"خطأ" أميركي لتطويق تركيا

25 أكتوبر 2014

أوباما وأردوغان في قمة "الناتو" في ويلز (سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
عن طريق "الخطأ"، سقطت بعض أسلحة كانت تلقيها القوات الجوية الأميركية للمقاتلين الأكراد في عين العرب بين أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). عن طريق "الخطأ" استفاد التنظيم من نوعية جيدة من الأسلحة، ستفيده، حكماً، في محاولة السيطرة على المدينة. لم يكن "الخطأ" الأول من نوعه للأميركيين، أو لغيرهم في مختلف أنحاء العالم. فالخطأ، في هذه الحالة، فعل ثابت لا يتغيّر، مهما تغيّرت الظروف والمعطيات. والخطأ الأميركي في عين العرب يبقى جسيماً لحراجة المرحلة التي يمرّ بها المقاتلون الأكراد. وأي تفصيل، مهما كان تافهاً، سيؤثر على سير العمليات برمّتها، لدقة المواجهة هناك.
لم يكن "الخطأ" مجرّد هفوة بسيطة. في الإجمال، تكمن وظيفة "الخطأ" في تأدية دور سياسي وميداني معاً، للضغط في اتجاه وجهة سياسية محددة. وسقوط أسلحة أميركية بين أيدي "داعش" قد يدفع الأتراك إلى إبداء مزيد من المرونة في موضوع مساعدة أكراد عين العرب، بحسب الأميركيين. "اليانكيز" كانوا صريحين في هذا الصدد. ليست عين العرب استراتيجية بالنسبة إليهم كأميركيين. ليست أربيل. لكنها يُمكن أن تكون ورقة بديلة عن جبل سنجار الأيزيدي العراقي، لجعل أنقرة تخضع أكثر لما هو مجرّد تحريك طائرات قاعدة إنجيرليك وتسهيلها.
ويُسجل "الخطأ" الأميركي في وقتٍ "مناسب"، لجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يغضب. لم يشأ الردّ على الأميركيين بأكثر من شنّ بضع غارات على مواقع حزب العمال الكردستاني، والموافقة على عبور 200 عنصر من قوات "البشمركة" الكردية العراقية إلى عين العرب. يفصل أردوغان بين أكراد تركيا وأكراد العراق وأكراد سورية. ليسوا جميعهم أكراداً، بل هم أتراك وعراقيون وسوريون. وعلى هذا الأساس، يتعامل معهم، كي يؤكد "دفنه" أي فكرة استقلالية، قد تراود أكراد الشرق الأوسط.
وظيفة "الخطأ" في المرحلة الجديدة هي توجيه العلاقة الأميركية ـ التركية التي تمرّ بأكثر لحظاتها حساسية. فتركيا تبقى بالنسبة للأميركيين "مفسدة الحفلات"، خصوصاً في أثناء حربي العراق 1991 و2003، وكانت لها محطات عرقلت، أو أزعجت، فيها الحراك الأميركي. وها هي تجدّد "الخطأ" عينه بالنسبة إلى واشنطن، و"الخطأ" يُقابل بـ"الخطأ". ربما هو قدر أنقرة أن تجد نفسها دوماً وجهاً لوجه أمام "حليفها" الأميركي، تحديداً في ملفٍ يتعلق بحدودها، من العراق إلى سورية، وحتى جورجيا، في أثناء الحرب الروسية عليها في أغسطس/آب 2008.
ومع أن أردوغان لم يواجه "الخطأ" في عين العرب باستكانة، بل رفع سقفه، معتبراً أن "الخطأ أميركي بالدرجة الأولى". وبطريقة أوضح "لن تستطيعون النيل مني، ورؤيتي لعين العرب ستتحقق"، في ظلّ تأكيده على أنه تمّ إجلاء المدنيين من المدينة، وأن ما يجري هناك هو قتال بين فئات مسلّحة. يريد الرجل أشياء عدة من عين العرب، لكنه، بالتأكيد، لا يريد تفوّقاً أميركياً هناك.
بالنسبة للأميركيين، يفتح خطأهم هذا الأبواب أمام "أخطاء" أخرى مماثلة. ميدانياً، وفي مناطق باتت متداخلة عسكرياً، لا يمكنك توقع وصول كل الأسلحة إلى طرف واحد في النزاع. ويُمكن للأميركيين التحرّك على مستويين هنا: إفهامنا بأنهم لا يستطيعون فعل أكثر من ذلك، وهم يحتاجون دوراً تركياً أكثر فعالية في مساعدة المقاتلين الأكراد، أو التوقف عن إلقاء الأسلحة جواً، لكي لا يصل بعضها إلى "داعش"، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية خسارة مؤلمة للمقاتلين الأكراد في عين العرب.
لم يصل "الخطأ" بعد إلى حدّ "نيران صديقة"، كما حصل مع السفينة الأميركية ليبرتي، التي قصفتها مقاتلات إسرائيلية في 1967، لكن الأميركيين اعتادوا عدم التراجع في أي قرار، وإن تعددت تكتيكاتهم، فالاستراتيجية واحدة. وبالنسبة إلى البيت الأبيض، فهو يقوم بدوره "كما يجب"، والآن، على الأتراك القيام بدورهم كما يجب أيضاً.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".