أجواء التفاؤل بعلاقة أفضل بين "حماس" ومصر برزت مع تصريحات نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، الذي التقى مسؤولي جهاز الاستخبارات المصرية أخيراً. مع العلم أن هنية مرشح لأنّ يقود المكتب السياسي لحركته بعد الانتخابات الداخلية التي انطلقت خلال شهر يناير/كانون الثاني الحالي والمتوقع أن تنتهي في شهر مارس/آذار المقبل.
وأكد هنية، الذي عاد إلى غزة عبر مصر بعد إقامة في قطر لخمسة أشهر، أنّ حركته ستستمر في تطوير وتعزيز العلاقة مع مصر، و"أنه سوف ننتقل بها نقلات نوعية للأمام". ووصف لقاءاته في مصر وزيارته لها بـ"الناجحة، والتي كشفت مجدداً طبيعة العلاقة الاستراتيجية "مع الأشقاء في مصر".
وعلى الرغم من أجواء التفاؤل الحالية، إلا أنّ الحذّر سيد الموقف، إذ إن لقاءات عدة جرت سابقاً بين الطرفين ولم ينتج عنها الكثير من التسهيلات على الأرض من جانب القاهرة، والتي يربط الغزيون بينها وبين نجاح تطور العلاقة بين "حماس" ومصر.
ويؤكد المتحدث باسم حركة "حماس"، حازم قاسم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مساحات التفاهم المشترك بين الطرفين ازدادت، ويشير إلى أن حركته "لمست تفهماً مصرياً للأوضاع في القطاع، وتم الاتفاق على عقد لقاءات جديدة بين الجانبين لبحث تفاصيل تطوير العلاقة والتخفيف عن قطاع غزة". ويلفت قاسم إلى أنّ "لقاءات هنية الأخيرة في مصر محطة جديدة في مشوار تطوير العلاقات بين حماس والأشقاء في مصر"، موضحاً أنّ اللقاءات بُنيت على نتائج حوارات سابقة، كانت صريحة وشفافة.
يقول قاسم إنّ "الأشقاء في مصر ركزوا في اللقاءات الأخيرة على النقاط التي يمكن الالتقاء حولها، وعرضوا رؤية جدية وجديدة للتعامل مع قطاع غزة، وفيما لو تمت فستعود بنتائج ايجابية على الجانبين". ويشدد قاسم على أنّ "هناك اتساعاً في حجم المشترك من التوافقات، وتفهم المصالح المشتركة لكل طرف". كما يلفت إلى أن "حماس" شرحت موقفها من القضايا التي تهم القضية الفلسطينية، وأكدّت على ضرورة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، ودور مصر في هذه القضية الهامة. ووفقاً لقاسم أكدّت "حماس"، على ضرورة أنّ تعمل مصر على عدم السماح للاحتلال الإسرائيلي بابتزاز الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة.
وعلى الصعيد الأمني، يشير المتحدث باسم "حماس" إلى أنّ حركته أكدّت موقفها الثابت من حرصها على الأمن المشترك للجانبين، وأنه لا يمكن أنّ يكون لديها ما يؤثر على الأمن القومي المصري، وأنّ كل الوقائع على الأرض لم تثبت في يوم من الأيام أنّ للحركة تدخلاً في الشأن المصري، وأنّ كل الاتهامات لم تصمد أمام حقيقة الواقع والوقائع.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي في غزة، تيسير محيسن، أنّ الحكم على مخرجات اللقاءات التي حصلت بين الجانبين لن يكون إلا من خلال الوقائع العملية، والتي ستتضح خلال الأيام المقبلة على أرض الواقع. ويقول محيسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "السلطات المصرية كان لها مجموعة من المطالب في جوانب مختلفة كان أبرزها الجانب الأمني والذي يعتبر خطاً أحمر بالنسبة لحركة حماس، ولم تبدِ فيه أي تجاوب لاعتبارات مبدئية خاصة بها". ووفقاً لمحيسن، فإن "حماس" لم تتجاوب مع هذا الملف بسبب "طلب السلطات المصرية تسليمها قائمة بأسماء مطلوبين من غزة بالإضافة إلى طلب التعاون مع الحيش المصري في منطقة شبه جزيرة سيناء وهو ما ترفضه الحركة"، على حد وصفه.
