"ترجمان الأشواق": دمشق الآن... بعد عشرين عاماً

05 يونيو 2019
جرعات من الحنين بقالب بصري جديد في الدراما السورية(فيسبوك)
+ الخط -
لم يكن مسلسل "ترجمان الأشواق" ليعبر إلى الشاشة قبل أن يصل إلى أروقة قصر المهاجرين الرئاسي في دمشق، ويشاهده رئيس النظام السوري ويعطي الموافقة على عرض الأشرطة، بشرط إضافة مشاهد تصوّر بطولات الجيش، على حد وصفه. 

لكنّ النص الذي طوّره الكاتب بشار عباس عن فكرة للمخرج محمد عبد العزيز، استطاع جذب أنظار المشاهدين في الداخل والخارج عبر لعبه على وتر الحنين إلى العاصمة دمشق، فجاءت الدراما متفوقة على السياسة ومتحايلة عليها.

تبدأ الحكاية من شخصية نجيب الذي يعود من الولايات المتحدة الأميركية بعد غياب عشرين عاماً. لم يكن سبب العودة اختيارياً؛ فنبأ اختطاف ابنته الوحيدة، آنا، يغير مسار حياته ويقرر إعادة اكتشاف دمشق من جديد. المدينة التي تواجه الموت وتحاول الحفاظ على أدنى مقومات الحياة.

يسير نجيب في شوارع دمشق العتيقة حاملاً دفتر مذكرات صغيراً لابنته وجده في غرفة استأجرتها قبل اختطافها بأشهر، يرافقه في جولته تعليق صوتي بصوت ابنته، تتقاطع فيه مواقف عاشتها آنا في دمشق مع المشاهد التي يشاهدها نجيب أمامه.

وفي فلك نجيب، تدور ثلاثة نماذج من الشخصيات: النموذج الأول هم أصدقاء مرحلة الشباب، الذين تقطعت بهم السبل فباتوا يسخرون من أفكارهم الشيوعية، بعدما وجدوا أنهم دفعوا ثمناً باهظاً من الاعتقال والتهميش، وهنا بدأ الصراع بشكل خفي بين كمال المحافظ على عزلته في مكتبة تصارع البقاء في ظل تغيّر الزمن، وبين زهير، الطبيب الأقرب إلى التصوف، والذي يحافظ على علاقات وطيدة مع أصدقائه القدامى الذين تحولوا إلى قادة فصائل مسلحة في مناطق المعارضة.

يدخل المسلسل في تفاصيل مرحلة إخراج المقاتلين من أطراف دمشق وغوطتها، ورغم أنّ العمل يصّب في صالح رؤية النظام، كونه قائماً على الإنتاج الحكومي، لكن يمكن اعتباره الأقل إساءة من ناحية عدم شيطنة المعارضة وعرض الطرفين بشكل متوازن، إذا ما استثنينا بعض المشاهد المقحمة.

قدّم "ترجمان الأشواق" جرعات الحنين بقالب بصري جديد في الدراما السورية، حيث اعتمد بشكل كبير على لقطات الجو من الأعلى، التي ترصد مساحات كبيرة من دمشق التي كان من المحرّم رصدها عبر لقطات كهذه، وتفوّق مدير التصوير الراحل، عقبة عز الدين، في تقديم لقطات جمالية، كمشهد سينمائي ممتد كلقطة واحدة لمدة أربع دقائق.

أما في ما يخص الأداء، فقد صاغ المسلسل شخصيات مستقلة، وأعاد تقديم مجموعة من الممثلين بشكل لافت؛ فتربعت الممثلة ثناء دبسي على صدارة العمل بدور الأم التي تعكس سورية بكامل انكساراتها وحنينها وجبروتها، فيما لا يمكن تجاهل انضباط الأداء لدى كل من شكران مرتجى ورنا ريشة، والدور المفعم بالتوتر الذي قدمته الفنانة الشابة نوار يوسف.
قد يبدو "ترجمان الأشواق" حكاية درامية سلسة تخلو من العناوين العريضة، ولا تقع في فخ الأدلجة، رغم نوعية الحوارات المشبعة بالحنين، والتي لن تتكرر بسهولة في عمل درامي آخر.
المساهمون