21 نوفمبر 2024
"ذا بوست".. قوة الصحافة
"دور الإعلام هو أن يقود وليس أن يقاد". بهذه الخلاصة ينتهي فيلم "ذا بوست"، الذي يُعرض حاليا، بتوقيع المخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ، في ما اعتبره بعضهم رداً غير مباشر منه على أفكار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتعلقة بالصحافة خصوصا، والإعلام عموما. فقد حاول ترامب دائما، وحتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، التقليل من أهمية الصحافة ومن مصداقيتها، بترويج ما اصطلح على تسميتها الأخبار الزائفة، فأصبح في نظر كثيرين العدو الأول لحرية الصحافة، في وقت تعاني منه الصحافة، ليس بسبب انسحاب البساط من تحت أقدامها لصالح وسائل الإعلام الجديد، ومنها "تويتر"، منصة ترامب الأولى، وحسب، بل أيضا بسبب تغوّل السلطة تجاهها في كل مكان في العالم تقريبا.
يصوّر "ذا بوست" حكاية صراع أزلي ما بين سلطتي الحكم والصحافة، وقد سبق لهوليوود أن قدمت الحكاية في أفلام كثيرة، منها "مارك فيلت.. الرجل الذي أسقط البيت الأبيض"، و"سبوت لايت"، و"الحقيقة"، و"كل رجال الرئيس".. وغيرها من أفلام، نجح أكثرها فنيا. وكانت النهاية دائما انتصار الصحافة، باعتبارها من وجوه الحقيقة التي غالبا ما رأينا السلطة تعمل على التقليل من طمسها، عبر الاستبداد بالرأي على سبيل الحرية.
في الفيلم الذي أنتج أواخر العام المنصرم تفاصيل قصة وقعت في بداية سبعينيات القرن الماضي، بشأن وثائق سرية لوزارة الدفاع الأميركية عن حرب فيتنام، بدأت بتسريبها صحيفة نيويورك تايمز، وأكملت المهمة "واشنطن بوست"، بعد أن توقفت الأولى عن النشر بقوة حكم قضائي استصدره البيت الأبيض لصالحه، ما تسبب في فضيحة سياسية كبرى، مهدت لفضيحة ووترغيت التي أطاحت الرئيس الأميركي آنذاك، ريتشارد نيكسون.
يبدأ الفيلم منذ عام 1966 بمشاهد لجنود أميركيين يموّهون وجوههم، استعدادا لشن هجوم في معركة طاحنة في فيتنام، في دلالة لا تخفى على التمويه المتعمد للحقائق بشأن تلك الحرب، والذي تقوم به حكومتهم تجاه الشعب الأميركي والعالم كله. ولأن التمويه لا يخص إدارة أميركية دون أخرى، يقدّم الفيلم سردا سريعا لتصريحات رئاسية متطابقة بشأن ما يجري على أرض المعركة على ألسنة كل رؤساء أميركا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اللحظة التي يعالجها المشهد. ما يدل على أن الكذب أسلوب سياسي واحد في مواجهة الحقيقة التي تريد الصحافة الحرة أن تكشف عنها.. وتنجح في ذلك في نهاية الأمر.
يجسّد الفنان العبقري، توم هانكس، دور رئيس تحرير "واشنطن بوست" بن برادلي. أما زميلته في العبقرية السينمائية ميريل ستريب فتؤدي دور ناشرة الصحيفة، كاثرين غراهام. وفي مشاهد كثيرة جمعتهما، كان الاثنان يتنافسان في التعبير عن قوة الصحافة التي لا تتحقق إلا بمزيد من الإصرار على النشر، حتى بدت اللحظة التي قرّرت فيها الناشرة كاثرين غراهام المُضي في قرار النشر المخيف، بعد تردّد، من أجمل اللحظات التي يستشعرها كل عامل في بلاط السلطة الرابعة، حتى لو لم يقدّر له أن يمتلك قوة السلطة الرابعة كما يليق بها دائما. وهذا يذهب بنا إلى مقارنةٍ لا بد منها بين الصحافة التي نعمل فيها في بلداننا العربية على سبيل المثال، والصحافة التي نراها على الشاشة في أفلام هوليوود، فصحيح أننا كلنا، نحن الصحفيين العرب، نعمل في صالات تحرير تشبه صالة التحرير التي صُورت معظم مشاهد فيلم ذا بوست بين مكاتبها، وصحيح أننا نعيش الأجواء نفسها تقريباً قبل نشر أي خبر مهم، لكن القوة الكامنة وراء الخبر المنشور في صحفنا تختلف تماماً عنها في صحف من طراز "واشنطن بوست" حتما. ذلك أن "الأخبار هي مسودة كتابة التاريخ"، كما قالت ميريل ستريب في دورها ناشرة للصحيفة وهي تطالع الصفحة الأولى من العدد الذي ساهم في تغيير التاريخ الأميركي على الأقل فعلا، أما تاريخنا فما زال عصياً علينا، نحن الصحفيين العرب، إلا نادراً.
