13 أكتوبر 2024
"توم وجيري"... أردنياً
منعت الحكومة الأردنية المهرجان الافتتاحي لإشهار قوائم التحالف الوطني للإصلاح، أي قوائم جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) يوم الجمعة الماضي، وكان من المفترض أن يجري في المدرج الروماني في وسط العاصمة عمّان. وجاء المنع عشيّة المهرجان، بعد حصول المنظمين على كتبٍ رسمية بالموافقة على إقامته. وهذه ليست المرة الأولى لمنع أنشطةٍ عامة للإسلاميين، على الرغم من أنّها قانونية، والذريعة، هذه المرة، عدم ملاءمة المكان، على الرغم من أن الجهات المختصة كانت قد أعطت الموافقة عليه.
هل المنع مؤشرٌ مقلقٌ على نزاهة الانتخابات، وجدية الحكومة في حيادها، وعدم تدخلها؟ من الصعوبة الوصول إلى هذا الاستنتاج، من هذه الحادثة فقط التي إنْ تعكس شيئاً أكثر وضوحاً، فهو روح المناكفة بين الطرفين؛ أي الدولة و"الإخوان"، ما يعني أنّنا لم نخرج من الدائرة المغلقة نفسها في الحياة السياسية، وأنّه لا يوجد إدراكٌ حقيقيٌّ لدى أي طرفٍ بخطورة اللحظة التاريخية التي تمرّ بها المنطقة، وأبرز معالمها انهيار النظام الإقليمي العربي، وتفكّك الدولة القُطرية.
القصة أبعد من سايكس بيكو 2، أي تغيير الحدود، إنها تغييراتٌ في العمق السياسي والاجتماعي، وأزمة مركّبة على المستويات المختلفة، ولحظة انتقالية في تاريخ المنطقة والشعوب، دفعت إلى حالةٍ من الفوضى والتخبط في دولٍ عربيةٍ كثيرة.
كان يفترض، إذاً، أن ينظر صانعو القرار في عمّان إلى الانتخابات المقبلة من هذا المنظور التاريخي، لإعادة تقييم الحالة الداخلية، والتفكير في كيفية مواجهة ما يحدث إقليمياً، وداخلياً أيضاً مع الأزمة الاقتصادية القاسية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستوىً مقلق، له تداعيات اجتماعية، مثل انتشار ظواهر التطرف والمخدرات وانهيار السلطة الأخلاقية.. ذلك كله وهنالك قرارات اقتصادية قاسية تنتظر الحكومة بعد الانتخابات لتطبيق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما يشمل رفع أسعار الكهرباء والماء.
لكن، للأسف، واضح أن ذلك "غير مفكّر فيه" لدى المسؤولين، ليس فقط في مؤشر منع المهرجان، لكن مؤشراتٍ وإشاراتٍ عديدة تؤدي بنا إلى القناعة بأنّ الدولة تريد الانتخابات المقبلة تقليديةً، لا تؤدي إلى تحولاتٍ جوهريةٍ في النظام السياسي، بما يخدم مشروع المشاركة والشراكة والاندماج.
على النقيض من ذلك، القناعة الرسمية هي أن الربيع العربي خطر على الأمن الوطني، وأنّ مواجهة المتغيرات المحيطة والضغوط الداخلية تتطلب مجلس نواب ضعيفاً، وإحكام القبضة الأمنية الناعمة، والضغط على المعارضة السياسية، وتكتيف حركتها على القيام بأي شيء. باختصار، هنالك رعبٌ رسميٌّ من أي انتخاباتٍ حرة تؤدي إلى ولادة مجلس نواب قوي، ومن وجودٍ ولو حتى انفتاح ديمقراطي أكبر، على صعيد الحريات العامة والحريات الإعلامية.
كيف نصل إلى النتائج السابقة، وفي الوقت نفسه، نقول إنّ منع المهرجان لا يعني، بالضرورة، مؤشراً على التلاعب بالانتخابات النيابية؟ أليس ذلك تناقضاً؟ الجواب: لا، لأنّه لا توجد ضرورة حقيقية لدى الحكومة لتغيير النتائج أو التلاعب بها، فقانون الانتخاب صمّم، في الأصل، بما يحول دون قدرة "الإخوان" على تحقيق أغلبية داخل مجلس النواب، ولا يوجد هاجس لدى الدولة من مفاجآت كبرى، ما يعني أنّ مخرجات الانتخابات مدروسةٌ سلفاً، ومحكومةٌ بسقفٍ مطمئن نسبياً للحكومة. ومع ذلك كله، لا يزال هنالك تخوف لدى الإصلاحيين والمراقبين من عدم وجود ضماناتٍ، وتدخل في النتائج، فقط لإضعاف وجود جبهة العمل الإسلامي التي تمثل المعارضة السياسية في البلاد، في البرلمان، من باب المناكفة السياسية وإضعافها أكثر وأكثر.
تذكّرنا هذه الخلاصة بكتاب مهم للباحث الأميركي، ناثان براون، "المشاركة لا المغالبة"، عن قواعد اللعبة في العلاقة بين الإسلاميين والأنظمة العربية، قبل الربيع العربي، فوصف علاقة الإخوان بالدولة في الأردن بأنها أشبه بلعبة توم وجيري، القط والفأر، وهو بالفعل الوصف الذي لا يزال يحكم رؤية أصحاب القرار.
