13 أكتوبر 2024
"تجميد" الاستدارات الأردنية
عزّزت زيارة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، أخيرا، إلى عمّان (خلال جولته في المنطقة) القناعة لدى النخب السياسية الأردنية بأنّ الأفكار الأولية التي كانت تُطرح في أروقة القرار، عن انفتاح أكبر على إيران وتطوّر الأزمة مع الإدارة الأميركية وإسرائيل، لم تعد تلك التوجهات والنقاشات مطروحة.
ليست هذه الزيارة وحدها السبب في تجميد السياسة الخارجية الأردنية عند هذه المعطيات، فبنس لم يقدّم أي تنازلات، وأعاد التأكيد على ما اعتبره قراراً تاريخياً للرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ولكن، في المقابل، تزامنت الزيارة مع نجاح الجهود الأميركية في حلحلة الأزمة بين الأردن وإسرائيل، على خلفية قتل حارس أمن إسرائيلي في عمّان، في يوليو/ تموز الماضي، أردنيين، ما أدى عملياً إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية، فقد توصل الأميركيون إلى إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالقبول العلني للشروط الأردنية الثلاثة (تسمية سفير جديد، التأسف والتعويض المالي للضحايا، الالتزام بمحاكمة القاتل ومتابعة التحقيق في حادثة مقتل القاضي الأردني، رائد زعيتر، قبل أعوام، على الجسر بين الأردن والأراضي المحتلة، من جنود إسرائيليين).
وفي الوقت الذي يدرك فيه المسؤولون الأردنيون أنّه لا رجعة عن قرار ترامب فيما يخص القدس، فإنّ زيارة نائبه كانت لطمأنة الأردن ومصر بأنّ العلاقة مع الولايات المتحدة لن تتأثّر بردود الفعل العربية الغاضبة، وبالاعتراف بهذا الاختلاف بين الطرفين، إذ صرّح بنس بوضوح بالقول "اتفقت مع الملك عبدالله بألا نتفق حول القدس الشرقية".
مع ذلك، حاول الملك الخروج من الزيارة ببعض المكاسب، إذ طالبه بالضغط على إسرائيل فيما يخص الاستيطان، ومعاملة الاحتلال غير الإنسانية للفلسطينيين، وبمطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالإفراج عن المعتقلة الفلسطينية، الفتاة عهد التميمي، التي أصبحت أيقونة للنضال الوطني الفلسطيني، ويثير اعتقالها حالة من الغضب والاستفزاز في أوساط شعبية عربية عريضة.
لكن أهمّ هدف استراتيجي في زيارة بنس إلى المنطقة يتمثّل في محاولة "تحييد" موضوع القدس عن فكرة تدشين ائتلاف إقليمي أميركي- عربي (وبصورة غير معلنة إسرائيل)، يقوم على أولوية الخطر الإيراني، وضرورة تحجيم قوة إيران في المنطقة، ما يخلق جسراً للإدارة الأميركية للتوحيد بين حلفائها في المنطقة، أو التوفيق بينهم، الدول العربية وإسرائيل، بما يخدم مصالحها وأجندتها في المنطقة.
عند هذه النقطة، تبدو الصعوبة الأردنية الشديدة في هضم هذه الفكرة، فما يزال الملك عبدالله الثاني مصرّاً على أولوية القضية الفلسطينية، بينما تحاول الإدارة الأميركية بالتقارب، غير المعلن، مع دول عربية التقليل من أهمية القضية، وتداعيات نقل السفارة إلى القدس في الشارع العربي، وتدلّل على ذلك بردود الفعل المتواضعة، ليس فقط على الصعيد الرسمي العربي، بل الشعبي أيضاً.
من زاوية أخرى، ما يزال الأمر غير واضح للأردن، فيما يتعلّق بالنيات الحقيقية للإدارة الأميركية بخصوص خطة السلام المنتظرة (ما أطلق عليها صفقة العصر)، وهنالك مخاوف بأنّها تأتي لتنزع موضوع القدس من الحل النهائي، وتنهي أي سيادةٍ حقيقية للكيان الفلسطيني المنتظر، وبأن يكون ما يسمى "الحل الإقليمي" هو المعتمد، أي الضغط على الأردن ومصر لتحمل جزء من استحقاقات الحل النهائي، وهذه جميعاً تمثّل تهديداً جديّاً للمصالح الوطنية والأمن الوطني الأردني والمعادلة الداخلية أيضاً.
خلاصة تقدير الموقف: تجمّد التفكير الأردني بالانفتاح على إيران، وتقوية العلاقات مع دول الجوار، في اللحظة الراهنة، وكما يقول مسؤول أردني لم يعد الانفتاح على إيران خطّاً أحمر سعوديا، بل أصبح أميركياً أيضاً. كما أنّ هنالك ترميما لعلاقة الأردن بالولايات المتحدة بعد أزمة قرار ترامب، من دون التراجع عنه، ومحاولات أميركية وعربية بالخفاء لتخفيف الاندفاع الأردني- الفلسطيني لمواجهته، وفي الوقت نفسه، انتهاء الأزمة المتفاعلة أردنياً- إسرائيلياً، بجهود أميركية في محاولة لتسوية الخلافات بين حلفاء أميركا في المنطقة.
