01 نوفمبر 2024
"تحرير" الموصل... طائفياً؟
مع إعلان الحكومة العراقية، يوم الاثنين الماضي (17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، انطلاق معركة "تحرير" مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تجدّدت المخاوف حول مصير المكون السُنِّيِ العربي في العراق، والذي يمثل أغلبية مطلقة في الموصل. أثبتت التجارب السابقة لـ"تحرير" مدن وبلدات أخرى من قبضة التنظيم المتطرف في العراق أن البوصلة الطائفية كانت حاضرة دوماً، ولعل في استحضار الجرائم الوحشية التي ارتكبتها مليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران في كل من ديالى وتكريت عام 2015، غداة استعادتهما من "داعش"، والتي شملت عمليات قتل وتدمير وتخريب، وحتى إجلاء للسكان الأصليين، للعبث بالمعادلات الديموغرافية، ما يغنينا عن كثير تفصيل.
دافعنا إلى التخوف اليوم ليس قائماً، فحسب، على تجارب الماضي المريرة، والتي أبانت فيها المليشيات الشيعية عن حقد طائفي بغيض، بل إن منبعها التهديدات الطائفية التي يطلقها قادة هذه المليشيات نحو الموصل، التي يعيش فيها قرابة مليوني إنسان رهائن، منذ أكثر من عامين، لدى تنظيمٍ مجنون ومعتوه يتلفع عباءة "التَسَنُّنِ". ويكفي هنا استحضار التهديدات التي أطلقها زعيم مليشيات عصائب أهل الحق، الشيعية، قيس الخزعلي، عندما قال: "معركة تحرير الموصل ستكون انتقاما وثأراً من قتلة الحسين، لأن هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد". بمعنى آخر، سيكون أهل الموصل المنكوبة في مرمى عصاباتٍ طائفيةٍ مهووسةٍ، تقتات على أحقادٍ تاريخيةٍ عمرها مئات السنين، وأغلبها قائمٌ على خرافات ومبالغات وتحريف وتحوير.
قد يقول بعضهم إن من سيقود معركة الموصل هو "الجيش العراقي"، غير أن الجميع يعلم أن "الجيش العراقي" أضعف من أن يقود معركة وينتصر فيها، حيث أنه، أولا، منهار تنظيمياً ومعنوياتياً. وثانيا، "الجيش" اليوم مخترق من المليشيات الشيعية، ما ينفي عنه توصيف الجيش الوطني، ويدخله، هو نفسه، في سياق تعريف المليشيات الطائفية. وتأكيداً لذلك، تقاتل قوات "البشمركة" الكردية العراقية ضمن تشكيلاتها الخاصة، وليس ضمن "الجيش العراقي"، وكذلك الحال بالنسبة لمسلحي العشائر السُنِّيَةِ، فالجيش عملياً منحصرٌ بالطائفة الشيعية إلى حد كبير.
وفي هذا السياق، تأكيدات رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أنه هو من يقود معركة "تحرير" الموصل، تكذبها المعطيات السابقة، فالمستشارون الإيرانيون على الأرض هم، عملياً، من يتحكّمون في مسار المعارك عبر سيطرتهم على المليشيات الشيعية، في حين يقدم الأميركيون إسناداً جويا لتلك المليشيات الطائفية في مسعاها إلى السيطرة على الموصل.
