يمثّل المخرج بيتر ميمي، صانع فيلم "حرب كرموز"، حالة غريبة في السينما المصرية، في الأعوام القليلة الفائتة، إذ ترتكز غالبية أعماله على "النقل" ـ أو الاقتباس في أكثر المسميات تهذباً ـ من أعمال أجنبية ناجحة، سواء بشكل مباشر كما في "الهرم الرابع" (2016)، الذي ينقل حوارات كاملة من مسلسل Mr Robot، و"القرد بيتكلّم"، المأخوذ عن Now You See Me وعالم الخدع السحرية، عوضًا عن "سرقة" (لا مُسمّى آخر هنا) بعض المقاطع الموسيقية (من أعمال بشهرة Dunkirk وGame of Thrones، أو المشاهد والمعارك، لتكون النتيجة أعمالاً هي تقليد بجودة قليلة للغاية لأعمالٍ رآها الجمهور سابقًا.
رغم ذلك، تحقق هذه الأفلام نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، بل وينبهر بها المتفرجون كما لو أنها أصيلة لم تُسبق مشاهدتها.
هذه حالة تستحق الدراسة الاجتماعية والسيكولوجية، خصوصًا مع الفيلم الجديد "حرب كرموز"، الذي حقّق في أيامٍ قليلة نحو مليون جنيه مصري، ويُتوقّع أن تُصبح إيراداته في أسابيع قليلة مقبلة الأكبر في تاريخ السينما المصرية.
حادثة تاريخيَّة
ينتمي الفيلم إلى الدراما التاريخية، وتدور أحداثه في الإسكندرية أثناء فترة الاحتلال الإنكليزي لمصر. تبدأ القصة مع اغتصاب جنود إنكليز لفتاة مصرية، فيقوم شباب إسكندرانيون بأسر أحد هؤلاء الجنود، وينتهي المطاف بالجميع داخل قسم "كرموز"، مع رفض الضابط يوسف المصري تسليم الأسير الإنكليزي والشباب المصريين إلى سلطة الاحتلال. عندها، يقرر الجنرال آدم فرانك، قائد الجيش الأجنبي، محاصرة القسم، وإعطاء مهلة لتسليم المطلوبين قبل اقتحامه وقتل جميع من فيه.
عوامل النجاح
هناك عدد كبير من العوامل تجعل من نجاح الفيلم في شباك التذاكر أمرًا متوقعًا. أولاً: الرهان التجاري لمنتجه محمد السبكي على تقديم فيلم حركة في قالب تاريخي أثناء فترة الاحتلال شديد الذكاء، حتى وإن لم يتجاوز البعد "الشكلي" المرتبط بالديكور والملابس فقط. لا يوجد أي قدر من العمق، أو على الأقل الدقّة التاريخية. لكنه، على الأقل، جديدٌ على العين، ويحاول صنع أجواء مختلفة تجذب الجمهور. ثانياً: التركيز الشديد لصنّاع الفيلم على البهرجة الحركية، إن يصحّ التعبير، وتقديم "أكشن" وصراعات لا تتوقف، سواء بالأسلحة أو الدبابات أو الحيوانات أو الأجساد البشرية، إذ يمتلئ الفيلم بشتى أنواع المعارك. جانبٌ من البهرجة متعلّقٌ بالتعاون مع الممثل سكوت إدكنز، المشهور بفضل سلسلة "بي موفيز" أميركية معروفة في مصر، وتتحدّث عن ملاكم يدعى بويكا. التعاون معه عنصر جاذب لجمهور الفيلم بأدائه شخصية الشرير.
ثالثًا: النجاح المتتالي للممثل أمير كرارة في العامين الأخيرين، وتحديدًا بتأديته شخصية ضابط الشرطة في مسلسل "كلبش" بجزئيه، فإذا به يستنسخها هنا بالأدوات نفسها: الشارب والأسلوب والحركة، فيحصد نجاحًا جماهيريًا إضافيًا.
