"توركش يوك".. الشباب السوري اللاجئ أمام استحقاق التركية

03 يوليو 2016
(تصوير: آدم آلتن)
+ الخط -

بإمكان أي قارئ للعربية أن يلاحظ في مدينة غازي عينتاب التركية، عبارات من قبيل "يلزمنا عامل يتكلم التركية" على واجهة أحد المتاجر السورية فيها، أو "يوجد لدينا من يتكلم العربية" على متجر تركي، والأمر ينسحب على المطاعم ومحلات الحلاقة، وكذلك المساجد؛ فتجد على جدرانها ملصقات "تتوفر خطبة جمعة بالعربية". فيما تعتبر عبارة "توركش يوك" جداً شائعة في أوساط اللاجئين السوريين للتعبير عن عدم فهمهم للتركية.

عينتاب إحدى المدن التركية الحدودية مع سورية، تكتظ كما شأن المدن القريبة من الحدود باللاجئين السوريين، وهم يقدرون بمئات الآلاف معظمهم من مدينة حلب وريفها.

وخلال الخمس سنوات الماضية لم يلاحظ لدى هؤلاء اللاجئين أي ميل لتعلم اللغة التركية على نطاق واسع، وبقي الأمر حكراً على طلبة أكملوا دراستهم الجامعية بتركيا حيث توفر لهم جامعاتهم فرصة لتعلم هذه اللغة أو على قلة من التجار والصناعيين السوريين الذين كانوا مجبرين على الدخول بميدان العمل الصناعي والتجاري في تركيا والتواصل مع الفعاليات التجارية التركية، بعد فقدان الأمل بالعودة القريبة أو العمل ضمن مجالهم في سورية في الوقت الحالي، فيما هناك قلة ممن عملوا على تعلمها لسبب واحدة هو الاندماج مع الأتراك وإيجاد فرصة عمل ومعيشة في هذه البلاد.

على النقيض من اللغة التركية، تجد إقبال من السوريين بكافة فئاتهم على تعلم اللغة الإنجليزية. فأثناء زيارتنا لأحد المعاهد، وجدنا أن من بين عشرة طلاب وهم ما بين 20 إلى 30 يتعلمون الإنجليزية، هناك اثنان أو ثلاثة يتقنون التركية بشكل كلي أو جزئي أو يعملون على تعلمها، أما الآخرون فيفضلون تعلم الإنكليزية وحتى الفرنسية على التركية.

وليد، 24 عاماً، من مدينة حلب ويقيم في عينتاب، واحد من الذين يتقنون التركية. يقول عندما سألناه عن سبب تعلمه للإنجليزية أيضاً: لم أشعر أن اللغة التركية أضافت لي الشيء الكثير في تركيا، فأنا ما زلت في ذات العمل الذي كنت أعمله قبل أن أتعلمها، أما الإنجليزية، فهي لغة عالمية ولا مجال للمقارنة بين الاثنتين، فهنا في غازي عينتاب تجد فرص عمل جيدة بالاعتماد على لغتك الإنجليزية ولا تجدها عندما تتقن التركية.

بعض أصدقاء وليد هم من الشبان الأتراك، وقد كون صداقته معهم على خلفية إتقانه اللغة، ومع ذلك عندما سألناه عن مدى رغبته بالاستقرار والبقاء في تركيا، أجاب أنه لا ينوي الاستقرار في تركيا بأي حال من الأحوال: "إن لم نستطع العودة لبلادنا فبالتأكيد سوف أبحث عن بلد آخر أسافر إليه".

بجانب وليد في صف تعلم اللغة الإنكليزية، يجلس محمد (34 عاماً)، وهو يعمل في التجارة في تركيا. يصف مستواه في اللغة التركية بأنه قادر على الفهم والتعبير عن الأشياء الضرورية التي يكون بحاجتها، وهو رغم أن عمله هنا جيد ومربح نوعاً ما ويحتاج إتقان أكثر للتركية، فإنه مهتم بتعلم الإنجليزية أكثر.

يوضح محمد سبب ذلك: "في سوق العمل هنا نجد أن صلة الوصل بين الأتراك والسوريين، هم اللاجئون السوريون ذوي الأصول التركمانية، وتجدهم في كل مكان هنا بأعداد لا بأس بها وعملهم على الغالب هو في الترجمة، لذا لا تشعر أنك بحاجة لتعلم التركية".

من جانب آخر، يتقن مراد (24 عاماً) التركية بشكل جيد، لكنه لم يتعلمها من خلال الدراسة. فمراد ينحدر من أصول تركية، وجزء من عائلته وأقاربه يعيشون في تركيا منذ عقود طويلة، كثيراً ما يستدعيه أصدقاؤه السوريين لكي يساعدهم في التعامل مع أتراك.

يقول مراد: "برأيي، يجب أن يتم تعلم التركية من قبل السوريين عن طريق الاختلاط بالأتراك وليس عن طرق الدورات والكورسات، وأنا أتحدث عن الذين يرغبون بتسيير أعمالهم في تركيا وهو الغرض الأبرز لتعلمها لغالبية السوريين، أما الطلاب الذين يحاولون إكمال دراستهم فبالتأكيد أنهم يحتاجون لدراسة أكاديمية".

الاختلاط بالمجتمع التركي الذي يتحدث عنه مراد غير متاح لسبب رئيسي؛ أن السوريين أوجدوا لأنفسهم مساحات اجتماعية واقتصادية خاصة بهم في تركيا، فلهم متاجرهم ومحلات الحلاقة ومكاتبهم العقارية وجمعياتهم الخيرية الخاصة بهم وكذلك منتدياتهم الثقافية، فلا يشعر اللاجئ السورية بحاجة ملحة بتعلم اللغة التركية، وهو يشتري ويبيع ويتعامل مع سوريين دائماً ولا يكاد يتعامل مع الأتراك إلا لماماً.

ومن الأشياء التي قام السوريون بإيجادها لأنفسهم في تركيا، كانت معاهد تعلم اللغات، حيث يقبلون على تعلم اللغات فيها، خصوصاً من فئة الشباب ممن يرغبون بإكمال تعليمهم الجامعي، ومما يجذبهم أكثر إلى المعاهد التي يقوم عليها سوريون هو غلاء أسعار الدورات والكورسات في المعاهد التركية.

يقول سامي أحد القائمين على هذه المعاهد: "المعاهد التركية خصوصاً "معهد التومر" تقدم خدماتها بأسعار عالية جداً، ومكلفة أمام الخدمات التي تقدمها المعاهد السورية. فعلى سبيل المثال دورة تعلم التركية في التومر لمدة ستة أشهر تكلف أكثر من 1600 دولار أمريكي، بينما تجدها في معاهد سورية بنصف القيمة أو أقل من ذلك".

ويتابع: "أعتقد أن الغلاء في أسعار دورات وكورسات اللغة بالتركية لدى المعاهد التركية لا يساعد مطلقاً على تعلمها من قبل السوريين أو غيرهم من الأجانب".

كما يقف السوريون في تركيا بين منتصف الطريق بين سورية وأوروبا، بين العودة والشتات، بين الاستقرار في تركيا من عدمه، تجدهم بذات الارتباك والتردد لا يستطيعون اتخاذ قرار بتعلم التركية من عدمه، ربما لرفضهم حتى هذه اللحظة واقع كلاجئين يجب عليهم الاندماج أجلاً أم عاجلاً في المجتمعات التي تستضيفهم.

(سورية)

المساهمون