"حماس" جديرة بالقيادة
حتى ياسر عرفات، حين فتح الباب لانتفاضة الأقصى عام 2000، كان يدرك أن زمام القيادة الميداني سيؤول إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولم تكن عنده أية مشكلة في أن تشاركه هذه الحركة القوة والنفوذ. هي على الأرض بمشاركة (ودعم) من كتائب الأقصى التي كان قد أوعز بتشكيلها ورعايتها عن بعد في ذلك العام، وذلك بحكم ما تتمتع به "حماس" من قدرة على الحشد والتجييش، ومن تحرّر من "قيود أوسلو"، وهو على المستوى الرسمي بحكم ما يمتلكه من حنكة وخبرة ومكانة سياسية داخلية وإقليمية، وحتى عالمية.
وعلى الرغم من أن حركة فتح تاريخيا، في ظل قيادة عرفات، كانت تحرص على الاحتفاظ بأغلبية النصف زائد واحد في كل الهيئات القيادية للشعب الفلسطيني، وعلى المستويات كافة، إلا أنها حرصت، في ظل قيادته، على مشاركة الجميع، وتعاملت بكل الصبر الذي في الدنيا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي كانت دائما تضع قدما في الإطار الجامع، منظمة التحرير الفلسطينية، وقدما خارجها. ولم يقم ياسر عرفات، في أي يوم، بقطع أو وقف "مخصصات" الجبهة الشعبية، أو غيرها من صندوق المنظمة، وكان يتعامل مع كل الفلسطينيين على أنهم مسؤولون منه شخصيا.
أما الرئيس محمود عباس، فعلى الرغم من أنه أظهر درجة عالية من النزاهة أول عهده بالحكم والسلطة، حين أظهرت نتائج انتخابات المجلس التشريعي الثاني فوز "حماس" بأغلبية مقاعد
المجلس، حيث قام بتكليف رئيس قائمة الحركة، الشيخ إسماعيل هنية، بتشكيل الحكومة العاشرة، ولم يكن هو شخصيا قد مر على وجوده في رئاسة السلطة سوى عام. ولكن تدحرج كرة ثلج السياسة الفلسطينية من جهة، ومن جهة ثانية البقاء في مقعد الحكم ثلاثة عشر عاما متواصلة، من دون حسيب أو رقيب، مع تعطل السلطة التشريعية، ومع ضعف الفصائل، وفي ظل انقسام داخلي، وعدم وجود أي أفق لإجراء الانتخابات، وبعد مؤتمرين لحركة فتح، تكرّس خلالهما نظام حكم الفرد المستبد، تحول محمود عباس من رجل مارس بنفسه انتقال السلطة إلى رجل يظهر "العين الحمراء" للجميع.
وبعد كل ما ظهر عليه الرجل من طول صبر، ومن تعقّل، نراه هذه الأيام كما لو كان نقيض الرجل الذي عاش ثمانين عاما من قبل عاقلا ومتعقلا، فقد جرّد سيفه فجأة من غمده، وبدأ محاربة كل من يراهم أمامه. فتح النار في ليلةٍ ما فيها ضوء على الإدارة الأميركية وعلى حركة حماس، ثم أطلق النار على خدمات غزة، بما فيها رواتب موظفي السلطة نفسها، بحجة الضغط على "حماس" لتسلّمه قطاع غزة من الألف إلى الياء.
يبدو أن الزمن بات عامل ضغط رهيب على الرئيس عباس، بعد أن تقدم به العمر، وبعد أن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، حيث أغلقت أبواب العواصم في وجهه، وبعد أن لازمه المرض، وبدت عليه علامات الشيخوخة في قلة التركيز، وفي فورة الغضب. لذا يبدو كما لو كان يريد أن يضع حدا لكل شيء حلم به.
ظهر في عهده الانقسام، بل رافق الانقسام ولايته رئيسا للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير. ولذا يريد أن يسجل في تاريخه أنه وضع حدا لهذا الانقسام. كذلك هو مهندس اتفاق أوسلو، وكانت حجته، في عهد عرفات، أي ما بين عامي 1994و2004، بأنه لم يكن في السلطة، ولذلك لم يحقق "أوسلو" أي نجاح أو تقدم. بعد ذلك، في الحكم والسلطة، وبين يديه كل مقاليدهما منذ مطلع عام 2005، وعلى الرغم من ذلك، ما زال الحال الذي كان عليه الواقع الفلسطيني حين استلم الحكم هو نفسه، والأسوأ أنه حين فتح الباب لإدخال "حماس" السلطة، انقلبت عليها وأحدثت الانقسام.