اقــرأ أيضاً
انبهار مبالغ به
هذه الأسباب وغيرها تصنع النجاح التجاري للفيلم، لكنها لا تفسّر أبدًا "انبهار" الجمهور، والمبالغة التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي في تقديره. فالفيلم مليء بالـ"كليشيهات" والتكرار والتعليب من كلّ نوع، بدءًا من خليط الشخصيات الذي يقوم عليه داخل القسم: فتاة ليل (ترتدي فستانًا أحمر ناريًا كامتدادٍ للـ"كليشيه") تقرر التوبة، ولص منازل يظهر معدنه الوطني الأصيل، وعجوز وسكير ذو مفاجأة قبيل الختام، وعساكر ومجندون يهتفون باسم الوطن ويقرّرون البقاء مع قائدهم حتى لو أدّى ذلك إلى قتلهم، بالإضافة إلى بطل الفيلم يوسف المصري نفسه، الذي يعبّر عن الشخصية الخارقة التي لا توجد فيها عيوب أو نواقص. في المقابل، لا توجد أي شخصية في الفيلم تشعر بأي قدر من العمق أو الحقيقية في تفاصيلها، خصوصاً مع نوعية الحوار الوعظي والخطابي الذي ينطق به الجميع، أو التغييرات الدرامية التي تعبّر عن المواقف الأخلاقية لصناع الفيلم أنفسهم، كتوبة فتاة الليل في الدقائق الأولى من الأحداث من دون أي سبب، أو النزعة الوطنية للشخصيات المصرية كلّها مهما تكن عابرة، في مقابل شيطنة وتقبيح شخصيات الإنكليز، قبل أن يصل "الكليشيه" والتردّي إلى أقصى مدى في المشهد الذي تنقطع فيه المياه عن القسم، فيرفع الجنود والعساكر أيديهم إلى السماء يدعون الله أن ينجدهم، وفجأة تنهمر مياه المطر من السماء، تمامًا كما يحدث في الأفلام المصرية الوعظية القديمة، المصنوعة بتقنية الأسود والأبيض.
هناك تساؤلات مطروحة: إذا كانت القصة والشخصيات والجمل الحوارية والمواقف الدرامية بهذا القدر من السذاجة والتكرار، فلماذا ينبهر الجمهور بـ"حرب كرموز"؟ هل يكفي وجود ممثل "درجة ثانية" في أفلام هوليوودية لإحداث شعور بأن الفيلم "عالمي"، كتعليقات بعض المُشاهدين عليه؟ أم أن مَشَاهد الحركة والمعارك التي ينفّذها بيتر ميمي تكتسب قيمة لمجرد أنها ناطقة بالعربية، وإنْ تكن متوسّطة الجودة، وتنال سخرية الجمهور نفسه إذا شاهدها في فيلم أجنبي يعرض في يومنا هذا؟
لا إجابة واضحة لنيل فيلم سينمائي ركيك هذا القدر كلّه من الحفاوة الجماهيرية.
رغم ذلك، تحقق هذه الأفلام نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، بل وينبهر بها المتفرجون كما لو أنها أصيلة لم تُسبق مشاهدتها.
هذه حالة تستحق الدراسة الاجتماعية والسيكولوجية، خصوصًا مع الفيلم الجديد "حرب كرموز"، الذي حقّق في أيامٍ قليلة نحو مليون جنيه مصري، ويُتوقّع أن تُصبح إيراداته في أسابيع قليلة مقبلة الأكبر في تاريخ السينما المصرية.
حادثة تاريخيَّة
ينتمي الفيلم إلى الدراما التاريخية، وتدور أحداثه في الإسكندرية أثناء فترة الاحتلال الإنكليزي لمصر. تبدأ القصة مع اغتصاب جنود إنكليز لفتاة مصرية، فيقوم شباب إسكندرانيون بأسر أحد هؤلاء الجنود، وينتهي المطاف بالجميع داخل قسم "كرموز"، مع رفض الضابط يوسف المصري تسليم الأسير الإنكليزي والشباب المصريين إلى سلطة الاحتلال. عندها، يقرر الجنرال آدم فرانك، قائد الجيش الأجنبي، محاصرة القسم، وإعطاء مهلة لتسليم المطلوبين قبل اقتحامه وقتل جميع من فيه.
