ليس للممثِّلين في فيلم "حب في الحصار"، من وقتٍ لتبديل ثيابهم، وتهيئة أكسسواراتهم، ووضع المساحيق على وجوههم، فالحصار المفروض عليهم من قبل الأسد، أحال المآسي الفنية إلى مآس حقيقية، يعيشها أناسٌ من لحم وجوع وعظم، في غوطة دمشق المحاصرة منذ ما يقارب العامين. وفي ظروف تكادُ لا تصلحُ للعيش الآدمي، ومع ذلك، نلمح انبعاث ضحكات صادقةٍ تنساب عن وجوه أضناها الحصار، لتعلن عن تمسكها بالحياة.
في لقطة البداية، توحي لنا الكاميرا المسلّطة على أبو وسيم من الأعلى، وكأنَّه قابعٌ في حفرة عميقة، وليس في بيت، وسرعان ما يدهمنا الشعور بوطأة الحصار. ننتقل مع الكاميرا إلى داخل الحصار، لتبدأ اللقطات المتلاحقة تطرح علينا أسئلة عديدة. وبينما نتعرف على التفاصيل، تصدمنا أم وسيم وهي تطعم طفلها. فنَسأل أنفسنا: "ماذا يمكن لأمّ أن تطعم أطفالها في مكان شحيح كهذا؟". ثم تحملنا اللقطة التالية، إلى خزّان ماء يتسلّقه طفل صغير، فينزل الوعاء إلى عمق الخزان، لكن ما من ماء فيه، وسرعان ما يمتلئ إناء أم وسيم بالماء.
حال أسرة أبو وسيم، كحال ما يقارب مئة ألف إنسان يعيشون الحصار في غوطة دمشق، هناك على مقربة من أحيائهم، ثمة أحياء تفوح منها رائحة الفراريج والحلويات والمشاوي. وعلى مسافات قصيرة من سراديبهم التي حفرتها براميل الأسد، ثمة شوارع معبدة ومضاءة، بخلاف دروبهم التي غدت معتمة وموحلة، تعبرها أقدام كساها الوحل، ووجوه مصبوغة بالتعب والقهر وقلة الحيلة، فالنظافة تغدو هنا فائضة عن الحاجة. يكاد البيت في الفيلم أن يتساوى مع الشارع الموحل، فكلاهما محاصرٌ ومتّسخ وموحل، فيتم عبور الشارع والبيت، بنفس الخطوات، وذات الأحذية. الحذاء الذي تمرغ بالوحل وببرك الماء، يخاض به فوق بساط البيت.
أمكن لكاميرا مطر إسماعيل، وفي ظلِّ هذه الشروط، أن تصوغ حالةً جماليَّة تجسَّدت في تكوين اللقطات، سواء تلك الثابتة، أو تلك التي تتحرَّك فيها الكاميرا لتشكِّل تكويناً جديداً. فقد حافظت الكاميرا في ثباتها وفي حركتها، وفي ثنايا التفاصيل، على إحساسٍ مرهفٍ منذ لقطة البداية، كاللقطات التي كانت ترصدُ من الأسفل قطرات المطر، وهي تتساقط على الأرض. غير أنَّ كلّ هذا الحصار، لم يستطع أنْ يُحاصِر الحبّ المعيش بين أفراد أسرة أبو وسيم. فثمَّة هنا وقت لتبادل القبل والعناق، بين الأب وطفله، وبين الطفل وأمه التي أذهلتنا في عطائها وصبرها وحنانها.
ومع تسلُّل الليل إلى داخل البيت، يُسْمَح للضوء أن يمحو شيئاً من العتمة، عن طريق إشعال البلاستيك، تلك المادة القاتلة في احتراقها، وكأنَّ احتراق البلاستيك في اللقطة الأخيرة، كان يشير إلى أنَّ النور أبقى، وأنه ما من حياةٍ تستحقُّ العيش في ظل العتمة.
