حول مائدة إفطار رمضانية، اجتمع مُرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، في السادس والعشرين من أيّار/ مايو الماضي مع مجموعةٍ من كتّاب وشعراء بلده. بعد وجبةٍ دسمة، انتهى اللقاء وغادر الضيوف من دون التطرُّق إلى واحدةٍ من أكثر القضايا التي تُؤرّق المثقّفين الإيرانيّين.
في السنوات الأخيرة، ارتفعت وتيرة المضايقات والملاحقات التي يتعرّض لها الكتّاب والمثقّفون الإيرانيون من قِبل السلطة، ما أدّى ببعضهم إلى مغادرة البلاد؛ كما هو الحال بالنسبة إلى الكاتبة والصحافية نعمة سفر والشاعرَين سيد مهدي موسوي ورضا إكنيان، بينما حُكم على آخرين بالسجن أو الغرامة.
آخر هؤلاء الشاعر والمُخرج بكتاش آبتين، والكاتب رضا خاندان، والكاتب والمترجم كيوان باجن، وثلاثتهم أعضاء في "رابطة الكتّاب الإيرانيّين". في السادس عشر من أيار/ مايو الماضي، صدر بحقّهم حكمٌ قضائي بالسجن النافذ ستّ سنواتٍ لكلّ واحد منهم، بتهم من بينها "الدعاية ضد النظام" و"النشر بلا ترخيص قانوني".
استمرّت جلسات المحاكمة، التي بدأت في السابع من إبريل/ نيسان الماضي شهراً ونصف، وقد جرت أطوارها في "المحكمة الثورية" بطهران، برئاسة القاضي محمد مقيسة، المدْرَج في قائمة عقوبات "الاتحاد الأوروبي"، بسبب ما توصف بانتهاكاته المستمرّة لحقوق الإنسان، وخصوصاً ضدّ المنشقّين والأقليات العرقية والدينية.
وتُعدّ الرابطة، التي تأسّست عام 1968، أي قبل سنواتٍ من قيام "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979، هيئةً ثقافية مستقلّة وغير ربحية، تهدف، بحسب القائمين عليها، إلى تنظيم أمور الكتّاب ومكافحة الرقابة. وبسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، تعرّض عددٌ غير قليلٍ من أعضائها لمضايقات واعتقالات واغتيالات، مثلما هو الحال بالنسبة إلى محمد جعفر بوينده ومحمد مختاري اللذين اغتيلا في التسعينيات.
أثار الحكمُ بسجن الكتّاب الثلاثة استياءً في المشهد الثقافي الإيراني، وأصدر قرابة تسعمئة مثقّف بياناً، في يوم لقاء المرشد بمجموعة الكتّاب، دانوا فيه القرار القضائي، واعتبروه "ظالماً ومعادياً للحرية".
ولم تقتصر ردود الفعل حول الحكم على المشهد الثقافي، فسرعان ما تلقّفته الساحة السياسة التي رأت فيه دليلاً على تخبّط النظام وتردّي واقع حريّة التعبير والحريات الشخصية في البلاد؛ فهذا "حزب اليسار"، وقد اعتبر، في بيان له، أنّ "إدانة ثلاثة من الكتّاب الأكثر قيمة في إيران، إنما هو بسبب ما تمرّ به البلاد من حصار اقتصادي؛ حيث يعيش الناس ظروفاً قاسية، ما دفع الجمهورية الإسلامية للتعامل بهذه الحدّية مع المثقّفين من أجل مواصلة سيطرتها".
وقبل ذلك، وصفت "رابطة الكتّاب الإيرانيّين" الحكمَ بأنه "معادٍ لأفكار التجديد"، مُشيرةً، في بيان نشرته على موقعها الرسمي، إلى أنها المرّة الثانية التي يَفتح فيها قضاء المحكمة الثورية قضيّةَ أعضائها الثلاثة، مضيفةً: "في كلّ مرّةً، يُضيفون تهماً جديدةً، أو يزيدون مبلغ الكفالة".
وبالفعل، فإن أوّل اعتقال تعرّض له الكتّاب الثلاثة كان في فبراير/ شباط من عام 1997، وذلك بالتزامن مع اقتحام عناصر من وزارة الاستخبارات في طهران مقرّ الرابطة وقيامهم بتفتيش ما فيها من وثائق وملفّات. أمّا السبب، فتمثّل في نشرهم مجلّة ثقافية بعنوان "أفكار حرّة"، وتنظيمهم وقفاتٍ سلميةً أمام قبور كلّ من الكتّاب والشعراء جعفر بوينده وأحمد شاملو ومحمد مختاري.
