"حياة" لحماية النساء

06 مايو 2015
قسم الملتقى الأسري يجمع أفراد العائلة (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -

تروي تفاصيل قصتها المؤلمة، ولا تذرف الدمع. المأساة التي خبرتها أنهكت روحها لدرجة أن منابع دمعها جفّت وتجمّدت مشاعرها. فيوم خرجت منى (اسم مستعار) من بيت أهلها إلى بيت زوجها، ظنّت أن حياة وردية في انتظارها من دون ضرب ولا شتائم ولا جنازير معلقة حول رقبتها ومعصمَيها.

ومنى التي لم تُكمل عامها العشرين بعد، كان أبوها قد قدّمها هدية لابن عمها. حينها اعتقد أن صراخها بات مصدر إزعاج له، أو ربما تعب من تكسير عصي المكنسة على ظهر ابنته التي كان يحبسها في غرفة مظلمة من دون طعام ولا شراب. تقول: "كأنني كنت مجرمة حرب. لذا اعتقدت أنني بالزواج أهرب من كل ذلك العنف الجسدي واللفظي الذي كنت أتعرّض له. لم أعرف أنني أدخل جحيماً جديداً".

وهي تسرد فصول معاناتها، تتذكر عندما كانت في السابعة من عمرها وعلقتها والدتها على باب المنزل. تتنهّد قبل أن تكمل: "في ذلك الوقت كنت أعتقد أنها لعبة. لم أدرك حقيقة الأمر إلا حين بدأ الدم يسيل من أنفي ووجهي".

من جهته، أطاح زوجها بكل أحلامها الوردية. تعرّضت على يده إلى الضرب المبرح الذي جعلها تنزف مرات عدة. لكن الأمر لم يتوقّف هنا. فقد راح شقيقه يتحرّش بها، "وعندما كنت أشكو لزوجي ذلك، كان يضربني. وكنت أخشى إخبار والدَي، لأنهما كانا سيحبسانني من جديد".

منى ليست حالة معزولة في قطاع غزّة، فكثيرات هنّ النساء اللواتي يتعرّضن للعنف الأسري هنا. لذا كانت مبادرة من قبل بعض المؤسسات النسوية العاملة في القطاع، لإيجاد حلول تضمن للمرأة حقوقها ومكانتها في المجتمع. وقد أثمرت هذه الجهود "مشروع مركز حياة لحماية وتمكين النساء والعائلات" الذي أخذ على عاتقه حماية النساء المعنفات وتمكينهن بمساعدة متخصصين في الإرشاد النفسي والاجتماعي، وكذلك محاولة مصالحة أفراد الأسرة قبل أن يقع الطلاق.

تقول منسقة مشروع مركز "حياة" تهاني قاسم إن هذا المشروع انبثق عن مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة، بعد تسجيل ارتفاع كبير في جرائم قتل النساء وفي عدد اللواتي يتعرضن للعنف. رأينا أنه من الملحّ إنشاء مركز خاص لحماية النساء". والمركز بحسب ما تشرح قاسم، يستهدف النساء اللواتي يعانين من العنف الأسري بمختلف أشكاله، بالإضافة إلى النساء المهددات بالخطر. وهؤلاء يفترض استقبالهن في قسم المبيت، لكن الأمر ما زال غير ممكن اليوم، والمركز يفتح أبوابه أمام هؤلاء لغاية الساعة السابعة مساءً فقط.

ولأن هدف المركز هو تمكين هؤلاء النساء وحمايتهن إلى جانب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، تتحدّث قاسم عن مشاريع صغيرة يعملن عليها في المركز ليصبحن قادرات على مساعدة أنفسهن وأسرهن.

وتوضح أن المركز يعمل على حلّ مشكلات هؤلاء من خلال التعامل مع محيط الأسرة، مشيرة إلى أن المجتمع يتقبّل دور المؤسسات في تقديم خدمة الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين. وقد نجح المركز بالفعل في حالات عدّة، بالتوصل إلى حلّ ودي بين طرفَي النزاع من دون حاجة إلى اللجوء إلى المحاكم القانونية التي تستلزم عادة وقتاً كبيراً.

من جهتها، توضح الاختصاصية الاجتماعية وفاء عيد أن "أكثر القضايا التي نعمل عليها هي لنساء بحاجة إلى حماية. ومنذ بداية العام الجاري 2015، ازدادت نسبة اللواتي يقصدن المركز الضعفَين". وتشرح أن قسم الدعم النفسي والاجتماعي يستقبل النساء المعنفات، ويحاول التخفيف من الضغوطات التي يتعرضن لها من خلال العلاجات النفسية المناسبة. أما القسم القانوني فيوكّل لهنّ محامين لمتابعة المسائل القانونية في ما يتعلق بالنفقة أو الحضانة. إلى ذلك، استطاع المركز بقرار من المحكمة أن يكون مساحة يلتقي بها الآباء بأطفالهم، من خلال قسم الملتقى الأسري.

قسم المبيت ضرورة ملحّة

في مركز حياة لحماية وتمكين النساء والعائلات، أربعة أقسام هي: قسم الدعم النفسي والاجتماعي وقسم المساعدة القانونية وقسم الملتقى الأسري وقسم المبيت. لكن الإشارة تجدر إلى أن الأخير لم يحصل بعد على ترخيص للعمل منذ افتتاح المركز في عام 2011. وتوضح منسقة المشروع تهاني قاسم، أن عدم تفعيل هذا القسم، أدى إلى سجن عدد من النساء مع أطفالهن. وتكشف أن نحو ثمانية أطفال يعيشون في السجن إلى جانب أمهاتهن.
المساهمون