة خلال العقود الماضية، أن من الأفضل لهم أن يعيشوا في بلاد بها قانون وليس بها صحافة، ليوافقوا على تكميم الصحافة في الخمسينات وتأميمها في الستينات وترويضها واستخدامها في العقود التالية على ذلك وصولاً إلى خنقها ودفنها بالحيا، ليعيش المصريون بعد ذلك في بلاد ليس بها قانون ولا صحافة.
.....
شجرة بحديقة الحيوان تمنع الحمل!
في عددها الصادر بتاريخ 23 إبريل 1966 نشرت صحيفة (أخبار اليوم) الخبر التالي: "اكتشف العلماء العرب في حدائق الحيوان بالجيزة شجرة نادرة من نبات اسمه الفوتولاكا الذي يعيش في جزر المحيط الهادي وتأكل النساء ثماره لمنع الحمل، الشجرة عمرها 50 سنة وهي الوحيدة من نوعها في الجمهورية العربية المتحدة. قال الدكتور على حسين شعبان الأستاذ بجامعة القاهرة في بحث أعده أن ثمار هذه الشجرة تحتوي على نسبة عالية من المادة الفعالة التي تستخدم في صناعة حبوب منع الحمل، وهذه المادة يمكن استخدامها من الثمار رواسطة مذيبات خاصة، وطلب إلى المسئولين في حدائق الحيوان المحافظة على ثمار الشجرة لإجراء تجارب علمية عليها. وقال المهندس الزراعي محمد عمر النجار وكيل حدائق الحيوان النباتي أن الشجرة ومكانها بالضبط بجوار استراحة كبار الزوار بالحدائق تزهر في شهري مارس وإبريل من كل سنة، وتتكون ثمارها في شهر مايو، وقد اضطرت إدارة الحدائق إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية هذه الشجرة".
لم أجد في الأعداد التالية تفصيلاً لما كان من أمر الشجرة النادرة، وأتمنى أن يدلنا محرر (الأهرام) النشط أيمن برايز الذي برع في تغطية أخبار حديقة الحيوانات على مصير تلك الشجرة التي لم تحل مشكلة الانفجار السكاني كما كان مأمولاً منها.
.....
صفحة من دفتر الريادة الإعلامية
في مطلع عام 1984 وقبل أن ينتهي عرض مسرحية (الحلم يدخل القرية) على مسرح السلام، قام التلفزيون المصري الحكومي الذي لم يكن في البلد وقتها غيره، بتصوير المسرحية لعرضها لجمهوره، مقابل مبلغ قدره ثمانية آلاف جنيه تقرر دفعها لهيئة المسرح التابعة لوزارة الثقافة، وكان وقتها مبلغاً لا بأس به على الإطلاق. استغرب المشاركون في المسرحية والمسئولون عن هيئة المسرح لماذا مرت الأيام دون أن يتم عرض المسرحية، ولم يكن لدى مسئولي هيئة المسرح بالتحديد مانع في تجاهل ذلك التجاهل، لولا أنهم لم يقبضوا من التلفزيون المبلغ الذي تقرر دفعه من أجل عرض المسرحية.
قرر المسئولون عن هيئة المسرح تقديم شكوى رسمية في المسئولين عن تأخير صرف المبلغ وتأخير عرض المسرحية، ليتم فتح تحقيق رسمي في المسألة اكتشف أن وراء التأخيرين مفاجأة غير سارة، هي أن التلفزيون لا يمتلك الفصل الأول من المسرحية، لأن الشرائط التي تم تسجيل الفصل الأول عليها، تم مسحها ليتم تسجيل فقرات إخبارية بدلاً من الفصل الأول، مما جعل عرض المسرحية متعذراً، ولذلك قرر المسئولون التطنيش على الأمر، لعله ينسى، وحين لم ينسه مسئولو هيئة المسرح، أصبحت المشكلة التي تواجه الجميع الآن: كيف يمكن إعادة تصوير الفصل الأول من المسرحية ليمكن عرضها، خاصة أن عرض المسرحية قد انتهى على خشبة المسرح منذ أشهر".
حين نشرت صحيفة (الأهالي) بتاريخ 25 إبريل 1984 خبر ما جرى للمسرحية بوصفه نموذجاً من نماذج إهدار المال العام، لم تتعامل معه بوصفه حادثة فردية، بل أشارت إلى كونه ظاهرة متكررة ومؤسفة، حيث مسحت من قبل شرائط بأكملها تظهر فيها شخصيات مهمة كان ينبغي أن تكون خالدة في تاريخ التلفزيون المصري، واضطر التلفزيون لشراء بعض هذه الشرائط المهمة من التلفزيونات العربية "التي كانت قد حصلت عليها بالشراء أو الإهداء أو التهريب"، كما تحدثت عن وقائع جرى فيها مسح شرائط برامج نادرة وقطع شرائط لعشرات الأفلام التسجيلية وتشويهها للأبد، للاستعانة ببعض لقطاتها في تصوير أغان واستعراضات أخرى".
عليك إذن حين تشاهد قناة (ماسبيرو زمان) التي أصبحت القناة الوحيدة التي تستحق المشاهدة من بين كل قنوات التلفزيون المصري، أن تعامل مع ما يعرض عليها من برامج ومسلسلات، معاملة الناجين من الإبادة الجماعية، وأن تهنئهم بالسلامة التي نسأل الله لها أن تدوم.
.....
الفقرة الإعلانية
فور إعلان خبر زواج الملك فاروق من عروسته الجديدة ناريمان صادق في عام 1951، امتلأت الصحف والمجلات المصرية بسيل من إعلانات التهاني والتبريكات متنوعة الأشكال والأغراض، وإليك بعضاً من نماذجها المنتمية إلى مدرسة "كوهين ينعي ولده ويصلّح ساعات"
.....
وأخيراً مع كاريكاتيرات للفنان الكبير بهجت عثمان نشرها في زاويته الأسبوعية في مجلة (المصور) في أوقات متفرقة من النصف الثاني من الستينيات