عوامل النجاح
هناك عدد كبير من العوامل تجعل من نجاح الفيلم في شباك التذاكر أمرًا متوقعًا. أولاً: الرهان التجاري لمنتجه محمد السبكي على تقديم فيلم حركة في قالب تاريخي أثناء فترة الاحتلال شديد الذكاء، حتى وإن لم يتجاوز البعد "الشكلي" المرتبط بالديكور والملابس فقط. لا يوجد أي قدر من العمق، أو على الأقل الدقّة التاريخية. لكنه، على الأقل، جديدٌ على العين، ويحاول صنع أجواء مختلفة تجذب الجمهور. ثانياً: التركيز الشديد لصنّاع الفيلم على البهرجة الحركية، إن يصحّ التعبير، وتقديم "أكشن" وصراعات لا تتوقف، سواء بالأسلحة أو الدبابات أو الحيوانات أو الأجساد البشرية، إذ يمتلئ الفيلم بشتى أنواع المعارك. جانبٌ من البهرجة متعلّقٌ بالتعاون مع الممثل سكوت إدكنز، المشهور بفضل سلسلة "بي موفيز" أميركية معروفة في مصر، وتتحدّث عن ملاكم يدعى بويكا. التعاون معه عنصر جاذب لجمهور الفيلم بأدائه شخصية الشرير.
ثالثًا: النجاح المتتالي للممثل أمير كرارة في العامين الأخيرين، وتحديدًا بتأديته شخصية ضابط الشرطة في مسلسل "كلبش" بجزئيه، فإذا به يستنسخها هنا بالأدوات نفسها: الشارب والأسلوب والحركة، فيحصد نجاحًا جماهيريًا إضافيًا.
انبهار مبالغ به
هذه الأسباب وغيرها تصنع النجاح التجاري للفيلم، لكنها لا تفسّر أبدًا "انبهار" الجمهور، والمبالغة التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي في تقديره. فالفيلم مليء بالـ"كليشيهات" والتكرار والتعليب من كلّ نوع، بدءًا من خليط الشخصيات الذي يقوم عليه داخل القسم: فتاة ليل (ترتدي فستانًا أحمر ناريًا كامتدادٍ للـ"كليشيه") تقرر التوبة، ولص منازل يظهر معدنه الوطني الأصيل، وعجوز وسكير ذو مفاجأة قبيل الختام، وعساكر ومجندون يهتفون باسم الوطن ويقرّرون البقاء مع قائدهم حتى لو أدّى ذلك إلى قتلهم، بالإضافة إلى بطل الفيلم يوسف المصري نفسه، الذي يعبّر عن الشخصية الخارقة التي لا توجد فيها عيوب أو نواقص. في المقابل، لا توجد أي شخصية في الفيلم تشعر بأي قدر من العمق أو الحقيقية في تفاصيلها، خصوصاً مع نوعية الحوار الوعظي والخطابي الذي ينطق به الجميع، أو التغييرات الدرامية التي تعبّر عن المواقف الأخلاقية لصناع الفيلم أنفسهم، كتوبة فتاة الليل في الدقائق الأولى من الأحداث من دون أي سبب، أو النزعة الوطنية للشخصيات المصرية كلّها مهما تكن عابرة، في مقابل شيطنة وتقبيح شخصيات الإنكليز، قبل أن يصل "الكليشيه" والتردّي إلى أقصى مدى في المشهد الذي تنقطع فيه المياه عن القسم، فيرفع الجنود والعساكر أيديهم إلى السماء يدعون الله أن ينجدهم، وفجأة تنهمر مياه المطر من السماء، تمامًا كما يحدث في الأفلام المصرية الوعظية القديمة، المصنوعة بتقنية الأسود والأبيض.
هناك تساؤلات مطروحة: إذا كانت القصة والشخصيات والجمل الحوارية والمواقف الدرامية بهذا القدر من السذاجة والتكرار، فلماذا ينبهر الجمهور بـ"حرب كرموز"؟ هل يكفي وجود ممثل "درجة ثانية" في أفلام هوليوودية لإحداث شعور بأن الفيلم "عالمي"، كتعليقات بعض المُشاهدين عليه؟ أم أن مَشَاهد الحركة والمعارك التي ينفّذها بيتر ميمي تكتسب قيمة لمجرد أنها ناطقة بالعربية، وإنْ تكن متوسّطة الجودة، وتنال سخرية الجمهور نفسه إذا شاهدها في فيلم أجنبي يعرض في يومنا هذا؟
لا إجابة واضحة لنيل فيلم سينمائي ركيك هذا القدر كلّه من الحفاوة الجماهيرية.