يمثل أحمد حلمي حالة استثنائية في السينما المصرية خلال العقدين الأخيرين. فمنذ أواخر التسعينيات، تناوب عدد من الكوميديانات على قمة الإيرادات. ولم تطل دورة نجومية أي منهم أكثر من 5 سنوات، قبل أن يبدأ بالأفول؛ أشهر مثالين هما محمد هنيدي وسعد، ولاحقاً أحمد مكي. إلا أن حلمي كان الاستثناء الوحيد؛ تصاعدت نجوميته ببطء، ومنذ عام 2007 أصبح النجم الأهم في السينما المصرية، إذْ يمثل وجوده علامة للجودة والنجاح معاً.
نتيجة كارثيّة
إلا أن هذا الأمر بدأ يهتز في السنوات الأخيرة بأفلام أقل جودة، مثل "صنع في مصر" (2014)، و"لف ودوران" (2016) الذي لم تمنع إيراداته الكبيرة الاتفاق على مستواه الضعيف، لدرجة أن حلمي نفسه أعلن عدم رضاه عنه. الترقّبٌ والحماسة لفيلم "خيال مآته" كان كبيرًا، لأنه أول فيلم للنجم المحبوب منذ 3 سنوات، ويتعاون فيه مع كاتب من مستوى عبد الرحيم كمال، ومخرج جيد مثل خالد مرعي. وبالتأكيد سيحاول حلمي في "خيال مآته" معالجة كل مشاكل أفلامه الأخيرة، ليعود لقمة الإيرادات، وسط منافسة أشرس من أي وقت سابق. إلا أن أيا من هذا لم يحدث، والنتيجة كانت كارثية على المستويين الفني والتجاري.
افتراضات غير منطقية
للوهلة الأولى بدا الفيلم مختلفاً. فهو يبدأ في الستينيات، وحكاية عن "يَكن" الذي يقرر سرقة "بروش" السيدة أم كلثوم كي يعطيه هدية لحبيبته. وبعد نجاح السرقة، يقرر عوضاً عن ذلك الانضمام لمؤسسة إجرامية تسمى "الكيان"، ويكون جواز مروره هو إعطاؤهم "البروش" الثمين. يحدث ذلك في دقائق الفيلم الأولى، ورغم أن تلك المقدمة المبسطة تمتلئ بالفراغات وعلامات الاستفهام أو الافتراضات غير المنطقية، ورغم أن مشهد عملية السرقة نفسه سريع وساذج تماماً، إلا أن المقدمة الخيالية تنبئ بنبتة مختلفة. خصوصاً حين ننتقل 50 عاماً بالزمن لوقتنا الحالي، ونرى أعضاء تلك المؤسسة الإجرامية وهم مجموعة من العجائز يؤدي أدوارهم عبد الرحمن أبو زهرة ورشوان توفيق وإنعام سالوسة ولطفي لبيب، يتجادلون مع خامسهم "يكن" (الذي يؤدي دوره حلمي بمكياج متقن) عن بيع "البروش" مقابل ملايين الدولارات، وتبدو الأجواء كلها مُبشرة لأفكار كوميدية طازجة.
Facebook Post |
لَيّ عنق المنطق
لكن الفيلم لم يكتفِ بعدم استغلال الفكرة الطازجة على السينما المصرية والمتمثّلة في مؤسسة إجرامية لمجموعة من العجائز الذين تجاوزوا السبعين. إذْ ظل مستمراً في الشكل الهزلي والافتراضات غير المنطقية في كل شيء بعد ذلك! لا نفهم سبب رفض "يكن" لبيع البروش، إذا كانت المؤسسة بالكامل تقوم على بيع المسروقات النادرة، ولا نفهم شكل حياته وتصالح الجميع مع فكرة أنه لص، ولماذا تخدمه السكرتيرة "آسيا" (تقوم بدورها منة شلبي في أحد أضعف أدوار مسيرتها) بهذا الإخلاص والتفاني! قبل أن تلوي القصة عنق المنطق أكثر، حين يقرر "يكن" الاستعانة بصديق قديم لتزوير "البروش"، فنجد أن هذا الصديق توقفت ذاكرته عند يوم السرقة القديم في الستينيات. ويزداد الالتواء والافتعال أكثر فأكثر، حين نُدرك أن حبكة الفيلم الرئيسية هي لجوء "يكن" لابن شقيقته "زيزو" (حلمي في سن صغير)، كي يمثل دوره ويعيد تجسيد واقعة السرقة مع الصديق كأننا في الستينيات. لماذا لم يستعن "يكن" بأي مزوّر آخر؟ لماذا توقفت ذاكرة الصديق عند يوم السرقة تحديداً؟ لماذا الأحداث بطيئة ومملة إلى هذا الحد؟ لماذا لم يتم استغلال أي شخصيات أخرى سوى حلمي الشاب وهو يجلس مع حلمي العجوز، وهما يتبادلان نكات غير مضحكة وبأفكار قديمة للغاية؟ أسئلة لا أجوبة منطقية عنها في الفيلم.
فيلم تائه
في صورة أوسع، ما هو الهدف الأساسي من الفيلم؟ الفيلم تائه تماماً في تحديد أولوياته. لا يصلح كفيلم جريمة لأن كل التفاصيل مفتعلة وتخالف أي منطق، ولا كفيلم درامي لأن الشخصيات كرتونية للغاية، ولا نفهم تصرفات أو أهداف أي منهم، حتى "يكن" و"زيزو" نفسيهما، ولا كفيلم رومانسي، لأن العلاقة التي تجمع "زيزو" و"آسيا" مكررة جداً، وتشابه كل أفلام حلمي السابقة، مع فارق انعدام المواقف والكيمياء بينه وبين منة شلبي في تلك المرة. ما يتبقى إذن هو أن يكون الفيلم، كما في تصنيفه الأساسي، كوميدياً، وبالتالي يمكن تحمّل وتقبل كل هذا الهزل في القصة. وهنا نصل لدرجة الفشل الأعلى، وهو أن الفيلم ثقيل للغاية وغير مضحك على الإطلاق، وبشبه إجماع من قبل الجمهور. وهو أمر له سبب فني أيضاً، يتمثل في أن كل الأفكار والمواقف والشخصيات الكوميدية فيه قديمة ومأخوذة من أفلام أخرى لحلمي نفسه؛ فشخصية "القيصر"، تبدو امتداداً لشخصية خالد الصاوي في فيلم "ظرف طارق" (2006)، ومواقف الكوميديا الرومانسية معادة من أغلب أفلامه، وأقربها لما يحدث هنا هو "زكي شان" (2005). وشخصية العجوز البخيل، وبعيداً عن كونها مكررة بطول تاريخ السينما، فهي نسخة من شخصية حسن حسني في فيلم "جعلتني مجرماً" (2006)، وبالطبع شخصية "زيزو" كنسخة باهتة وبلا طعم أو هدف من شخصيات عديدة أداها حلمي، وأقربها أيضاً هو "مطب صناعي" (2007). مع كل هذا، فالفيلم لم يكن مضحكاً بأي قدر، وبالتالي لا يوجد حتى ما يقلل من مشاكله الفادحة.