السؤال المفترض أن يُسأل في دوائر القرار (لا يطرح لأسباب عديدة): هل كلفة مواجهة "الإخوان" وتكسيرهم، وهم تيار المعارضة الرئيسة المنظمة في البلاد، أقل من كلفة الفوضى الإقليمية والتململ الداخلي وحالة عدم اليقين التي تحكم الشارع وبروز الحركات الراديكالية؟
هل المنع مؤشرٌ مقلقٌ على نزاهة الانتخابات، وجدية الحكومة في حيادها، وعدم تدخلها؟ من الصعوبة الوصول إلى هذا الاستنتاج، من هذه الحادثة فقط التي إنْ تعكس شيئاً أكثر وضوحاً، فهو روح المناكفة بين الطرفين؛ أي الدولة و"الإخوان"، ما يعني أنّنا لم نخرج من الدائرة المغلقة نفسها في الحياة السياسية، وأنّه لا يوجد إدراكٌ حقيقيٌّ لدى أي طرفٍ بخطورة اللحظة التاريخية التي تمرّ بها المنطقة، وأبرز معالمها انهيار النظام الإقليمي العربي، وتفكّك الدولة القُطرية.
القصة أبعد من سايكس بيكو 2، أي تغيير الحدود، إنها تغييراتٌ في العمق السياسي والاجتماعي، وأزمة مركّبة على المستويات المختلفة، ولحظة انتقالية في تاريخ المنطقة والشعوب، دفعت إلى حالةٍ من الفوضى والتخبط في دولٍ عربيةٍ كثيرة.
كان يفترض، إذاً، أن ينظر صانعو القرار في عمّان إلى الانتخابات المقبلة من هذا المنظور التاريخي، لإعادة تقييم الحالة الداخلية، والتفكير في كيفية مواجهة ما يحدث إقليمياً، وداخلياً أيضاً مع الأزمة الاقتصادية القاسية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستوىً مقلق، له تداعيات اجتماعية، مثل انتشار ظواهر التطرف والمخدرات وانهيار السلطة الأخلاقية.. ذلك كله وهنالك قرارات اقتصادية قاسية تنتظر الحكومة بعد الانتخابات لتطبيق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما يشمل رفع أسعار الكهرباء والماء.
لكن، للأسف، واضح أن ذلك "غير مفكّر فيه" لدى المسؤولين، ليس فقط في مؤشر منع المهرجان، لكن مؤشراتٍ وإشاراتٍ عديدة تؤدي بنا إلى القناعة بأنّ الدولة تريد الانتخابات المقبلة تقليديةً، لا تؤدي إلى تحولاتٍ جوهريةٍ في النظام السياسي، بما يخدم مشروع المشاركة والشراكة والاندماج.
على النقيض من ذلك، القناعة الرسمية هي أن الربيع العربي خطر على الأمن الوطني، وأنّ مواجهة المتغيرات المحيطة والضغوط الداخلية تتطلب مجلس نواب ضعيفاً، وإحكام القبضة الأمنية الناعمة، والضغط على المعارضة السياسية، وتكتيف حركتها على القيام بأي شيء. باختصار، هنالك رعبٌ رسميٌّ من أي انتخاباتٍ حرة تؤدي إلى ولادة مجلس نواب قوي، ومن وجودٍ ولو حتى انفتاح ديمقراطي أكبر، على صعيد الحريات العامة والحريات الإعلامية.
كيف نصل إلى النتائج السابقة، وفي الوقت نفسه، نقول إنّ منع المهرجان لا يعني، بالضرورة، مؤشراً على التلاعب بالانتخابات النيابية؟ أليس ذلك تناقضاً؟ الجواب: لا، لأنّه لا توجد ضرورة حقيقية لدى الحكومة لتغيير النتائج أو التلاعب بها، فقانون الانتخاب صمّم، في الأصل، بما يحول دون قدرة "الإخوان" على تحقيق أغلبية داخل مجلس النواب، ولا يوجد هاجس لدى الدولة من مفاجآت كبرى، ما يعني أنّ مخرجات الانتخابات مدروسةٌ سلفاً، ومحكومةٌ بسقفٍ مطمئن نسبياً للحكومة. ومع ذلك كله، لا يزال هنالك تخوف لدى الإصلاحيين والمراقبين من عدم وجود ضماناتٍ، وتدخل في النتائج، فقط لإضعاف وجود جبهة العمل الإسلامي التي تمثل المعارضة السياسية في البلاد، في البرلمان، من باب المناكفة السياسية وإضعافها أكثر وأكثر.
تذكّرنا هذه الخلاصة بكتاب مهم للباحث الأميركي، ناثان براون، "المشاركة لا المغالبة"، عن قواعد اللعبة في العلاقة بين الإسلاميين والأنظمة العربية، قبل الربيع العربي، فوصف علاقة الإخوان بالدولة في الأردن بأنها أشبه بلعبة توم وجيري، القط والفأر، وهو بالفعل الوصف الذي لا يزال يحكم رؤية أصحاب القرار.
السؤال المفترض أن يُسأل في دوائر القرار (لا يطرح لأسباب عديدة): هل كلفة مواجهة "الإخوان" وتكسيرهم، وهم تيار المعارضة الرئيسة المنظمة في البلاد، أقل من كلفة الفوضى الإقليمية والتململ الداخلي وحالة عدم اليقين التي تحكم الشارع وبروز الحركات الراديكالية؟