يحاول فيلم أحمد عبدالله، "ديكور"، الذي بدأت عروضه في الصالات المصرية أخيراً بعد جولة ناجحة على مهرجانات عربية وعالمية، سحب مشاهده ببطء إلى دائرة مها (حورية فرغلي)، التي تغوص بخيالها بين عالمين، أحدهما شريف (خالد أبو النجا)، والآخر مصطفى (ماجد الكدواني). دائرة تملأها متاهات أحداث غير متشابكة، لكن فيها خيوطاً تربط، عبر مها، عوالم الرجل الأول، بالثاني، على نحو صادم.
مها، مهندسة الديكور في أول مشهد، ومعلمة الرسم في الثاني، تتنقل بين وجهيها، على نحو لا تستطيع معه تحديد عالمها الذي تعيشه حقيقة، فتصل إلى مرحلة الشك في كل ما يدور حولها. فهي المتعبة من أعباء عملها في ديكور الأفلام، والساخطة على الممثلة غير الآبهة بتعبها. وفي الوقت نفسه، هي مدرسة الرسم غير المهتمة بعملها، ما يؤدي إلى منعها من التدريس.
هذه التداخلات تدفعها إلى البحث عن ذاتها الضائعة بين خسارة حب قديم، ورتابة زواج تعيش فيه. لكن ذلك لا يستمر طويلاً، فالزوج المفترض صار الرجل الغريب عنها، والحب الضائع هو الزوج الحقيقي. وهنا تضيع هوية مها مرة أخرى، لتجد نفسها في مصحّ عقلي نتيجة ما تعانيه.
ومع العلاج، تصبح مها نفسها أمام الخيارين المتمثّلين في شريف ومصطفى. لكنها تجد أن الحياة بعيداً عن ماضيها المرَضي معهما، أفضل لها، فتقرر أن تبتعد عنهما إلى عالمها الخاص البعيد، هذه المرة، عن الخيال.
تقنياً، يقدم الفيلم لفتات جيدة تتكامل مع اشتغاله على البعد النفسي. الحديث هنا عن خيار التصوير بالأبيض والأسود، الذي ساعد في تشكيل فضاء سينمائي يناسب شخصية مها القلقة. كما لعب دوراً كبيراً في دمج المشاهد في عالمها المنقسم أساساً بين عالمين وخيارين. تضاف إلى ذلك انتقالات الصورة السريعة والمفاجئة في الزمان والمكان (وهنا، لا بد من التذكير بأن أحمد عبدالله دخل عالم الفن السابع من باب المونتاج).
هذا الاشتغال، مع استعادة صاحب "ميكروفون" (2010) و"فرش وغطا" (2013) بعض المشاهد من سينما "الزمن الجميل" الكلاسيكية، لا سيما من فيلم "الليلة الأخيرة" (1963) لفاتن حمامة؛ يُظهران بشكل جلي سعي عبدالله إلى إحداث رسوخ بصري ذهني لدى مشاهد فيلمه الرابع في مسيرته السينمائية. رغم ذلك، فإن بداية الشريط، سيما ربع الساعة الأولى منه، بدت بطيئة وباردة، قبل أن يبدأ الفيلم في أخذ المشاهد إلى اقتراحاته.
البداية الباهتة للأحداث التي فرضها النص (وضعته شيرين وشقيقها محمد دياب)، كما يبدو، لم تمنع ثلاثي البطولة من تقديم أداء لافت، وتنفيذ ثنائيات متشابكة، تلاقت بين ماضٍ وهمي وحاضر مستغرَب، ومستقبل مجهول، لتمنح الفيلم قدرة على الإثارة، وصولاً إلى نهايته غير المتوقعة.
على أي حال، فإنه يمكن القول إن العمل احتاج جهداً زائداً على نصّه لتظهر الأحداث أكثر تماسكاً، خصوصاً بين مها، الشخصية الرئيسية، وما حولها من واقعيّ ومُتخيّل. وهذا ما ينزع نقطة من صالح الجانب السردي في الفيلم، الذي ظل متأخراً عن جانبه التقني المتفوّق منذ البداية حتى النهاية.