يوماً بعد آخر، تتكشّف فصول جديدة حول علاقات التنظيم، الذي أثار مخاوف كبيرة لدى السوريين والدول الغربية، (داعش)، مع النظام السوري، ودور بعض الأطراف والشخصيات التي تعاونت مع النظام من أجل تكثيف الحرب على قوات الجيش الحر وإحباط عمليات التقدم الذي كانت تحرزها قوات المعارضة السورية على الأرض.
فقد سارع شيخ قبيلة "بداوة" في سورية لتشكيل ما يسمى جيش "القبائل الإسلامي"، في الشهر الأول من العام الحالي، بهدف جعل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يستظل بعباءته في منطقة قصر ابن وردان، في ريف حماة الشمالي الشرقي.
وكان هدف الشيخ من تشكيل الجيش المذكور إيقاف محاولات ثوار العشائر وجبهة "ثوار سورية" في الجيش الحر لانتزاع مقر وسلاح التنظيم، وطردهم من تلك المنطقة، بذريعة أن أمير المنطقة، صدام الخليفة، ينتمي لعشيرة تابعة لقبيلته، وأنه بانضمام صدام للتشكيل الجديد، يكون قد انسلخ عن داعش، الأمر الذي أثار التساؤلات حول دور الشيخ المذكور في خدمة النظام السوري، ومَن يقف خلفه؟
تواطؤ الشيخ مع النظام وحلفائه
بعد جمعة العشائر، في يونيو/ حزيران 2011، رعى شيخ القبيلة اجتماعاً بين العشائر وضابط في القصر الجمهوري بهدف منع انخراط العشائر، شرقي معرة النعمان في إدلب، في الثورة.
واثر اقتحام مقار أمنية في إدلب، حصل الثوار على تسجيل صوتي مسرّب في عام 2012، يثبت تورط أقارب الشيخ باتصالات مع الضابط المسؤول في قوات النظام في منطقة وادي الضيف، إحدى الجبهات الساخنة والمستعصية على المعارضة في ريف إدلب.
وفي شهر يونيو/ حزيران 2013، أعلن عضو مجلس الشعب وشيخ عشيرة بني عز، أحمد مبارك الدرويش، العداء العلني للثوار بظهوره على قناة "الدنيا" الموالية للنظام، فيما تسرّبت أنباء عن توجّه العقيد ذائع الصيت في قوات النظام، سهيل الحسن، لاقتحام المنطقة وصولاً إلى سراقب.
وتدوالت الأنباء تأمين الدرويش أعواناً للحسن لمساندته في حال تمت العملية، فثارت ثائرة قوى المعارضة العشائرية عليه، وتداعت تلك القوى ووجهاء المنطقة للرد وإعلان الحرب عليه.
وذهب رجال الدين والوجهاء إلى شيخ القبيلة، لمطالبته بإعلان الحرب على الدرويش، لكن الشيخ رفض وبقي خارج الحدث، بحسب أعضاء من الوفد.
مجزرة المدمومة
في قرية المدمومة بتاريخ 26 أغسطس/ آب 2013، في ريف معرة النعمان الشرقي، ارتكبت مجزرة راح ضحيتها 18 مدنياً، بينهم 5 أطفال وامرأتان، وذلك عقب ارتكاب النظام السوري لمجزرة الكيماوي الشهيرة في غوطة دمشق بتاريخ 21 أغسطس بـ5 أيام.
وبتاريخ 25 آب 2013، انطلقت سيارات تحمل شعارات إسلامية من بيت ذلك الشيخ سالكة الطريق المؤدي إلى جرجناز، في ريف معرة النعمان الشرقي، وأكدت مصادر خاصة أنها تابعة لحركة "أحرار الشام" الإسلامية.
وفي صباح اليوم التالي، ارتكبت المجزرة التي اهتزت على أثرها المنطقة، وذلك عقب تسلّل أرتال من المقاتلين تبيّن من خلال عدد من الدلائل تبعيتهم لحركة "أحرار الشام" التي أنكرت ارتكاب المجزرة في البداية، لكنها عادت واعترفت بارتكاب فصائل منها للجريمة.
نشأة "داعش" ودوره المشبوه
دخل "داعش" إلى سورية كتنظيم بعد ضم "جبهة النصرة" إليه في 9/4/2013. وبإعلان أبو بكر البغدادي عن دمج "جبهة النصرة" مع "دولة العراق الإسلامية"، تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بدأ نفوذ التنظيم يتوسّع في الداخل السوري يوماً بعد يوم.
وتمركز "داعش" شمالاً وشرقاً، واتخذ لنفسه مواقع سيطرت عليها قوات المعارضة سابقاً، "رافعاً راية الدين الإسلامي وتطبيق الشريعة"، واشترك في بعض المعارك، لكن دوره بدأت تشوبه الكثير من الشكوك.
