تكبد القطاع الزراعي في العراق خسائر باهظة، منها تدمير مساحات كبيرة من الأراضي، ونهب مخازن الحبوب والمحاصيل، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على العديد من المناطق الزراعية وتخريبها، وما ضاعف من الخسائر هي عمليات القصف الجوي للتحالف
التي دمرت بعض الأراضي الزراعية، ما أدى إلى تقليص المساحات المزروعة في البلاد.
وفقد هذا القطاع أي متابعة أو اهتمام من الدولة في المناطق المنكوبة، كما فقد الدعم المالي والتقني ومده بالآلات الحديثة، فباتت الزراعة في مرمى ثلاث "فوهات" هي: داعش، والفساد الحكومي، وضربات التحالف الدولي، حسب الخبير الاقتصادي العراقي محمود خليل، لـ"العربي الجديد".
وقال خليل إن "خسائر الزراعة بالدرجة الأولى جاءت من سرقة داعش مليارات الدولارات من المصارف الزراعية في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وبعض المناطق في الأنبار وغيرها، كما استولت على المحاصيل الزراعية، أبرزها الحبوب والشعير، وتقدرها وزارة الزراعة بمئات الآلاف من الأطنان من المخازن التي تسلمتها المحافظات، وقام التنظيم بالاستيلاء عليها عقب السيطرة على هذه المناطق، ونقلها إلى سورية، وكتابة اسم وشعار التنظيم عليها.
الفساد الحكومي
وأضاف خليل أن "الإهمال الحكومي والفساد المستشري في المؤسسات الزراعية منذ عدة سنوات، يعد أحد أركان انهيار هذا القطاع، فالعراق معروف عنه إمكانياته الزراعية الهائلة، حيث يعتبر في مقدمة الدول بهذا المجال في الوطن العربي، وكان يصدّر جميع المنتجات والمحاصيل إلى الخارج، والآن بات يستورد كل شيء حتى قوت المواطن اليومي من الخضروات مثل الطماطم والباذنجان والخيار والبصل والفواكه. وهذا الأمر يعتبر خطوة مدمرة لاقتصاد البلاد".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الزراعة تواجه كارثة حقيقية، بسبب طول أمد الحرب "التي تدمر الأخضر واليابس"، ما تسبب في خسارة العراق نحو 50% من مجمل الأراضي الزراعية التي تعتمد عليها، موضحاً أن أكبر المناطق المنتجة للقمح والشعير في العراق هي نينوى وجنوب غرب كركوك وصلاح الدين وديالى والأنبار، والتي تنتج ما يقدر 50% من الناتج المحلي للحبوب في البلاد".
وطالب خليل الحكومة العراقية والوزارات والمؤسسات بضرورة معالجة وسد نقص الأراضي التي خرجت عن الخطة الزراعية للعام الحالي، إلى جانب إعداد خارطة طريق جديدة بعيدة عن الفساد والروتين المعمول به في القطاعات الحكومة الزراعية، بهدف إعادة الحياة إلى القطاع الذي أصابه الشلل التام.
داعش يسرق الزراعة
وكان وزير الزراعة العراقي، فلاح زيدان، أكد في تصريحات سابقة، أن تنظيم داعش سرق
مليارات الدولارات من المصارف الزراعية في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك وعدد من المدن الأخرى، كانت وقتها المصارف تستعد لتوزيع منح وقروض مالية على المزارعين ضمن برنامج ترعاه الأمم المتحدة ويمول من عائدات النفط العراقي، كما سرق التنظيم آليات زراعية تابعة للدوائر الزراعية ومحتويات المخازن والمعدات الزراعية التابعة للوزارة أو الشركات الاستثمارية.
وأضاف زيدان أن القطاع الزراعي انهار في المناطق التي يسيطر عليها هذا التنظيم بشكل كامل، ولم يعد من يهتم بعلاج مشاكله وإعادته إلى وضعه الطبيعي.