نعم، هو حب يقبع في حصار، لكنَّ الحصار لم يستطع أن ينال منه، وربما أكثر ما نجح فيه الفيلم، أنَّه حصرنا بالحصار المفروض على أسرة أبو وسيم، تلك الأسرة التي لم ترضخ لحصار الأسد قطّ.
إقرأ أيضاً: "اللي بحبا بعثية".. أغنية الإلفة مع الحرب
في لقطة البداية، توحي لنا الكاميرا المسلّطة على أبو وسيم من الأعلى، وكأنَّه قابعٌ في حفرة عميقة، وليس في بيت، وسرعان ما يدهمنا الشعور بوطأة الحصار. ننتقل مع الكاميرا إلى داخل الحصار، لتبدأ اللقطات المتلاحقة تطرح علينا أسئلة عديدة. وبينما نتعرف على التفاصيل، تصدمنا أم وسيم وهي تطعم طفلها. فنَسأل أنفسنا: "ماذا يمكن لأمّ أن تطعم أطفالها في مكان شحيح كهذا؟". ثم تحملنا اللقطة التالية، إلى خزّان ماء يتسلّقه طفل صغير، فينزل الوعاء إلى عمق الخزان، لكن ما من ماء فيه، وسرعان ما يمتلئ إناء أم وسيم بالماء.
حال أسرة أبو وسيم، كحال ما يقارب مئة ألف إنسان يعيشون الحصار في غوطة دمشق، هناك على مقربة من أحيائهم، ثمة أحياء تفوح منها رائحة الفراريج والحلويات والمشاوي. وعلى مسافات قصيرة من سراديبهم التي حفرتها براميل الأسد، ثمة شوارع معبدة ومضاءة، بخلاف دروبهم التي غدت معتمة وموحلة، تعبرها أقدام كساها الوحل، ووجوه مصبوغة بالتعب والقهر وقلة الحيلة، فالنظافة تغدو هنا فائضة عن الحاجة. يكاد البيت في الفيلم أن يتساوى مع الشارع الموحل، فكلاهما محاصرٌ ومتّسخ وموحل، فيتم عبور الشارع والبيت، بنفس الخطوات، وذات الأحذية. الحذاء الذي تمرغ بالوحل وببرك الماء، يخاض به فوق بساط البيت.
أمكن لكاميرا مطر إسماعيل، وفي ظلِّ هذه الشروط، أن تصوغ حالةً جماليَّة تجسَّدت في تكوين اللقطات، سواء تلك الثابتة، أو تلك التي تتحرَّك فيها الكاميرا لتشكِّل تكويناً جديداً. فقد حافظت الكاميرا في ثباتها وفي حركتها، وفي ثنايا التفاصيل، على إحساسٍ مرهفٍ منذ لقطة البداية، كاللقطات التي كانت ترصدُ من الأسفل قطرات المطر، وهي تتساقط على الأرض. غير أنَّ كلّ هذا الحصار، لم يستطع أنْ يُحاصِر الحبّ المعيش بين أفراد أسرة أبو وسيم. فثمَّة هنا وقت لتبادل القبل والعناق، بين الأب وطفله، وبين الطفل وأمه التي أذهلتنا في عطائها وصبرها وحنانها.
ومع تسلُّل الليل إلى داخل البيت، يُسْمَح للضوء أن يمحو شيئاً من العتمة، عن طريق إشعال البلاستيك، تلك المادة القاتلة في احتراقها، وكأنَّ احتراق البلاستيك في اللقطة الأخيرة، كان يشير إلى أنَّ النور أبقى، وأنه ما من حياةٍ تستحقُّ العيش في ظل العتمة.
نعم، هو حب يقبع في حصار، لكنَّ الحصار لم يستطع أن ينال منه، وربما أكثر ما نجح فيه الفيلم، أنَّه حصرنا بالحصار المفروض على أسرة أبو وسيم، تلك الأسرة التي لم ترضخ لحصار الأسد قطّ.
إقرأ أيضاً: "اللي بحبا بعثية".. أغنية الإلفة مع الحرب