ويقول العميد الركن المنشق، أحمد رحال، إن "داعش سيطر على المناطق الحدودية فقط، وظهر في المناطق التي غاب عنها النظام، وهو أمر يثير الكثير من الشكوك، وانكفأ عن قتال النظام ودخل في حياة السوريين".
وفي جبل التركمان الساحلي، يوضح رحال أن "داعش أخذ مواقع مقابلة للنظام، سواء في نبع المر أو كفرنجل وبعض المواقع الأخرى، وأن هذه المواقع لم تُهاجم أبداً من النظام بعد وضع يد داعش عليها".
ويؤكد أن كل "المناطق الحساسة التي يحتاجها النظام كانت تقع بيد ذلك الفصيل بقدرة قادر، وخصوصاً أهم 14 بئر نفط، إذ يتم تهريب البترول للنظام وضخه له بشكل معروف للجميع".
ويشير إلى أن "محاربة داعش للنشطاء الإعلاميين في حلب ودير الزور وإدلب والساحل، أمثال طارق شيخو، وقتلهم، تعتبر أكبر دليل أنهم يحاربون لمصلحة النظام، لما كان لأولئك النشطاء من دور في فضح ممارسات النظام للعالم".
النظام و"داعش" يتعاونان ضد الحر
من جهته، يقول ضابط منشق من هيئة الأركان، رفض الكشف عن اسمه، إن "دعم النظام لداعش ظهر بشكل واضح في أكثر من موقف، خصوصاً خلال الشهرين الماضيين أثناء قتال الجيش الحر لها، إذ قام النظام بقصف مدينة الباب بأكثر من 40 برميلاً متفجراً من الطيران المروحي تمهيداً لسيطرة داعش عليها".
ويضيف أن "أكثر المناطق استقراراً حالياً هي التي تسيطر عليها داعش، إذ لا يتم استهدافها من قوات النظام".
ويؤكد الضابط أن "مهمة داعش تكمن في إفشال أي عمل للجيش الحر، وهي تقطع حالياً طرق إمداد المنطقة الشمالية عن المنطقة الجنوبية، وذلك بسيطرتها على الريف الشرقي لمنطقة سلمية، في محافظة حماة، حيث يتمركز نحو 1700 مهاجر من مقاتليها في جبال البلعاس وناحية عقيربات وسوحا، وتسيطر على آبار النفط في شاعر أيضاً وصولاً للرقة".
اقتتال وهمي بين "داعش" والنظام
بدوره، يقول ضابط آخر يعمل ضمن هيئة أركان الجيش الحر، رفض أيضاً الكشف عن اسمه، إن هناك "اتفاقاً بين قوات النظام وداعش على افتعال معارك وهمية، كما حدث في معركة الحمراء التي هاجمت فيها داعش حاجز الخرسان والمستودعات واللواء 66 في ريف حماة، في سبتمبر/ أيلول الماضي".
ويوضح الضابط أن "ما حصل في مطار منغ من تأمين انسحاب داعش لنحو 60 عنصراً من قوات النظام باتجاه عفرين مع 7 دبابات تي 72، يضع عليها الكثير من إشارات الاستفهام".
ويشير إلى أن "انتصارات داعش الوهمية تتكرر، وكان آخرها قبل أسبوعين بالسيطرة على حاجز العمية من قبل قوات صدام الخليفة، أمير داعش في قصر ابن وردان، والذي وضع الشيخ عباءته عليه، إذ سيطر على ذلك الحاجز بثلاث طلقات فقط، واستولى داعش فيها على دبابتين"، ويتساءل: "لماذا يُكتب لمعارك داعش كل هذا النجاح، بينما يقتل عناصر الجيش الحر، ويخسرون الكثير في معاركهم دائماً؟".
عباءته ترتديها المعارضة أيضاً
وما أثار الاستغراب في قصة الشيخ، أن المعارضة تعتبره ممثلاً لقبيلته في مؤسساتها، ويتلقى دعماً وإعانات باسم تلك المنطقة، ويلاحظ تنقل الشيخ لحضور مؤتمرات المعارضة، إذ شارك في المؤتمر التشاوري في قرطبة أواخر 2013 حاجزاً مقعده الذي حمل الرقم 189 فيه.
وكان أمر الشيخ مثيراً للاستغرب بشكل أكبر، قبل أن تبيّن لنا مصادر خاصة على إطلاع بالتحضير لمؤتمر قرطبة من طرف الدول الراعية، أن مَن قام بشطب اسم منافسي الشيخ ضمن القبيلة نفسها وجرى إبعادهم عن تمثيل القبيلة في المؤتمرات والمحافل الدولية، هي استخبارات دولية، إذ بقي الشيخ منفرداً كممثل وحيد لقبيلته.