ويوضح محيسن أنّ "حماس"، التي تدير القطاع، أظهرت مرونة في التعامل مع السلطات المصرية في باقي القضايا، الأمر الذي سيحدد طبيعة العلاقات بين الجانبين في الأيام المقبلة، وسيحسم إذا ما كان هناك انفراجات ستترجم على الأرض.
وبحسب محيسن، فإن المواطن الغزي سيلمس التغير في العلاقات بين "حماس" والنظام المصري عبر فتح معبر رفح البري وطبيعة أيام فتحه وإغلاقه بالإضافة إلى حجم التبادل التجاري المشترك وطبيعة السلع التي سيسمح لها بالدخول إلى القطاع.
ويربط الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني بين إقالة السيسي لمسؤول ملف فلسطين في جهاز الاستخبارات المصرية وائل الصفتي وبين اللقاءات التي جرت أخيراً مع "حماس"، والتي تؤكد على وجود توجه جديد لدى القاهرة لتغيير التعامل مع الحركة التي تسيطر وتدير القطاع. ويرى أنّ إقالة الصفتي تثبت أنّ القاهرة خلُصت لنتيجة مؤكدة ببراءة غزة من كل الاتهامات التي كانت توجه لها، في ظل اللقاءات الأخيرة التي عقدت وتبادل المعلومات واللقاءات مع قيادات حركة "حماس".
بدوره، يقول مدير مركز أبحاث المستقبل، إبراهيم المدهون، إنّ هناك محاولات لترتيب العلاقات وترميمها بين النظام المصري و"حماس" على الرغم من وجود مجموعة من التعقيدات التي تمكن إزالتها عبر التفاهمات التي تجري وستجري بين الطرفين. ويضيف المدهون لـ"العربي الجديد" أنّ التفاهمات إذا ما استمرت ستزيل الجليد والحاجز بين الطرفين وقد يتم بناء علاقة إيجابية وتطويرها بعد ذلك عبر أداء مصر لدور واضح في التخفيف من الحصار المفروض على القطاع وإحداث ثغرات فيه. ويؤكد أنّ "حماس" لديها المرونة والبراغماتية في التعامل القوي مع المتطلبات المصرية بما لا يتعارض مع سياستها العامة أو الخطوط الحمراء والتي تمنع الحركة من التدخل في أي ساحة من الساحات باستثناء فلسطين وعدم الدخول في مواجهة خارجية.
ويشير المدهون إلى أنّ أحد أسباب التغير في العلاقة بين الطرفين هو "وجود إدراك من مصر بأنه لا يمكن تجاوز حماس، بالإضافة إلى التوتر الذي حصل بين مصر والرئيس الفلسطيني مجمود عباس الذي ساهم في تسريع هذه العلاقة"، على حد قوله.
ووفقاً للمدهون فإنّ المرونة السياسية والإجرائية التي قدمتها الحركة الإسلامية في غزة كانت عاملاً مهماً في حالة التغير في العلاقة بين الجانبين، فضلاً عن الالتصاق المصري بغزة سياسياً وجغرافياً، والذي أثبتت الفترة الماضية أن كل محاولات الدخول إليها لا تكون إلا عبر المسيطر الرئيسي وهو "حماس".
ويلفت مدير مركز أبحاث المستقبل إلى أنه توجد محاولة لصياغة رؤية مشتركة والأخذ بمطالب حركة "حماس" المتمثلة في التخفيف من الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2006، ومحاولة فك التعقيدات التي تعترض الطرفين. ويستبعد أنّ تعود العلاقات بين حماس والنظام المصري الحالي الذي يرأسه عبد الفتاح السيسي إلى حالة التأزيم والتعقيدات الأولى، في ظل وجود علاقة جيدة في الفترة الأخيرة وخطوط اتصال ساخنة متبادلة بين الجانبين.