وتؤكد مصادر ميدانية متقاطعة لـ"العربي الجديد"، قيام "داعش" بحفر خندقين ضخمين في محيط مدينة الباب. وقام التنظيم بحفر الخندق الأول على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى شمال مدينة الباب قرب مفرق "الحدث"، على طريق الباب ــ الراعي السريع. وبلغ طول الخندق أكثر من كيلومتريْن على جانبي الطريق، بعمق زاد عن خمسة أمتار، الأمر الذي يسمح بتمركز المدرعات داخل الخندق.
ويعتبر تنظيم "داعش" هذا الخندق، خطّ الدفاع الأول عن مدينة الباب التي تعتبر مقر والي التنظيم في حلب. ويوجد في المدينة عدد كبير من مؤسسات التنظيم الأمنية والخدماتية والقضائية. ويتوقع التنظيم أن تتقدم أي قوة لاستعادة مدينة الباب منه، من الجهة الشمالية حصراً، ذلك أنّ التنظيم يسيطر على كامل الأراضي السورية شرق المدينة، وصولاً إلى الحدود العراقية ومروراً بمحافظة الرقة وريف الحسكة الجنوبي بالكامل. كما يسيطر التنظيم على مناطق ريف حلب الشرقي الواقعة جنوب مدينة الباب.
ويسير على مساحات واسعة من مناطق ريفي حلب الشرقي والشمالي إلى الغرب من مدينة الباب، وصولاً إلى مدينة مارع التي تتحصن فيها فصائل المعارضة المسلّحة، والتي تبعد عن مدينة الباب نحو خمسة وثلاثين كيلومتراً. فيما تبقى بلدة الراعي السورية الحدودية مع تركيا، أقرب نقطة قد تفكر فصائل المعارضة التقدم منها بإسناد جوي من طيران التحالف الدولي والتركي باتجاه مدينة الباب التي تبعد عنها 25 كيلومتراً فقط.
وبحسب المصادر الميدانية ذاتها، حفر داعش خندقاً ثانياً، دفاعياً، هو الأطول والأضخم في محيط مدينة الباب مباشرة، إذ امتد هذا الخندق بطول يزيد عن خمسة عشر كيلومتراً من منطقة البازار في مدخل مدينة الباب الشمالي حتى أطراف بلدة بزاعة شرقاً، ومن ثم جنوباً حتى منطقة المزارع، وصولاً إلى منطقة صوامع الحبوب، قرب دوار تادف، جنوب مدينة الباب. ولم يحتَج التنظيم إلى مدّ الخندق إلى أطراف مدينة الباب الغربية، بحكم وجود جبل الشيخ عقيل في المنطقة، الذي يقيم فيه التنظيم تحصينات كبيرة منذ وقت طويل.
اقرأ أيضاً: تراجيديا اللاجئين والمنطقة التركية الآمنة: أنقرة تطلب خرائط للمخيّمات
وتسبّب حفر الخندق الأوّل بخسائر مادية كبيرة للسكان، إذ أجبر "داعش" أصحاب الآليات الثقيلة، وهم من السكان المحليين، على الحفر بالسخرة، ومن دون حتى تقديم أي مقابل لأصحاب الأراضي التي تحوي مشاريعَ مكلفة للري الحديث، والتي تسببت خنادق التنظيم بتدمير عدد كبير منها، وفقاً للمصادر أنفسها. وقام داعش، بالتزامن مع إعداد التحصينات الدفاعية في محيط مدينة الباب، بحفر عدد كبير من الخنادق الصغيرة في محيط مدينة جرابلس وبلدة الراعي وعلى طريقي منبج حلب ومنبج جسر قراقوزاق. ويأتي ذلك، في سياق استعدادات التنظيم للدفاع عن مناطق سيطرته المقابلة للحدود التركية في ريف حلب، حيث "المنطقة الآمنة"، إذ زرع حقول ألغام على الجانب السوري من الحدود السورية التركية في مناطق سيطرته، وتحديداً في محيط بلدة الراعي ومدينة جرابلس الحدوديتين.
ويندرج هجوم "داعش" الأخير، منتصف أغسطس/ آب الماضي، على مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، والذي نتجت عنه سيطرة "داعش" على نحو عشر بلدات وقرى في محيط مدينة مارع الاستراتيجية، ضمن استعداداته للدفاع عن مناطق سيطرته، إذ أصبح التنظيم يسيطر على مناطق جديدة في ريف حلب الشمالي، وأهمها بلدات تلالين وحرب وأم حوش وتل مالد.
ولم يستبعد "داعش" احتمال اضطراره للانسحاب من المنطقة بكاملها، تحت ضغط إرادة جدية تركية ــ أميركية لدعم فصائل المعارضة، لتأسيس "المنطقة الآمنة"، إذ بدأ، بحسب ما روى شهود عيان لـ"العربي الجديد"، بنقل قطع التبديل والمعدات غير الضرورية من محطة تحويل كهرباء الراعي في ريف حلب. كما بدأ بنقل محطات تكرير النفط الصغيرة التي يملكها التنظيم في مناطق سيطرته في ريف حلب الشمالي.
وأوعز التنظيم بشكل متزامن مع عمليات النقل إلى مالكي محطات تكرير النفط الصغيرة من السكان في بلدة قباسين، شمال شرق مدينة الباب، بنقل خمسمئة محطة تكرير صغيرة يملكونها من محيط بلدة قباسين إلى بلدة مسكنة التي يسيطر عليها "داعش" في ريف حلب الشرقي، والتي تبعد عن الحدود التركية تسعين كيلومتراً، ما يجعلها بعيدة عن أي خطط لتنفيذ "منطقة آمنة" في ريف حلب.
اقرأ أيضاً سورية: "داعش" يسعى إلى إقامة "منطقة آمنة" من الأكراد