"حنانيكم"

08 ابريل 2016
جميعاً كنا نبحث عن نصر تملؤه الهزيمة (Getty)
+ الخط -

خمس سنوات أو أكثر من النقاشات والسجالات حول جدوى الثورات العربية، خسرنا بسببها أصدقاء وزملاء وأقارب، واكتسبنا خلالها قناعات وصداقات ومعارف.

كنت في بداية الثورة متحمساً للنقاش حول جدواها وأسبابها ومآلاتها مع آخرين ربما يغضبهم رأيي أو يرفضونه، كنت حريصاً وقتها على مناقشة هؤلاء تحديداً. كنت أرى أنني مضطر لذلك لأن البعض لا يدرك الواقع، أو يرغب في تجاهله أملاً أن تستمر الحياة التي اعتادها على وتيرتها القائمة.

لا شك أن البعض يكره التغيير، كما أن البعض يخافه ويحرص على بقاء الأوضاع على ما هي عليه، مهما كانت سيئة أو قبيحة.

أتذكر الآن الخلاف الذي ظل دائراً لشهور طويلة بيني وبين أصدقاء في عدة دول عربية، أضحك أحياناً، وأتجهم كثيراً، لا أندم لحظة على مواقفي، ولو عاد الزمان لكان رأيي وكانت انحيازاتي هي نفسها.

لست مصلحاً ولا ملاكاً، ولا هم أيضاً شياطين، وربما كنت طرفاً في الأزمة لمرات، لكني أصبحت أكره ما وصلنا إليه، فبدلاً من التفرغ لأداء مهمتنا في البناء وزيادة الوعي وإسعاد الآخرين، تفرغنا للتنابذ والتصارع، ظناً أن جولة يربحها أحدنا تجعله الأفضل.

أحياناً أحدث نفسي قائلاً إن أحداً منا لم يحتكم إلى العقل والمنطق، ولا أحد منا وضع الأمور في نصابها الصحيح، وإننا جميعا كنا نبحث عن بطولة زائفة أو نصر تملؤه الهزيمة.

ثم أعود لنفسي مجدداً لمناقشة القناعات والمبادئ، وضرورة الانحياز إلى الحق والخير والعدل، وخطورة غياب الوعي عن أشخاص كنا نسير على دربهم.

أحزن كثيراً أني، ومثلي كثيرون، ضيعنا وقتاً طويلاً في الصراع، ومنذ فترة أتردد في الكتابة عن تلك الأزمة مع الأصدقاء التي وجدت نفسي داخلها، اليوم فقط امتلكت الجرأة لأقول لهم "حنانيكم" فكلنا خاسرون.

يقول صديق دائماً إن خسارة هؤلاء خير بلا شك، ويكرر أن هؤلاء لم يكونوا أصدقاء بالأساس. وأن المبادئ أهم من الصداقة.

ربما لديه حق، لكن ماذا لو أن الآخرين يقولون عنا نفس الكلام، ويتهموننا بنفس ما نتهمهم به.
قبل ثلاثة أعوام كنا كفريق انحاز للثورات، نعيش زهوة انتصار فكرتنا، وكان المختلفون معنا يتجرعون مرارة هزيمة أطروحاتهم الرافضة للتغيير، لم يكد يمر عام حتى تبدل الوضع تماماً بعدما تسيدت الثورة المضادة في بلدان الربيع العربي، وأصبحت أطروحاتهم هي الغالبة، وبات نصرنا السابق مجرد ذكرى نتجرع مرارتها.

لم يمر وقت طويل حتى تغير الوضع مجدداً، فنصرهم المزعوم بات ظاهراً أنه زائف، وبلدان الربيع العربي عادت لتغلي من جديد. وأطروحة الاستقرار التي روجوها أصبحت لغواً. لكنهم ينكرون.

عدنا مجدداً للسجال.


المساهمون