وأوضح وزير الزراعة، أن الحكومة تسعى، بكل قوة، إلى إعمار هذا القطاع بعد طرد التنظيم من تلك المناطق، وهذا يحتاج إلى خطة لمعالجة ما تم تدميره من قبل التنظيم في مختلف القطاعات وليس الزراعة فقط، وهو ما يتم الإعداد له الآن.
المزارعون ضحية الحرب
وكان المزارعون الأكثر تضرراً من تدمير ونهب القطاع، حيث لحقت بهم خسائر كبيرة من جراء فقدانهم أجزاء كبيرة من أراضيهم وسرقة مخازنهم، كما عانوا من ضعف الدعم الحكومي.
وفي هذا الإطار، قال أحد مزارعي محافظة ديالى، عبدالرحمن التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الزراعة باتت مدمرة، ويعاني فلاحو المحافظة من تخريب آلياتهم الزراعية، بسبب الحرب بين داعش والحكومة والمليشيات، إلى جانب توقف معظم الفلاحين عن زراعة أراضيهم".
وأضاف التميمي "أن العراق بات يستورد كل شيء من الخضروات والفواكه من دول الجوار، ونحن حين نتناول تلك الخضروات نشعر وكأنها ألياف زراعية وليست خضروات، لأن المنتج العراقي معروف بطعمه ونكهته، في حين يستخدم مزارعو دول الجوار الأسمدة الزراعية في زيادة سرعة النمو والإنتاج، وهذا يفقد المحاصيل الزراعية المذاق الطبيعي".
من جهته، قال الخبير في مجال الزراعة العراقية، ماهر الخطيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الزراعة بعد عام 2003 لم تعمل بشكل جدي على تطوير هذا القطاع واستغلال الأراضي بالشكل الأمثل الصحيح، على الرغم من إطلاق الوزارة المبادرة الزراعية التي حاولت من خلالها دعم القطاع والنهوض به من جديد من خلال دعم الفلاح بقروض، لتنفيذ مشاريع في مختلف القطاعات الزراعية، إلا أن أغلب تلك المشاريع طالها الفساد ولم تسهم في رفع القدرة الإنتاجية لهذا المجال".
وشدّد على أن "القروض حين تمنح تستغل في غير المستهدف لها، لأن الفلاح يقدم طلب القرض بضمان الأرض أو عقد مع كفيل، وما أن يتسلم القرض يقوم المقترض بصرف المنح المالية للمشروع والمبلغ في غير مجال الزراعة.
أما المزارع عمر عبدالعزيز، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يعيش واحداً من أسوأ مراحله في التاريخ بالنسبة للزراعة، بسبب التداعيات الأمنية والحروب التي لا تتوقف منذ عام
تقريباً، لقد قمنا بتسويق آلاف الأطنان في "سايلوات" واستلمنا صكوكا بقيمة الحبوب المسوقة، ولكننا لم نتسلم تلك المبالغ حتى الآن، بسبب إيعاز وزارة التجارة العراقية بعدم صرف الصكوك لعدم حصولها على تلك الكميات، بعد استيلاء داعش على مخازن "سايلوات".
وأضاف عبدالعزيز خسائرنا كبيرة بعد استيلاء داعش على الآليات، وتصاعد المعارك العسكرية في مختلف أنحاء البلاد، وباتت مناطقنا تعيش أجواء حرب لا زراعة ولا حياة فيها، موضحاً أن المزارع العراقي خسر الأرض والناتج الزراعي خلال العام الحالي، وتحول المزارعون من منتجين إلى مستهلكين يشترون الخضروات المستوردة والفواكه، ما ينذر بكارثة زراعية إذا لم تدرس الحكومة الحالية واقع وتحديات المرحلة، وما تمر به الزراعة من أزمة حقيقية، لكي تضع حلولاً جذرية وعاجلة لإنقاذ ما تبقى من هذا القطاع.
اقرأ أيضاً: الحرب تحرق الزراعة العراقية