"دكانة البلد".. مقاربة ساخرة لمكافحة الفساد في لبنان

الأناضول

avata
الأناضول
08 يونيو 2014
2408CF4E-5F1E-4303-8771-CA3ED9C252C2
+ الخط -

 

"كل شيء للبيع حتى حقك"... "اشتري شهادة البروفيه (شهادة إتمام الصف التاسع) وأحصل على البكالوريا (شهادة التخرج من الجامعة) مجاناً".

هذه اللافتات وغيرها موجودة في مقر جمعية "سكر الدكانة" (أيّ أغلق المحل) في منطقة الأشرفية شرقي بيروت، وتشكّل مقاربة نقدية ساخرة لمكافحة الفساد المستشري في الإدارات العامة بلبنان الذي أصبح جزءاً من "عادات وتقاليد" هذا البلد الصغير.

الجمعية، التي أطلقت حملة "دكانة البلد" في "شارع الجميزة" المعروف ببيوته القديمة والذي تحول إلى نقطة جذب للسهر؛ بسبب انتشار المطاعم والنوادي الليلية، حصدت خلال الأسبوعين الأولين من نشاطها أكثر من 600 تبليغ عن حالات دفع رشاوى في الإدارات العامة بلغت قيمة أكبرها 45 ألف دولار أمريكي؛ 41 بالمئة منها في وزارة الداخلية، واللافت في ذلك أنّ "الرشاوى الأكبر دفعت في السلك القضائي".

و"الدكانة" هو اسم يطلقه اللبنانيون أساساً على محال البقالة المتواجدة خاصة في الأحياء الشعبية والقرى، واختارته الجمعية للدلالة على تحول ظاهرة الفساد إلى أمر عادي في الثقافة الشعبية اللبنانية.

وتسلط "الدكانة" الضوء على هذه الظاهرة، التي يتورط فيها البعض كأقصر الطرق لينجز معاملاته. أما البضاعة فهي بالتأكيد غير تلك التي نجدها في دكانة البقالة، فهي بضاعة غير مألوفة: رخصة سوق بسعر مميز، من دون حاجة لامتحان، شهادة إنّ كنت رسبت في الامتحان، إفادة عمل لمن لا يعمل، وهوية جديدة لمن يريد التخفي.

أكثر من ذلك، في إحدى الزوايا قسم خاص بالتعيينات والوظائف "بحسب الطائفة"، ولكل وظيفة "تسعيرة".

افتتحت جمعية "سكّر (أغلق) الدكانة"، وهي منظمة غير حكومية هدفها جمع البيانات المتصلة بالفساد في المؤسَّسات الرسمية من أجل بناء علاقة نزيهة بين المواطن والدولة، وفي "الدكانة" للمرّة الأولى الشهر الماضي في "شارع الجميزة" ولمدة ثلاثة أيام تم خلالها عرض فيلم قصير يلخص حالات وأشكال الفساد في لبنان قبل أنّ تنتقل إلى مكان ثانٍ في شارع المونو القريب، وهو مقر الجمعية نفسه، على أن تنتقل لاحقاً إلى مناطق أخرى.

ولفت رئيس الجمعية، عبدو مدلج، إلى أنّ ثمة "تجاوب كبير" مع الحملة من قبل المواطنين، خصوصا وإنّه تم التبليغ منذ انطلاقها عن نحو "609 حالة" فساد إداري في المؤسسات العامة، مشدداً على أنّ الفساد ليس مقتصراّ على "الرشوة"، بل "يهدم" الإدارات والمرافئ العامة.

وقال مدلج إنّ "الهدف من هذه الحملة تشجيع الناس على التبليغ عن حالات الفساد ودفع الرشاوى عبر أربع وسائل: تطبيق خاص على الهواتف النقالة، الموقع الإلكتروني للجمعية، سيارة تنقل ملفّات الفساد من المواطنين إلى أمام المؤسسات الحكومية، وأخيراً عبر الهاتف من خلال خط ساخن".

وأوضح أنّ الهدف من ذلك هو "معالجة الآلية المتبعة في إنجاز المعاملات الإدارية"، مضيفا أنّ "الجمعية تتعامل مع البلاغات بحالة جماعية وليست فردية".

وأشار إلى أنّ "الجمعية تقوم كذلك بتحديد الإدارات التي تواجه أكبر عدد من التبليغات، لاستعمالها لاحقاً للضغط على الإدارة، ومن ثم تقديم الحل من قبل الجمعية على أمل "الحد من الفساد المستشري".

وكشف مدلج أنّه بلغة الأرقام، فإن الشكاوى الـ 609 تساوي نحو "671 مليون ليرة لبنانية (حوالي 450 ألف دولار) دفعت كرشاوى، أكبرها وصلت إلى 45 ألف دولار"، مشيراً إلى أنّ وزارة الداخلية اللبنانية حصدت أعلى نسبة من مجمل عدد الشكاوى والتي بلغت "41 بالمئة دفعت فيها أكثر من 55 مليون ليرة لبنانية (نحو 36 ألف دولار أمريكي) كرشاوى".

وقال مدلج "على الرغم من أنّ القضاء اللبناني نال نسبة متدنية من الشكاوى بواقع 6 بالمئة، إلا أنّ تلك الشكاوى كانت "الأعلى قيمة، حيث دفع في هذا القطاع 265 مليون ليرة (نحو 180 ألف دولار) كرشاوى".