يصوّر "ذا بوست" حكاية صراع أزلي ما بين سلطتي الحكم والصحافة، وقد سبق لهوليوود أن قدمت الحكاية في أفلام كثيرة، منها "مارك فيلت.. الرجل الذي أسقط البيت الأبيض"، و"سبوت لايت"، و"الحقيقة"، و"كل رجال الرئيس".. وغيرها من أفلام، نجح أكثرها فنيا. وكانت النهاية دائما انتصار الصحافة، باعتبارها من وجوه الحقيقة التي غالبا ما رأينا السلطة تعمل على التقليل من طمسها، عبر الاستبداد بالرأي على سبيل الحرية.
في الفيلم الذي أنتج أواخر العام المنصرم تفاصيل قصة وقعت في بداية سبعينيات القرن الماضي، بشأن وثائق سرية لوزارة الدفاع الأميركية عن حرب فيتنام، بدأت بتسريبها صحيفة نيويورك تايمز، وأكملت المهمة "واشنطن بوست"، بعد أن توقفت الأولى عن النشر بقوة حكم قضائي استصدره البيت الأبيض لصالحه، ما تسبب في فضيحة سياسية كبرى، مهدت لفضيحة ووترغيت التي أطاحت الرئيس الأميركي آنذاك، ريتشارد نيكسون.
يبدأ الفيلم منذ عام 1966 بمشاهد لجنود أميركيين يموّهون وجوههم، استعدادا لشن هجوم في معركة طاحنة في فيتنام، في دلالة لا تخفى على التمويه المتعمد للحقائق بشأن تلك الحرب، والذي تقوم به حكومتهم تجاه الشعب الأميركي والعالم كله. ولأن التمويه لا يخص إدارة أميركية دون أخرى، يقدّم الفيلم سردا سريعا لتصريحات رئاسية متطابقة بشأن ما يجري على أرض المعركة على ألسنة كل رؤساء أميركا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اللحظة التي يعالجها المشهد. ما يدل على أن الكذب أسلوب سياسي واحد في مواجهة الحقيقة التي تريد الصحافة الحرة أن تكشف عنها.. وتنجح في ذلك في نهاية الأمر.
يجسّد الفنان العبقري، توم هانكس، دور رئيس تحرير "واشنطن بوست" بن برادلي. أما زميلته في العبقرية السينمائية ميريل ستريب فتؤدي دور ناشرة الصحيفة، كاثرين غراهام. وفي مشاهد كثيرة جمعتهما، كان الاثنان يتنافسان في التعبير عن قوة الصحافة التي لا تتحقق إلا بمزيد من الإصرار على النشر، حتى بدت اللحظة التي قرّرت فيها الناشرة كاثرين غراهام المُضي في قرار النشر المخيف، بعد تردّد، من أجمل اللحظات التي يستشعرها كل عامل في بلاط السلطة الرابعة، حتى لو لم يقدّر له أن يمتلك قوة السلطة الرابعة كما يليق بها دائما. وهذا يذهب بنا إلى مقارنةٍ لا بد منها بين الصحافة التي نعمل فيها في بلداننا العربية على سبيل المثال، والصحافة التي نراها على الشاشة في أفلام هوليوود، فصحيح أننا كلنا، نحن الصحفيين العرب، نعمل في صالات تحرير تشبه صالة التحرير التي صُورت معظم مشاهد فيلم ذا بوست بين مكاتبها، وصحيح أننا نعيش الأجواء نفسها تقريباً قبل نشر أي خبر مهم، لكن القوة الكامنة وراء الخبر المنشور في صحفنا تختلف تماماً عنها في صحف من طراز "واشنطن بوست" حتما. ذلك أن "الأخبار هي مسودة كتابة التاريخ"، كما قالت ميريل ستريب في دورها ناشرة للصحيفة وهي تطالع الصفحة الأولى من العدد الذي ساهم في تغيير التاريخ الأميركي على الأقل فعلا، أما تاريخنا فما زال عصياً علينا، نحن الصحفيين العرب، إلا نادراً.