وتحتاج النقطة الأخيرة حول الدور الأميركي بعض تفصيل هنا. فعندما سقطت الموصل في يونيو/حزيران 2014 بقبضة "داعش"، أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على عدم تقديم أي عونٍ عسكري لحكومة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، فقد اتهمته بأن سياساته الطائفية والإثنية ضد السُنَّةِ العرب والأكراد هي المسؤولة عن تمدّد "داعش". ولم تبدأ الطائرات الحربية الأميركية بقصف "داعش" التي أخذت، حينها، بالزحف نحو بغداد، إلا بعد استقالة المالكي في منتصف أغسطس/ آب 2014. وكان شرط إدارة أوباما من العبادي الذي خلف المالكي أن يشكّل حكومة وحدة وطنية، وأن يتبنى سياساتٍ تستوعب السُنَّةَ والأكراد، الأمر الذي لم يتمَّ إلى اليوم، اللهم إلا شكلاً لا مضمونا. لم يكن ذلك الشرط الوحيد الذي تجاوزه أوباما، بل إنه تجاوز الشرط الأهم، أن يكون الجيش تحت قيادة العبادي، لا إيران عبر المليشيات الشيعية، لكننا رأينا واقعاً كيف أن المقاتلات الأميركية قدّمت دعما لإيران ومليشياتها على الأرض، كما في معركتي ديالى وتكريت، من دون أن تنسى أن تتذمّر من ممارساتهم الطائفية بعد ذلك! وها هي اليوم أيضا، تقدم الدعم نفسه لتلك المليشيات، على الرغم من اتضاح دوافعها الطائفية البغيضة التي تصر إدارة أوباما أنها كانت سبباً في سرعة انتشار "داعش" في العراق.
نعلم أن تصاعد معدلات الفرز الطائفي وصفة دمار للجميع، ولن تفيد إلا أعداءنا الجَمَعِيِّينَ.
ولكن، ماذا عسانا نقول ونفعل، ونحن نرى هذا الهجمة الطائفية في العراق وسورية، بفعل جرائم نظام بشار الأسد، وداعميه الإيراني والروسي، وتكتفي أميركا بالتفرّج ومنع حلفاء الثوار من تزويدهم بالسلاح النوعي. "السُنَّةُ" ليسوا "داعش" بل هم ضحاياها، لكن العالم المتواطئ لا يرى جرائم "داعش" إلا إذا وجهت لغيرهم. عندما أرسل حسن نصر الله مقاتلي حزبه إلى سورية لدعم نظام الأسد، خرج علينا بتصريح بغيض عام 2013، بالقول إن هدفه من ذلك: "منع سقوط مقام السيدة زينب، ومنع التكفيريين من هدم هذا المقام" في دمشق. كيف تختلف تلك التصريحات عن تصريحات الخزعلي عن "تحرير" الموصل؟
اليوم، تسكت الولايات المتحدة عن جرائم المليشيات الشيعية في العراق، وعن جرائم المليشيات الشيعية وإيران في سورية، فحسب وزير الخارجية جون كيري، فإن "حزب الله لا يتآمر ضدنا"، في حين أنها تضغط على السعودية، لوقف حربها على الحوثيين، المخلب الإيراني، في اليمن؟ أيضا، فإن الولايات المتحدة التي سلمت العراق لإيران تتبنى موقف حكومة العبادي، وسيده الإيراني، بضرورة انسحاب ألفي جندي تركي من معسكر بعشيقة شمال الموصل، على الرغم من أن العراق ينغل بالمقاتلين الأجانب؟ هل "تتآمر" السعودية وتركيا على الولايات المتحدة كذلك؟
ما سبق ليس دفاعاً عن التأسيس الطائفي للصراع في المنطقة، لكنها دعوة إلى وقفه، والبحث عن معادلة للعيش المشترك، فلن يلغي أحد الآخر أبداً، غير أن سياسات إيران ومليشياتها في المنطقة، بتواطؤ غربي وشرقي، لا تساعد على ذلك أبداً.
دافعنا إلى التخوف اليوم ليس قائماً، فحسب، على تجارب الماضي المريرة، والتي أبانت فيها المليشيات الشيعية عن حقد طائفي بغيض، بل إن منبعها التهديدات الطائفية التي يطلقها قادة هذه المليشيات نحو الموصل، التي يعيش فيها قرابة مليوني إنسان رهائن، منذ أكثر من عامين، لدى تنظيمٍ مجنون ومعتوه يتلفع عباءة "التَسَنُّنِ". ويكفي هنا استحضار التهديدات التي أطلقها زعيم مليشيات عصائب أهل الحق، الشيعية، قيس الخزعلي، عندما قال: "معركة تحرير الموصل ستكون انتقاما وثأراً من قتلة الحسين، لأن هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد". بمعنى آخر، سيكون أهل الموصل المنكوبة في مرمى عصاباتٍ طائفيةٍ مهووسةٍ، تقتات على أحقادٍ تاريخيةٍ عمرها مئات السنين، وأغلبها قائمٌ على خرافات ومبالغات وتحريف وتحوير.