وأشار إلى أنّ الجمعية تفتح المجال على موقعها الإليكتروني أمام المواطنين لـ"الابلاغ" عما يواجهونه في المؤسسات الرسمية والوزرات من حالات رشوة وفساد، مؤكدا أنّ "بنك المعلومات" في الموقع "حصين جداً" ويؤمن "الحماية" لمن يقدم الشكاوى.

وابتكرت الحملة طريقة جديدة لـ "فضح" المؤسسات "الأكثر فساداً" من خلال تخصيص سيارة تحمل اسم الحملة "سكّر الدكانة"، وعندما تحدد الحملة المؤسسة الرسمية التي احتلت "المرتبة الأولى" من حيث عدد شكاوى الفساد التي طالتها، "يتم إيقاف السيارة أمام مبنى هذه الوزارة كإشارة على الفساد الكبير فيها"، بحسب مدلج.

ولم يتسن على الفور، الحصول على تعليق من الحكومة اللبنانية على هذا الأمر.

من ناحيته، حذر شكيب قرطباوي، وزير العدل اللبناني السابق الذي كانت له جهود كبيرة في محاربة الفساد في وزارته والجسم القضائي خلال توليه الوزارة بين 2011 و2014، من أنّ الفساد تحول إلى جزء من "عاداتنا وتقاليدنا"، مشدداً على ضرورة أنّ "يضرب القضاء بيد من حديد لوضع حدٍّ لهذه الظاهرة. المشكل الكبير هو دخول الفساد إلى عاداتنا وتقاليدنا بحيث تحول إلى مرض ضربنا جميعاً".

لكنه قال إنّ "التغيير بحاجة إلى إرادة مع التخفيف من الطائفية والمحسوبية المنتشرة"، مشيرا إلى أنّ "توفر الإرادة لديه عند توليه وزارة العدل جعلته يساعد في تنظيف القضاء من الفساد".

وشدد على أنّ الأمور التي حدثت خلال تواجده في الوزارة "لم تحصل على مدى 40 عاماً"، حيث أصدر المجلس التأديبي 5 قرارات وأحكام بحقّ قضاة محالين إليه من قبل هيئة التفتيش القضائي بسبب ارتكابهم مخالفات بعضها يتعلّق بالعمل وبعضها الآخر بالسلوك، وهو أمر لم يشهده لبنان "إلا مرّتين خلال أربعين عاماً خلت".

وكان مجلس النواب اللبناني أقر في أواخر العام 2008 اتفاقية الانضمام إلى الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتُعد هذه الاتفاقية الأكثر شمولاً وقوة في مكافحة الفساد على نطاق عالمي.

والاتفاقية، التي صادقت عليها ١٦٥ دولة منذ إقرارها في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2005 وحتى يناير/ كانون الثاني 2013، تلزم الدول بتنفيذ مجموعة واسعة ومفصلة من تدابير مكافحة الفساد.

قرطباوي أوضح أنّ "لبنان لم يلتزم بهذه الاتفاقية بشكل كبير، ولابد من وضع خطة يكون فيها المجتمع اللبناني والقضاة والسياسيين يدا واحدة لمحاربة هذه الآفة".

ووصف احتلال لبنان المرتبة "27" من بين "177" بلداً من حيث مؤشر الفساد وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية في العام 2013، بأنّه "معيب بحق لبنان".

وبدا قرطباوي مرتاحاً لأنّه "حين كنت وزيراً للعدل سكّرت (أقفلت) الدكانة (أيّ الفساد)"، وساهم ولو جزئياً في محاربته، إلا أنّه حذر من أنّ يطال الفساد المجتمع المدني نفسه.

ذات صلة

الصورة
شهادات الميلاد لازمة للحصول على الخدمات (محمود عيسى/الأناضول)

مجتمع

تعتبر أزمة إصدار شهادات الميلاد لأطفال غزة المولودين خلال فترة العدوان إحدى أبرز العقبات التي تواجه أسر الأطفال، إذ تحرمهم من الخدمات.
الصورة
وقفة احتجاجية تطالب بوقف ملاحقة ائتلاف أمان الفلسطيني (العربي الجديد)

مجتمع

طالبت مؤسسات حقوقية ومدنية فلسطينية اليوم الثلاثاء، بوقف ملاحقة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان قضائيا، ووقف التضييق على مؤسسات المجتمع المدني، بالتزامن مع وقفة احتجاجية لتلك المؤسسات أمام مجمع المحاكم في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله
الصورة
احتجاجات سابقة في تونس (العربي الجديد)

مجتمع

بدأ حاملو الشهادات العليا في تونس، أمس الإثنين، إضراباً مفتوحاً عن الطعام أمام وزارة الشؤون الاجتماعية، تحت شعار "إضراب الكرامة".
الصورة

سياسة

أعلنت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، التي أصدرت وزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي قراراً باعتبارها منظمات إرهابية أمس الجمعة، أنها ستستمر بعملها كالمعتاد وكأن قرار الاحتلال غير موجود، مؤكدة أنها ستدرس القرار بعناية مع المحامين والقانونيين لبحثه.