نُقل آبتين وخاندان وكيوان، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تهمتَي "الدعاية ضد النظام" و"النشر بلا ترخيص قانوني"، إلى "سجن إيفين" التابع للمحكمة الثورية في طهران، حيثُ قضوا بضعة أيّام، قبل أن يُفرج عنهم بكفالةٍ وصلت إلى مئة مليون تومان (العملة الإيرانية حينها).
بعد مضي 21 عاماً، وجّهت الاستخبارات الإيرانية استدعاءً ثانياً للكتّاب الثلاثة، وأرسلت ثلاث دوريات إلى بيوتهم. فتّش الأمن ممتلكات كيفان باجن ورضا خاندان الشخصية وصادروا مخطوطاتهما ومحفوظاتهما وهواتفهما والأقراص الصلبة الخاصّة بحاسوبيهما. ولاحقاً، استُجوب الرجلان، خلال سلسلة جلسات في مقرّ وزارة المخابرات، حول بيانات الرابطة ومنشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وتلقى بكتاش آبتين معاملةً مماثلةً، لكن استجوابه دام لأكثر من سبع عشرة جلسةً حول أنشطته الفنية والأدبية والسينمائية.
بعد انتهاء الاستجوابات، وُجّهت إلى الكتّاب الثلاثة تهم "التحريض ضد النظام"، و"النشر بلا ترخيص قانوني"، و"التآمر ضد الأمن القومي"، و"تحريض النساء على الفساد والدعارة".
أمّا خلفية التهم، فهي توقيعهم على بيان للدفاع عن حرية التعبير، ومعارضة أحكام الإعدام عام 2017، ونشرهم كتابات تدعو إلى رفض الحجاب، إلى جانب مشاركتهم في تأليف كتاب بعنوان "خمسون عاماً على رابطة الكتاب الإيرانيين"، وهو العمل الذي قال بكتاش، في شريط بثّه على فيسبوك، إنه لم يشارك في تأليفه، رغم أنه يعتبر المشاركة فيه شرفاً له، وفق تعبيره.
يستعرض الكتاب، الذي صدر في 1300 صفحةً موزّعة بين أربعة مجلّدات، تاريخ "رابطة الكتّاب الإيرانيين" ونشاطاتها منذ تأسيسها قبل قرابة نصف قرنٍ. وقد صادرت الاستخبارات الإيرانية مئة وعشرين نسخةً منه في الثامن عشر من يونيو /حزيران من العام الماضي، أي في يوم صدوره، بينما كان أحد أعضاء الرابطة يهمّ باستلامها.
وأُبلغ الكتّاب الثلاثة برفع الكفالة المدفوعة من مئة مليون تومان إلى مليار تومان. وعليه، جرى منحهم مهلةً قانونية حتى إجراء عملية الدفع.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون إيرانيون شريطاً مصوّراً لـ بكتاش آبتين (1974)، يقول فيه: "بغضّ النظر عن هذا الحكم القاسي والمجحف الذي اتُّخذ بحقّنا، ما يشغلني الآن هو سؤال واحد: هل نذهب إلى السجن بأجساد واهنة وأرواح مهزومة؟ هذا السؤال يحتمل الكثير من الإجابات... في النهاية، يتعيّن علينا الذهاب إلى السجن، فحتى ولو جرى الطعن في هذه الأحكام التعسُّفية، فذلك لن يغير شيئاً. سنُسجَن، لكن أرواحنا ستبقى حرّة، وسنعيدها إلى مواقعها كي تقوم بواجبها الذي يتعيّن عليها القيام به... سنعتبر هذا السجن طريقاً إلى الحرية".
ـــــــــــــــــــــــــــ
حريّات على المحك
تُعدّ انتخابات حزيران/ يونيو 2009 نقطة تحوُّل رئيسية في مجال حريّة التعبير في إيران؛ حيثُ تدهورت حرية الصحافة بشكل حادّ، وجرى حجب العديد من مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى تنامي إغلاق الصحف واعتقال الكتّاب والصحافيّين. وهو ما ترى فيه منظّمات حقوقية إيرانية "حرباً وقائية" تهدف إلى تخويف أصحاب الكلمة، وتخييرهم بين الصمت وبين أبواب "المحكمة الثورية" المشرعة دائماً.