قد يقول بعضهم إن من سيقود معركة الموصل هو "الجيش العراقي"، غير أن الجميع يعلم أن "الجيش العراقي" أضعف من أن يقود معركة وينتصر فيها، حيث أنه، أولا، منهار تنظيمياً ومعنوياتياً. وثانيا، "الجيش" اليوم مخترق من المليشيات الشيعية، ما ينفي عنه توصيف الجيش الوطني، ويدخله، هو نفسه، في سياق تعريف المليشيات الطائفية. وتأكيداً لذلك، تقاتل قوات "البشمركة" الكردية العراقية ضمن تشكيلاتها الخاصة، وليس ضمن "الجيش العراقي"، وكذلك الحال بالنسبة لمسلحي العشائر السُنِّيَةِ، فالجيش عملياً منحصرٌ بالطائفة الشيعية إلى حد كبير.
وتحتاج النقطة الأخيرة حول الدور الأميركي بعض تفصيل هنا. فعندما سقطت الموصل في يونيو/حزيران 2014 بقبضة "داعش"، أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على عدم تقديم أي عونٍ عسكري لحكومة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، فقد اتهمته بأن سياساته الطائفية والإثنية ضد السُنَّةِ العرب والأكراد هي المسؤولة عن تمدّد "داعش". ولم تبدأ الطائرات الحربية الأميركية بقصف "داعش" التي أخذت، حينها، بالزحف نحو بغداد، إلا بعد استقالة المالكي في منتصف أغسطس/ آب 2014. وكان شرط إدارة أوباما من العبادي الذي خلف المالكي أن يشكّل حكومة وحدة وطنية، وأن يتبنى سياساتٍ تستوعب السُنَّةَ والأكراد، الأمر الذي لم يتمَّ إلى اليوم، اللهم إلا شكلاً لا مضمونا. لم يكن ذلك الشرط الوحيد الذي تجاوزه أوباما، بل إنه تجاوز الشرط الأهم، أن يكون الجيش تحت قيادة العبادي، لا إيران عبر المليشيات الشيعية، لكننا رأينا واقعاً كيف أن المقاتلات الأميركية قدّمت دعما لإيران ومليشياتها على الأرض، كما في معركتي ديالى وتكريت، من دون أن تنسى أن تتذمّر من ممارساتهم الطائفية بعد ذلك! وها هي اليوم أيضا، تقدم الدعم نفسه لتلك المليشيات، على الرغم من اتضاح دوافعها الطائفية البغيضة التي تصر إدارة أوباما أنها كانت سبباً في سرعة انتشار "داعش" في العراق.
نعلم أن تصاعد معدلات الفرز الطائفي وصفة دمار للجميع، ولن تفيد إلا أعداءنا الجَمَعِيِّينَ.
اليوم، تسكت الولايات المتحدة عن جرائم المليشيات الشيعية في العراق، وعن جرائم المليشيات الشيعية وإيران في سورية، فحسب وزير الخارجية جون كيري، فإن "حزب الله لا يتآمر ضدنا"، في حين أنها تضغط على السعودية، لوقف حربها على الحوثيين، المخلب الإيراني، في اليمن؟ أيضا، فإن الولايات المتحدة التي سلمت العراق لإيران تتبنى موقف حكومة العبادي، وسيده الإيراني، بضرورة انسحاب ألفي جندي تركي من معسكر بعشيقة شمال الموصل، على الرغم من أن العراق ينغل بالمقاتلين الأجانب؟ هل "تتآمر" السعودية وتركيا على الولايات المتحدة كذلك؟
ما سبق ليس دفاعاً عن التأسيس الطائفي للصراع في المنطقة، لكنها دعوة إلى وقفه، والبحث عن معادلة للعيش المشترك، فلن يلغي أحد الآخر أبداً، غير أن سياسات إيران ومليشياتها في المنطقة، بتواطؤ غربي وشرقي، لا تساعد على ذلك أبداً.