لا يسير التاريخ وفق مهارات الأفراد الخارقة، أو أهوائهم أو قدراتهم، حتى وإن كان لهم تأثير
على صنع الأحداث. ولذلك، لا بد من القول إن عهد منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائل العمل الوطني التي توزعت بين يسار اشتراكي ويمين وطني، وصل إلى خط النهاية، وإن عهد الفصائل والقوى ذات البعد الإسلامي قد بدأ ومنذ عقود، وحيث أن حركة حماس هي أكبر وأهم فصيل سياسي فلسطيني ديني أو وطني إسلامي، فإنها هي الجديرة والمؤهلة لخلافة "فتح" في قيادة الكفاح الوطني الفلسطيني.
ترهلت حركة فتح، ومعها كل الفصائل، فيما نضجت حركتا حماس والجهاد الإسلامي سياسيا، بعد ثلاثة عقود من ممارسة العمل الوطني بامتياز. كانت "فتح" خلال تلك العقود تتحول، بشكل حثيث ومتواصل، من حركة تحرّر إلى حزب حاكم بيروقراطي، في إدارة سلطة الحكم الذاتي، في حين حماس كانت تراكم خبرة الكفاح الوطني بمقارعة إسرائيل بالمقاومة وتبادل الأسرى، ثم الآن في المقاومة الشعبية السلمية. ولذلك، حين شاخت "فتح" نضجت "حماس"، ولا عزاء للزمن.
هذا هو حال الدنيا، حيث تشبه قيادات حركة فتح الآن قيادات العائلات والوجوه التي كانت محسوبة على كل أقطاب العمل القومي، وصارت منظمة التحرير الفلسطينية تشبه الأردن قبل عام 1965، وحيث تعجز السلطة عن دفع إسرائيل لتقديم أي تنازل، ها هي حركة حماس تجبر إسرائيل على معاملة الند بالند، وعلى تقديم الاقتراحات المتتالية، من نمط وقف مسيرة العودة في مقابل كسر الحصار، أو الدخول في صفقات تبادل الأسرى. كل هذا لأن لدى "حماس" أوراق قوة وضغط. أما سلطة "فتح" فليس لديها سوى الأجهزة الأمنية التي لم تعد إسرائيل بحاجة لها، كما أن "شرعية" حركة فتح لم تعد ذات قيمة، فإسرائيل نفسها أغلقت باب التفاوض. لذلك ربما كان الآن من المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا أن يجري تداول حقيقي للسلطة، أو بمعنى أدق للقيادة، من شأنه أن تتولى "حماس" القيادة، وهي التي تمتلك القوة العسكرية والقدرة على حشد الجماهير في الكفاح الشعبي السلمي، أو على الأقل إجراء انتخابات يقول فيها الشعب كلمته، ويسلم قياده لمن يريد، فعلى أقل تقدير تتم مكافأة الشيوخ من مناضلي العمل الوطني ضمن صفوف "فتح" وأخواتها من قياداتٍ بلغت سن النضج السياسي، لكنها ليست شائخة.
وعلى الرغم من أن حركة فتح تاريخيا، في ظل قيادة عرفات، كانت تحرص على الاحتفاظ بأغلبية النصف زائد واحد في كل الهيئات القيادية للشعب الفلسطيني، وعلى المستويات كافة، إلا أنها حرصت، في ظل قيادته، على مشاركة الجميع، وتعاملت بكل الصبر الذي في الدنيا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي كانت دائما تضع قدما في الإطار الجامع، منظمة التحرير الفلسطينية، وقدما خارجها. ولم يقم ياسر عرفات، في أي يوم، بقطع أو وقف "مخصصات" الجبهة الشعبية، أو غيرها من صندوق المنظمة، وكان يتعامل مع كل الفلسطينيين على أنهم مسؤولون منه شخصيا.
