تتجه أول موازنة، بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح نظام الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز الماضي، لتكون رهينة "التسييس" على حد وصف مسؤولين وخبراء اقتصاد، خاصة في ظل رغبة النظام الحالي في تهدئة الشارع، عبر زيادة محتملة في الأجور والدعم، على حساب عجز الموازنة المتفاقم.
وقال مصدر بارز بوزارة المالية طلب عدم ذكر اسمه في تصريحات هاتفية لـ"العربي الجديد"، إن التطورات السياسية وتصاعد المطالب العمالية والفئوية خلال الفترة الماضية، أدى إلى عدم اعتماد المسؤولين عن إعداد موازنة العام المقبل 2014/2015، على المحددات الاقتصادية بقدر رضوخهم للتطورات السياسية والأزمات التي تعاني منها مصر.
وبحسب وزير المالية هاني قدري في تصريحات صحفية نهاية شهر مارس/أذار الجاري، فإن الأجور بالموازنة الجديدة سترتفع إلى 207 مليار جنيه (29.7 مليار دولار)، مقابل 172 مليار جنيه بالموازنة العامة الحالية التي تنتهي في يونيو/حزيران المقبل.
وكان مقرراً، حسب حكومة حازم الببلاوي المستقيلة نهاية فبراير/شباط، تطبيق 1200 جنيها حداً أدنى للأجور شهريا، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، بتكلفة سنوية تصل إلى 18 مليار جنيه، إلا أنه لم يطبق بشكل كامل بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة وعجز الموازنة البالغ نحو 240 مليار جنيه.
وجاءت التطورات في الموازنة، حسب المصدر، مدفوعة بإضافة تكلفة الحد الأدنى للأجور، فضلا عن العلاوة الدورية للعاملين بالجهاز الإداري للدولة البالغ عددهم 6 ملايين عامل، ووضع احتياطيات لتمويل العلاوة الاجتماعية في حال اتخاذ قرار سياسي بصرف علاوة اجتماعية جديدة.
وأعلن وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المتوقعة في نهاية شهر مايو/أيار.
وتوقع المصدر في وزارة المالية، زيادة إجمالي الموازنة المقبلة إلى 800 مليار جنيه، بدون إدراج إصلاحات اقتصادية مقابل 692.4 مليار جنيه العام المالي الحالي.
وسيرتفع الإنفاق على الدعم، إلى 246 مليار جنيه، مقابل 205 مليار جنيه بالموازنة الحالية، حسب المصدر.
وقال إن وزارة المالية تسعى حاليا لوضع الصورة كاملة للموازنة قبل إحالتها إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور، في ظل غياب السلطة التشريعية، والذي سيحيلها إلى مجلس الوزراء المصري، الذي قد يدخل عليها تعديلات بعد مناقشتها.
وكان مقررا الانتهاء من إعداد الموازنة التي بدأت منذ 6 شهور، اليوم الإثنين، لكن المصدر قال:"الوزارة لم تحدد موعدا نهائيا حتى الآن".
وكانت موازنة مصر الحالية، قد شهدت عددا من التعديلات الكبيرة والاستثنائية خلال الأشهر القليلة الماضية، بسبب فتح اعتمادين إضافيين بالموازنة، أدت إلى رفع اعتمادات الأجور وتعويضات العاملين إلى نحو 182 مليار جنيه، لكن مصادر مطلعة قالت إن أغلب الزيادات اتجهت إلى ضباط الشرطة والجيش.
وقال هشام توفيق، الخبير الاقتصادي ومستشار وزير المالية الأسبق، إن "وضع الأجور يمثل تحديا في الموازنة المصرية المقبلة .. إنه بمثابة قنبلة موقوتة يجب وضع حلول جذرية لمنع انفجارها".
وأضاف توفيق في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن فكرة العلاوات هي رشوة تمنحها الحكومة، لمن لا يعمل لأغراض سياسية ويجب التوقف عن منح علاوات مفتوحة وربط الحوافز بالإنتاج.
ويجب على الحكومة، حسب توفيق، أن تتخذ قرارات جريئة فيما يخص الأجور والدعم من خلال خفض نسب العاملين الحاليين بالجهاز الإداري للدولة، لتصل إلى مليون موظف فقط مقابل 6 ملايين موظف حاليا ووقف التعيينات الجديدة التي تمثل بطالة مقنعة.
وأشار إلى ضرورة إطلاق الحكومة برنامج تدريب تحويلي لمن سيخرج من الحكومة والخريجين الجدد من الجامعات لإقامة مشروعات صغيرة، وهو ما سيحدث ثورة صناعية في مصر تسهم في انطلاق الاقتصاد المصري في وقت قصير فضلا عن خفض الأجور التي بلا عائد على الإنتاج.
وتوقع وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب السابق أشرف بدر الدين، زيادة عجز الموازنة المقبلة إلى أكثر من 300 مليار جنيه، نتيجة انخفاض الإيرادات بشكل كبير، في ظل عدم وجود أفق سياسي لأية حلول للأزمة التي تعيشها مصر.
وقال بدر الدين فى تصريحات خاصة لـ"العربى الجديد" إن الوضع الحالي يؤثر سلبا على معدلات الإنتاج وبالتالي على الإيرادات الضريبية، وكذلك على حركة السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج.
وأضاف أن الموازنة الوحيدة التي تم مناقشتها في البرلمان بعد ثورة يناير، هي الموازنة الحالية 2013/ 2014، والتي استهدفت خفض عجز الموازنة إلى 8.9%، حيث تم معالجة عدد من المشاكل ووقف عمليات الفساد.
وقال بدر الدين، إن الأجور من أهم البنود لموازنات ما بعد ثورة 25 يناير 2011، ويجب أن تأتي في سياق طبيعي، لكن زيادتها بعد الانقلاب، سيؤدي إلى زيادة غير مسبوقة بالعجز في الموازنة، مع عدم وجود موارد كافية.
وقال: إن هناك أزمات أخري تواجه الموازنة المقبلة، ومنها دعم الطاقة والسلع وغيرها من البنود التي ستثقل كاهل الدولة.
وتأتي توقعات زيادة العجز رغم حصول النظام الحالي بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو / تموز الماضي، على مساعدات من المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، تصل إلى 12 مليار دولار من إجمالي تعهدات تبلغ 15.9 مليار دولار، بالإضافة إلى فك الحكومة المصرية وديعة حرب العراق البالغة 9 مليارات دولار، التي كانت مجنبة في حساب خاص بالبنك المركزي، فضلا عن الاقتراض من السوق المحلية.
وقال بدر الدين، إن الدولة أصدرت أذون خزانة بنحو 609.5 مليار جنيه في التسعة شهور الأولى من العام المالي الجاري، أي بزيادة 164.5 مليار جنيه عن أذون الخزانة خلال نفس الفترة من العام المالي السابق والبالغة 445 مليار جنيه.
وبحسب محمود الشاذلي، الخبير في الموازنة العامة ورئيس قطاع الموازنة الأسبق بوزارة المالية المصرية، فإن الأجور ارتفعت بصورة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب ارتفاع حوافز الاثابة للجهات الحكومية وتلبية المطالب الفئوية، وهو ما سيشل يد الحكومة للأنفاق على التنمية خاصة في ظل ارتفاع مماثل للدعم وفوائد الديون.
وطالب الشاذلي بتطبيق الحد الأقصى بكل حزم والاستغناء عن جميع المستشارين بالوزارات المختلفة، ما من شأنه أن يخفض فاتورة الأجور بما يمول جانبا من الحد الأدنى الذي أقرته الحكومة المصرية.