"داونتيسم"... مقهى مختلف في طهران

13 أكتوبر 2018
يعمل في المقهى عشرة أفراد (العربي الجديد)
+ الخط -
في أحد الأحياء شمال غربي العاصمة الإيرانية طهران، وفي مجمع تجاري معروف، يقع مقهى صغير ودافئ. فهناك يخوض مصابون بالتوحد، وبمتلازمة "داون" تجربة فريدة وحديثة من نوعها. فهم من يستلمون الطلبات ويحضرونها للزبائن ويديرون العمل بمساعدة ذويهم في المكان المسمى بمقهى "داونتيسم"، والذي يجمع بين معنى التوحد بالإنكليزية ومتلازمة "داون". كثر هم من باتوا يذهبون إلى هناك لخوض التجربة وللتعرف على هؤلاء عن قرب، بعد أن سمعوا عنهم من مواقع التواصل الاجتماعي، فأغرتهم الفكرة، وهو ما يساعد على تحقيق الهدف من المشروع الرامي لتعريف المجتمع بمشكلتهم عن قرب، وزيادة انسجامهم مع البيئة التي يعيشون فيها، فلا يهم ما إن أتت القهوة باردة أو حتى متأخرة، ما يهم هناك هو الشعور بجمالية المكان.
في بدايات عمر المقهى الذي لم يزد بعد عن أشهر قليلة معدودة، عمل فيه عشرة أفراد ممن يعانون من التوحد أو من المصابين بمتلازمة "داون"، ووصل عددهم اليوم إلى 25 شخصاً، يُقسّمون على نوبات صباحية ومسائية وعلى أيام الأسبوع السبعة. ولا تزيد فترة عمل الواحد منهم في اليوم الواحد عن أربع ساعات، لأن تلك المهمة يجب ألا تتحول لعامل يضغط عليهم صحياً أو نفسياً، كما يجب أن يتطوع اثنان من ذويهم أو أكثر في كل نوبة، ليقوموا برعايتهم، وليشرفوا على الأوضاع عن قرب. حامد حسني، أحد المصابين بالتوحد من العاملين في المقهى، شاب يكاد يصل عمره للعشرين عاماً، ومن الممكن القول إنه صاحب روح ذاك المكان، يستقبل كل الزوار، بمن فيهم الصحافيون القادمون، للتعرف على المكان بابتسامة عريضة وبأسئلة كثيرة. فبدلاً من أن يجيب أو يجهز الطلبات، يلعب دور المتسائل دائماً، فيسأل عن اسم الزائر وعمله، ويبلغه أن كل من في المكان مشهورون للغاية، ويقدم تفاصيل عن عمله، ويقول إنه يعرف كيف يحضّر القهوة، ويغسل الصحون أيضاً، ولا يمكن لأحد أن يغادر دون أن يلتقط صورة خاصة معه.




يقول السيد علي كاظم زاده، والد محمد، إن لدى ولده العديد من المشكلات التي تجعله من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولكنه تعلم عزف البيانو ورسم اللوحات من الصغر، وأقام العديد من المعارض داخل وخارج إيران. كما يلقى رعاية كبيرة في بيته، لكن ومع ذلك لم يكن قادراً على إخراجه من حالة الضجر والملل والوحدة في كثير من الأيام، وبعد أن أحضره ليشارك في مقهى "داونتيسم" تغير نمط حياته بالكامل، وأصبح يشعر بطاقة إيجابية كبيرة، حسب قوله.
أما عن الفكرة، فصاحبتها هي آيلين آغاهي، التي تعمل منذ سنوات طويلة مع المصابين بالتوحد ومتلازمة "داون" وذوي الاحتياجات الخاصة، وتعلمهم الموسيقى. وأسست فرقة تسمى بـ"لحن الملائكة"، لأنها تؤمن بوجود مواهب وقدرات إبداعية كامنة لدى هؤلاء تتطلب اهتماما خاصاً، كما تعلم أن الموسيقى تحملهم من عالم لآخر. قالت آغاهي لـ"العربي الجديد"، إن الفكرة خطرت ببالها منذ فترة، ورأت أنها قد تزيد من حجم التفاعل الاجتماعي بين المصابين أنفسهم ومع أفراد عائلتهم والمجتمع برمته، لذا تقدمت بطلب مع بعض الناشطين والفاعلين في هذا المجال لمؤسسة الرعاية الاجتماعية الحكومية، وحصلت على ترخيص لافتتاح المقهى، وساهم في المشروع عشر عائلات تطوعت لمساعدتها.
عماد ملا زاده، هو أحد المؤسسين العاملين مع آيلين، وهو مدير جمعية العلاج التفاعلي لذوي الاحتياجات الخاصة في إيران، وأحد المتواجدين بشكل شبه دائم في المقهى الذي بات محطة لزوار يريدون التعرف على أصحابه، أو أنهم من عائلات فيها أفراد مصابون بالتوحد أو بمتلازمة "داون"، يحضرون ليستفيدوا من ذات التجربة. يتذكر ملا زاده في حديثه اليوم الأول الذي تم فيه افتتاح المكان، يقول إن فناجين قهوة عديدة قد كسرت، وتحطمت أوان كثيرة، لكن الكل تعامل مع الأمر بشكل فكاهي طريف، سواء من الزوار أو ممن يساعدون العاملين في المقهى من ذويهم والمتخصصين، وأضاف أنه مع الوقت انتهت هذه الحالة وأصبحوا جميعا محترفين في العمل، ويرغبون بالاستمرار به.
المساهمون