ليست هذه الزيارة وحدها السبب في تجميد السياسة الخارجية الأردنية عند هذه المعطيات، فبنس لم يقدّم أي تنازلات، وأعاد التأكيد على ما اعتبره قراراً تاريخياً للرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ولكن، في المقابل، تزامنت الزيارة مع نجاح الجهود الأميركية في حلحلة الأزمة بين الأردن وإسرائيل، على خلفية قتل حارس أمن إسرائيلي في عمّان، في يوليو/ تموز الماضي، أردنيين، ما أدى عملياً إلى إغلاق السفارة الإسرائيلية، فقد توصل الأميركيون إلى إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالقبول العلني للشروط الأردنية الثلاثة (تسمية سفير جديد، التأسف والتعويض المالي للضحايا، الالتزام بمحاكمة القاتل ومتابعة التحقيق في حادثة مقتل القاضي الأردني، رائد زعيتر، قبل أعوام، على الجسر بين الأردن والأراضي المحتلة، من جنود إسرائيليين).
وفي الوقت الذي يدرك فيه المسؤولون الأردنيون أنّه لا رجعة عن قرار ترامب فيما يخص القدس، فإنّ زيارة نائبه كانت لطمأنة الأردن ومصر بأنّ العلاقة مع الولايات المتحدة لن تتأثّر بردود الفعل العربية الغاضبة، وبالاعتراف بهذا الاختلاف بين الطرفين، إذ صرّح بنس بوضوح بالقول "اتفقت مع الملك عبدالله بألا نتفق حول القدس الشرقية".
مع ذلك، حاول الملك الخروج من الزيارة ببعض المكاسب، إذ طالبه بالضغط على إسرائيل فيما يخص الاستيطان، ومعاملة الاحتلال غير الإنسانية للفلسطينيين، وبمطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالإفراج عن المعتقلة الفلسطينية، الفتاة عهد التميمي، التي أصبحت أيقونة للنضال الوطني الفلسطيني، ويثير اعتقالها حالة من الغضب والاستفزاز في أوساط شعبية عربية عريضة.
لكن أهمّ هدف استراتيجي في زيارة بنس إلى المنطقة يتمثّل في محاولة "تحييد" موضوع القدس عن فكرة تدشين ائتلاف إقليمي أميركي- عربي (وبصورة غير معلنة إسرائيل)، يقوم على أولوية الخطر الإيراني، وضرورة تحجيم قوة إيران في المنطقة، ما يخلق جسراً للإدارة الأميركية للتوحيد بين حلفائها في المنطقة، أو التوفيق بينهم، الدول العربية وإسرائيل، بما يخدم مصالحها وأجندتها في المنطقة.
عند هذه النقطة، تبدو الصعوبة الأردنية الشديدة في هضم هذه الفكرة، فما يزال الملك عبدالله الثاني مصرّاً على أولوية القضية الفلسطينية، بينما تحاول الإدارة الأميركية بالتقارب، غير المعلن، مع دول عربية التقليل من أهمية القضية، وتداعيات نقل السفارة إلى القدس في الشارع العربي، وتدلّل على ذلك بردود الفعل المتواضعة، ليس فقط على الصعيد الرسمي العربي، بل الشعبي أيضاً.
من زاوية أخرى، ما يزال الأمر غير واضح للأردن، فيما يتعلّق بالنيات الحقيقية للإدارة الأميركية بخصوص خطة السلام المنتظرة (ما أطلق عليها صفقة العصر)، وهنالك مخاوف بأنّها تأتي لتنزع موضوع القدس من الحل النهائي، وتنهي أي سيادةٍ حقيقية للكيان الفلسطيني المنتظر، وبأن يكون ما يسمى "الحل الإقليمي" هو المعتمد، أي الضغط على الأردن ومصر لتحمل جزء من استحقاقات الحل النهائي، وهذه جميعاً تمثّل تهديداً جديّاً للمصالح الوطنية والأمن الوطني الأردني والمعادلة الداخلية أيضاً.
خلاصة تقدير الموقف: تجمّد التفكير الأردني بالانفتاح على إيران، وتقوية العلاقات مع دول الجوار، في اللحظة الراهنة، وكما يقول مسؤول أردني لم يعد الانفتاح على إيران خطّاً أحمر سعوديا، بل أصبح أميركياً أيضاً. كما أنّ هنالك ترميما لعلاقة الأردن بالولايات المتحدة بعد أزمة قرار ترامب، من دون التراجع عنه، ومحاولات أميركية وعربية بالخفاء لتخفيف الاندفاع الأردني- الفلسطيني لمواجهته، وفي الوقت نفسه، انتهاء الأزمة المتفاعلة أردنياً- إسرائيلياً، بجهود أميركية في محاولة لتسوية الخلافات بين حلفاء أميركا في المنطقة.