يافا التي يعني اسمها بـالكنعانيّة: جميلة، لا تزال إلى يومنا هذا قريبة من هذا التوصيف رغم النكبة التي مرّت بها وما زالت تمر بها منذ الاحتلال الصهيوني عام 1948. كثيرون كتبوا عنها و"تغزّلوا" بجغرافيّتها الآسرة ومبانيها العريقة والأنيقة المحاذية لبيارات البرتقال اليافاوي المعروف بـ"الشمّوطي" والليمون وباقي الحمضيّات وغيرها من المعالم.
منذ نكبة 1948 وحتى العام المنقضي، لم يتم طباعة ونشر كتاب واحد عن يافا من قبل سكّانها الباقين فيها والذين حُرموا من التواصل مع عالمهم العربيّ، وأصبحت العربيّة لغةً غير رئيسيّة في حياة كثيرين منهم، وذلك بسبب سياسات الأسرلة واقتحام العبريّة للحيّز العام وسيطرتها عليه.
مؤخراً، صدر كتاب يحمل عنوان "يافا.. رسائل في ظلال النكبة" أنجزه الناشط اليافاوي عبد القادر سطل (1960) وجرى إطلاقه الأربعاء قبل الماضي في قاعة "أنيس" بحي "سكنة درويش" الذي تغيّر اسمه بعد النكبة إلى حي يافا. جمّع المؤلف مواد عن المدينة وقدّمها في شكل سردي، تضمّنت مقالات متنوّعة ومعلومات تاريخيّة خصوصاً ما بعد النكبة، لعلّه استفاد هنا من ممارسته للإرشاد السياحي بحيث يُدخل القرّاء إلى تاريخ المدينة وعوالمها، والتي تمثّل واقع المجتمع الفلسطيني في الداخل عامة.
تناول المؤلف ما آلت إليه أوضاع مدينة يافا بعد الاحتلال، واضعاً الخطوط العريضة لحال البشر والحجر والبنية التحتيّة للمجتمع العربي. ودون السقوط في المقاربة الأكاديمية، يضمّ الكتاب في طيّاته الكثير من المقولات حول اللغة والهويّة والانتماء والنواحي الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للمجتمع اليافاويّ.
في تعليقه حول الكتاب، يقول سطل: "دمجتُ تجربتي المتواضعة في رسائل موجّهة للقارئ، تقع بين السرد الصحافي والتعبير الوجداني، بهدف الوصول إلى قلب ووجدان القارئ. هي رسائل من القلب إلى القلب، من أعماق المشاعر وأصدقها إلى كل عربيّ وفلسطينيّ في يافا أو خارجها".
ويضيف: "ألفت نظر القارئ إلى أن هذا المؤلَّف كُتب على فترة دامت عقداً من الزمن، كنت أبحث عن المكان والزمان الملائمين لإضافة معلومة أو تعبير يفي المدينة حقّها. وكفاني فخراً أن المرحوم المناضل شفيق الحوت، ابن يافا، قد قرأ بعض ما كتبت ووصفها بالدمج بين السرد الصحافي والوجداني، وخيّرني بين صياغة العمل ضمن الخيار الأول أو الثاني، ولا بأس في دمج الاثنين معاً".
وكان الباحث الفلسطيني مصطفى كبها قد كتب تقديماً للكتاب بعنوان "يافا، مركز الوجدان الفلسطينيّ" ذاكراً يافا كمدينة مركزيّة في فلسطين ما قبل النكبة التي دمّرت موقعها والحياة النابضة فيها. وقد اختار سطل أن يختتم الكتاب بقصيدة "لن أبكي" للشاعرة الراحلة فدوى طوقان التي تقول في مطلعها: "على أبواب يافا يا أحبائي/ وفي فوضى حطام الدور/ بين الردم والشوك/ وقفت وقلت للعينين: قفا نبك".