أما الرئيس محمود عباس، فعلى الرغم من أنه أظهر درجة عالية من النزاهة أول عهده بالحكم والسلطة، حين أظهرت نتائج انتخابات المجلس التشريعي الثاني فوز "حماس" بأغلبية مقاعد
وبعد كل ما ظهر عليه الرجل من طول صبر، ومن تعقّل، نراه هذه الأيام كما لو كان نقيض الرجل الذي عاش ثمانين عاما من قبل عاقلا ومتعقلا، فقد جرّد سيفه فجأة من غمده، وبدأ محاربة كل من يراهم أمامه. فتح النار في ليلةٍ ما فيها ضوء على الإدارة الأميركية وعلى حركة حماس، ثم أطلق النار على خدمات غزة، بما فيها رواتب موظفي السلطة نفسها، بحجة الضغط على "حماس" لتسلّمه قطاع غزة من الألف إلى الياء.
يبدو أن الزمن بات عامل ضغط رهيب على الرئيس عباس، بعد أن تقدم به العمر، وبعد أن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، حيث أغلقت أبواب العواصم في وجهه، وبعد أن لازمه المرض، وبدت عليه علامات الشيخوخة في قلة التركيز، وفي فورة الغضب. لذا يبدو كما لو كان يريد أن يضع حدا لكل شيء حلم به.
ظهر في عهده الانقسام، بل رافق الانقسام ولايته رئيسا للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير. ولذا يريد أن يسجل في تاريخه أنه وضع حدا لهذا الانقسام. كذلك هو مهندس اتفاق أوسلو، وكانت حجته، في عهد عرفات، أي ما بين عامي 1994و2004، بأنه لم يكن في السلطة، ولذلك لم يحقق "أوسلو" أي نجاح أو تقدم. بعد ذلك، في الحكم والسلطة، وبين يديه كل مقاليدهما منذ مطلع عام 2005، وعلى الرغم من ذلك، ما زال الحال الذي كان عليه الواقع الفلسطيني حين استلم الحكم هو نفسه، والأسوأ أنه حين فتح الباب لإدخال "حماس" السلطة، انقلبت عليها وأحدثت الانقسام.
لا يسير التاريخ وفق مهارات الأفراد الخارقة، أو أهوائهم أو قدراتهم، حتى وإن كان لهم تأثير
ترهلت حركة فتح، ومعها كل الفصائل، فيما نضجت حركتا حماس والجهاد الإسلامي سياسيا، بعد ثلاثة عقود من ممارسة العمل الوطني بامتياز. كانت "فتح" خلال تلك العقود تتحول، بشكل حثيث ومتواصل، من حركة تحرّر إلى حزب حاكم بيروقراطي، في إدارة سلطة الحكم الذاتي، في حين حماس كانت تراكم خبرة الكفاح الوطني بمقارعة إسرائيل بالمقاومة وتبادل الأسرى، ثم الآن في المقاومة الشعبية السلمية. ولذلك، حين شاخت "فتح" نضجت "حماس"، ولا عزاء للزمن.
هذا هو حال الدنيا، حيث تشبه قيادات حركة فتح الآن قيادات العائلات والوجوه التي كانت محسوبة على كل أقطاب العمل القومي، وصارت منظمة التحرير الفلسطينية تشبه الأردن قبل عام 1965، وحيث تعجز السلطة عن دفع إسرائيل لتقديم أي تنازل، ها هي حركة حماس تجبر إسرائيل على معاملة الند بالند، وعلى تقديم الاقتراحات المتتالية، من نمط وقف مسيرة العودة في مقابل كسر الحصار، أو الدخول في صفقات تبادل الأسرى. كل هذا لأن لدى "حماس" أوراق قوة وضغط. أما سلطة "فتح" فليس لديها سوى الأجهزة الأمنية التي لم تعد إسرائيل بحاجة لها، كما أن "شرعية" حركة فتح لم تعد ذات قيمة، فإسرائيل نفسها أغلقت باب التفاوض. لذلك ربما كان الآن من المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا أن يجري تداول حقيقي للسلطة، أو بمعنى أدق للقيادة، من شأنه أن تتولى "حماس" القيادة، وهي التي تمتلك القوة العسكرية والقدرة على حشد الجماهير في الكفاح الشعبي السلمي، أو على الأقل إجراء انتخابات يقول فيها الشعب كلمته، ويسلم قياده لمن يريد، فعلى أقل تقدير تتم مكافأة الشيوخ من مناضلي العمل الوطني ضمن صفوف "فتح" وأخواتها من قياداتٍ بلغت سن النضج السياسي، لكنها ليست شائخة.
رجب أبو سرية