في رواياته ينحاز الكاتب الهندي أميتاب غوش (1956) إلى الطبيعة، إنه أحد القلة الذين كتبوا أعمالًا سردية أخاذة عن التغيّر المناخي وعلاقة الإنسان بالبيئة، ومن وراء سُحب الدخان المتراكمة كتب روايته "الخلل الكبير"، وعن البيئة والأدب كوسيلة للدفاع عنها والمقاومة بالعموم يقول "عصرنا كان الوقت الذي انجذبت فيه معظم أشكال الفن والأدب إلى أنماط التخفي التي منعت الناس من التعرف على واقع محنتهم".
أما الروائي البريطاني النرويجي تشاينا مييفيل (1980) فهو واحد من أكثر الكتّاب إبداعًا في الخيال العلمي، وأنتج باستمرار عوالم معقدة وغنية بالسرد تتجنّب الاتجاهات الأدبية الشائعة، بل إنه يسخر منها. يصنّف مييفيل رواياته على أنها أدب الواقعية الرأسمالية، أي "الشعور السائد بأن الرأسمالية ليست فقط النظام السياسي والاقتصادي الوحيد القابل للحياة، ولكن أيضًا أنها من المستحيل الآن حتى تخيّل بديل متماسك لها"، معتبرًا أن الأدب يمكنه أن يتخيّل واقعًا بديلًا.
من نماذج مثل أميتاب غوش وتشاينا مييفيل يستند الباحث والناقد الأدبي ماثيو هارت في كتابه الجديد "خارج الحدود الإقليمية: جغرافيا سياسية للرواية المعاصرة" (مشورات جامعة كولومبيا) ليؤكّد الأدب العالمي المقبل سيكون في أماكن خارج الحدود المألوفة.
يشرح هارت ما يحدث عندما يحلم الكتّاب بعالم مفتوح ومترابط، ثم يواجهون حقيقة الحدود المرنة ولكنها عنيدة. يقدم نظرية في الأدب تركز على روايات صدرت في الألفية الثالثة وأرضها ليست بلاداً واقعية.
الجغرافيا الروائية لن تكون مستقبلاً متعلقة بالوطن ولا بالمنفى
بدأت فكرة الكتاب كما يقول المؤلف، عندما بدأ يجري دراسة مستقلة عن الكاتب الألماني دبليو. جي سيبالد (1944-1972)، الذي استخدم فيها هذه الكلمة الغريبة "خارج الحدود الإقليمية" والتي جسدت في جميع قصص ومقالات سيبالد الشخصيات التي تبدو في البداية بلا مأوى في الواقع لكنها مرتبطة بمكان ما خارج حدود هذا الواقع.
وبعد الدراسة، قرأ الكاتب رواية الياباني كازو إيشيغورو "عندما كنا أيتامًا" والتي تدور أحداثها في مستوطنة شنغهاي خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. كان ذلك مكانًا غريبًا ومثيرًا للاهتمام حقًا، وكان النظام الدولي بأكمله في شنغهاي مدعومًا بنظام الولاية القضائية خارج الإقليم. يقول هارت: "دفعتني الرواية إلى قراءة اثنين من الكتاب المعاصرين الرئيسيين، كلاهما مهووس بالحدود الإقليمية، والتي لم تكن مجرّد استعارة معقدة للنفي، ولكنها تقنية سياسية وقانونية أساسية في صنع العالم الحديث" وهذان هما أميتاب غوش وتشاينا مييفيل. كذلك يدرس الكتاب هيلاري مانتيل وجي. جي بالارد.
إحدى الفرضيات الأساسية لكتاب "خارج الحدود الإقليمية" هو أننا نميل إلى تشويه صورة العولمة باعتبارها أزمة للدولة القومية. يبدو الأمر أن كل خطوة نحو مجتمع أكثر انفتاحًا تساوي خسارة الهوية الوطنية أو سيادة الدولة.
ويقول هاتر إنه عندما تدرس مساحات مثل المدن الدولية أو المطارات أو المناطق الاقتصادية الخاصة - الأماكن التي يتم فيها إنشاء الفضاء "العالمي" من خلال الأدب - عندها تصبح رؤية الجغرافيا السياسية للحاضر أسهل بكثير. يعتقد هارت أن الروائيين والفنانين المعاصرين قد عرفوا هذا منذ فترة، ووظيفة هذا الكتاب إظهار لماذا وكيف حدث ذلك، وكيف أن الجغرافيا الروائية في المستقبل لن تكون متعلقة بمكان بمعنى الوطن ولا بمعنى المنفى، بل إنها مكان من نوع جديد خارج حدود الأمكنة كما ألفناها.